بالرغم من أن الوعي الكوردستاني عانی لأكثر من نصف قرن التسلط والإرهاب والمحاربة الدائمة من قبل الأنظمة القمعیة الحاکمة وبالأخص من قبل النظام الدیکتاتوري البعثي المقبور، إلا أن إقلیم كوردستان يعیش مع قدوم العام الميلادي الجديد 2020 حقبة آفاق مفتوحة تسلحه بإرادة إنسانية مستديمة وثقافة تعلي من شأن الإنسان الكوردستاني وحقوقه، وتصون كرامته ومكتسباته، وتجذر وتعمق خيارات الحوار والتعددية والتسامح ونظاماً سياسياً، يستند في إِدارته وحكمه على مبدأِ المشاركة وتداول السلطة وإرساء دعائم الديمقراطية في الحياة العامة.
أما حکومة الإقليم، فإنها قامت في السنوات القريبة الماضية بالعمل الجاد من أجل الوصول الی نموذج الحكم الصالح “Good Governance”و إجتیاز إمتحان المعرفة والديموقراطية والتنمية لكي يستطيع شعب الإقلیم ممارسة هويات عابرة ويتعامل مع معدنه کتراث لا کمتراس، حتی تکون هویته في النهاية عابرة منتجة مبدعة خلاقة، من خلالها يساهم في منجزات الحضارة الحديثة.
بهذه الصفات والقدرات تمکّن الإقليم من أن يلعب دوراً مهماً في مکافحة الإرهاب والتطرف ويصبح عاملاً مهماً في صناعة الإستقرار السياسي في العراق والمنطقة.
نحن لا نقول بأن القدرات الإنسانية للإقليم في المعرفة وفي تمکين المرأة مکتملة، فلازالت حرية تكوين الروابط المدنية وجمعيات النفع العام ضعيفة وأنساق الحکم الإداري شبه مركزية والمشاركة السياسية تدار بأسلوب مركزي جزئي خاضع لتنظيم شديد لايشمل جميع المواطنين.
هنا ينبغي علی حکومة الإقليم الإستمرار في تعزيز ودعم وصون رفاه الإنسان الكوردستاني وتوسيع قدراته وخياراته وحرياته الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، کما ينبغي أن تبدأ بتفكيك آليات وأساليب قديمة متحجرة سائدة، لأن إدارة البشر في عصر العولمة يحتاج الی إبتكار سياسي ومٶسسي جديد يتلائم مع التغير في نمط السلطة.
فالهوية هي ما ننجزه نحن ونحسن أداءه، أي مانصنعه بأنفسنا وبالعالم ، لا ما نتذكره ونحافظ علیه أو ندافع عنه.
أما الفضل في مواجهة التحديات التي واجهت الإقليم في الأعوام السابقة، کتعثّر الحکومة إقتصادیاً وإستنزاف الحد الأقصی من أموالها جراء أعباء الحرب ضد تنظيم “داعش” لأكثر من أربعة سنوات فيعود الی سياسة الحكيمة للقيادة الكوردستانية المعتصمة بقيم الديمقراطية والمٶمنة بالتعایش السلمي بین المکونات و الأدیان.
لذا تبقی حکومة الإقلیم مدعومة ومحترمة من قبل أصدقاء شعب كوردستان لدی الأسرة الدولیة والمجتمع الدولي.
إن العمل الدؤوب من أجل صناعة الواقع والحضور في هذا الزمن بشکل فعال و مزدهر والإيمان بأن إقلیم كوردستان هو جزء من القرية الكونية الصغيرة التي نعیش فیها والإحساس بأن الترابط والتشابك بين مصالح المجتمعات الإقتصادية والثقافية لافكاك بینها، ساعد بشکل إيجابي في تنامي وتطور الوعي السياسي والإجتماعي لدی المواطن الكوردستاني ومكّنه ليحسن الإفادة من الماضي والتاريخ و يُجدر إستقبال آلآتي من الزمان، هکذا يقف شعب الإقليم ضد کل نظام لایحترم التعددية وحق الاختلاف والتداول السلمي للسلطة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير والتطلع الی حياة أفضل.
فيما يخص العراق ، فإننا وللأسف لم نری، رغم مضي 16 عام من الحکم، إرادة للبناء وخلق المواطنة أو الوصول الی مستوی فهم الدولة الحقيقية، لذی بقيت الدولة العراقية علی شکل سلطة ساهمت في هشاشتها و فشلها، ناهيك عن إهمال عملية الإصلاح السياسي والإداري والتخلص من الفساد والرشوة والمحسوبية والمنسوبية في دوائر ومؤسسات الدولة، التي هي ولیدة السیاسة الفاشلة لبعض کتل الإسلام السياسي والأحزاب الطائفية المسيطرة طوال فترة ما بعد سقوط الطاغي صدام علی الساحة السیاسیة العراقية.
يطالب الشعب العراقي المحتج والمنتفض اليوم بإصلاحات جذرية في کافة المجالات السياسية والإدارية والإجتماعية والإقتصادية لتعزیز الإنصاف والعدالة الإجتماعية ومعالجة المسائل المتعلقة بكفاءة أجهزة الإدارة العامة من خلال تبسيط الإجراءات وإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطوير منظومة القوانين والتشريعات الإدارية وتفعیل دور البرلمان لمنع ممارسة الحکومة والنظام إستئثار أو إحتکار و مصادرة وإهانة، سواء في مایخص السلطة والثروة أو الحقيقة والحریة والکرامة.
هذا الشعب يريد بأنتفاضته أن يرسم حدوداً أو ينهي سلطة الأحزاب الحاکمة الفاسدة والغير ملتزمة بالدستور والقوانین و التي شکلت دولة داخل الدولة.
لقد آن الأوان ليتحرر هذا لاشعب من العقد والحساسیات الحزبیة والطائفية والهوس النضالي والهذر الثقافي والآفات التي خلقت اللاإستقرار السياسي وعرقلت مشاریع التقدم والرفاه وحضور العدالة الإجتماعية والمشارکة في صناعة القرارات المصیریة.
هناك إرادة لدی المواطن العراقي المحتج لتغيير نفسه لکي يسهم في تغيير سواە، أو في تحویل واقعە، بقدر ما ينجح في تغذیة العناوین المطروحة وتحویل المفاهیم السائدة في ضوء التحدیات والمستجدات. إنه قادر علی وضع أجندة متماسكة للمستقبل، وتحويل تعبئة الشوارع إلى قوة سياسية منظمة، لإيقاف مشكلة التدخل الخارجي بالشأن العراقي ومنع إسناد المناصب الحكومية لغير الكفوئين والنفعيين وتسلط الاقتصاديات أو سيادة المناهج الطائفية والقبلية في إدارة الدولة.
نحن نعرف بأن الديموقراطية تنمو ببطء، وليس من خلال ثورات عنيفة. ومن أجل کسب شعبه علی الحکومة القادمة في العراق أن تسير علی خطی حکومة إقلیم كوردستان في زرع القيم الديموقراطية أو ما تسمى بالقوة الناعمة. حلیه رسم خارطة جديدة لعلاقة الفرد بالدولة والمجتمع والحیاة المدنية على الصعد المعرفية والسياسية والخُلُقيّة، أي ما يخصّ علاقة المرء بذاته وبالآخر، أو بالواقع والعالم.
ومع قدوم العام الجديد 2020 نتمنی للعراق ولشعبه السلام والإستقرار والأمان ولشعب كوردستان نتمنی النجاح والتوفيق للوصول الی ما يهدف إليه من آماله العريضة وأحلامه التي يطمح الیها.