تُضرب الأمثال كي لا تقاس، ماذا إن قيست؟ وماذا إن أصاب قياسها عين الواقع؟ (بالملي كما نقول بالعامية)، ألا يصبح من قُصِدَ بها أضحوكة للقاصي والداني، وهو حال حكوماتنا العربية التي عودتنا على التنديد والاستنكار بابتسامة عريضة، وفلسفة “نعامية” المنطق، بل ولا أجحف حقاً إن شمل المثل حكوماتنا السابقة، ظالمها، طالحها، صالحها الذي لم أعهده، إن مرَّ علينا صالح (سمعت أنه مات).
أُحتُلَتِ فلسطين، فهب العرب ينادون بتحرير القدس – وليتهم لم يفعلوا – لم يحرروا القدس، بل أهدوا الصهاينة سيناء، وثارت حميتهم أخرى، وليتها لم تثر، فلم يحرروا قدساً بل وهبوا الجولان، والثالثة ثابتة، فلم يكتفوا بما وهبوا، ليدخل الصهاينة جنوب لبنان محتلاً، ولم يحرر العرب القدس أيضاً.
وجاء دور عراقيتنا لترفع شعار تحرير القدس، فرفعته حكوماتنا عالياً، سنحرر القدس، لكن سنمر على إيران أولاً، فطريق بغداد يمر “بالجبايش”، واستل العراق سيفه، واستلت العرب أموالها، لتضرب ضربة رجل واحد، كي يضيع دم إيران بين الدول، فلم نحرر القدس بل أعطينا إيران نصف شط العرب وأراض عراقية في سيف سعد وزين القوس وغيرها، واتفاقية الجزائر العربية أخذت على عاتقها هذه المرة توزيع الهبات العربية.
يالهذه القدس، التي عدنا لنرفع شعارها بعد خسارتنا الحرب مع إيران، لينطح وعلُنا صخرة أصغر، عله يضرها، وقد ضرها ولكن “أوهى قرنه الوعل” وكعادة العرب وسخائهم حتى فيما
بينهم، وبعيون مغمضة ذليلة، أهدى العراق مساحات من البصرة لكويتنا الشقيقة، ولم تحرر القدس.
حكومتنا الحالية – حماها الله من شر نفسها الأمارة بالسوء – وعت شيئاً من الدرس، فرفعت شعار تحرير القدس مبطناً، لكنها لم تسلم من شره أيضاً، فلاحقتها ويلاته داعشية دموية استباحت ما استباحت ونهبت ما شاءت واحتلت ما استطاعت من أرض العراق.
عذراً ياقدس، ضُرِبَتْ بك الأمثال ليس إلا لفضح حكومات ما احترمت يوماً شعوبها ولا عروبتها، بل ولا حتى ما تدعيه من إسلامها، تنادي بتحرير أرضك وهي لم تحافظ حتى على أراضيها، فأصبحت كتلك المرأة التي ضحك عليها العرّاف (سيد علي) ليطلّقها من زوجها وما تزوجها، فأمست لم تحظ بزوجها … “ولا خذت سيد علي”.