23 ديسمبر، 2024 5:49 ص

حكومات العراق وثِمار أسوأ قرار أمريكي!

حكومات العراق وثِمار أسوأ قرار أمريكي!

بعد منتصف ليلة العشرين من آذار/ مارس 2003 أطلق الرئيس الأمريكيّ جورج بوش الابن صافرته معلناً بداية حرب (محو العراق) وليس (تحريره)!
وخلال عدّة ساعات سقطت على مدن العراق مئات الصواريخ من البحار والطائرات، وتمكّنت، لغزارتها وكثافتها، من تهشيم “الدولة المريضة” أصلاً بسبب الحصار الدوليّ الذي استمرّ لأكثر من (13) عاماً!
وبعد إلقاء مئات الأطنان من الأسلحة الجديدة والقديمة والممنوعة أعلن الرئيس الأمريكيّ في الثاني من مايو/ أيّار 2003، في خطاب على متن حاملة الطائرات إبراهام لنكولن، أنّ” الحرب شُنّت بهدف تحرير شعب العراق وتحقيق السلام للعالم، وأنّ دكتاتور العراق قد سقط، وأنّ العراق قد حُرّر، وأنّ القوّات الأمريكيّة تقوم الآن فيه بعمليّات حفظ الأمن وإعادة البناء”!
والحقيقة أنّ بوش لم يخلّص العراقيّين من الدكتاتوريّة كما قال في خطابه، بل دمّر حياتهم، وسحق بلدهم، وأخرجهم من دوائر النموّ والتطوّر والتنميّة!
أبادت “حرب التحرير” في عامها الأوّل أكثر من 13 ألف مدنيّ، ثمّ تفاوتت إحصائيات الخسائر المذهلة ما بين مليون ضحيّة وفقاً لدراسة معهد الاستطلاعات البريطانيّ منتصف العام 2007، وما لا يقلّ عن 655 ألف قتيل بحسب تقديرات مجلّة “ذي لانسيت” العلميّة البريطانيّة في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2006!
هذه التخمينات قابلتها اعترافات من جيش الاحتلال الأميركيّ بمقتل نحو 77 ألف عراقيّ للفترة من كانون الثاني/ يناير 2004 وحتّى آب/ أغسطس 2008!
والمُبهم في الأمر أنّ حكومات العراق لا تملك حتّى اليوم أيّ إحصائيات حول أعداد الضحايا من القتلى والمعوّقين والمهجّرين!
ومع كلّ هذه الخسائر البشريّة والإستراتيجيّة المُبهمة، وبعد أكثر من 17 عاماً من الكارثة، أعلن الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب يوم الثلاثاء الماضي أنّ إطلاق الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، حملة غزو العراق عام 2003 ” كان أسوأ قرار تمّ اتّخاذه في تاريخ الولايات المتّحدة”!
وهذا الاعتراف الأمريكيّ الرسميّ يحمل جملة من التبعات القانونيّة والإنسانيّة والسياسيّة!
معلوم أنّ القاعدة القانونيّة والشرعيّة تثبت أنّ “ما بُنِي على باطل فهو باطل”؛ ولهذا نقول إنّ العمليّة السياسيّة في العراق كانت أهمّ ثِمار الاحتلال الأمريكيّ، وعليه، وبناءً على كلام الرئيس ترامب، نتساءل:
هل بقيت أيّ شرعيّة للعمليّة السياسيّة في العراق؟
وبعيداً عن الجواب الواضح لهذا التساؤل المهمّ أقول إنّ القوى الحاكمة المتعاقبة، ومع كلّ أنواع الدعم الداخليّ والخارجيّ، لم تفلح في بناء الدولة، ومستمرة في مناحراتها السياسيّة العجيبة!
وفجر أمس الخميس، وبعد مفاوضات جافّة ورطبة وافق (اللاعبون الكبار) على تمرير حكومة مصطفى الكاظمي ليكون رئيساً لوزراء العراق!
وبخلاف معظم التسريبات التي تشير إلى أنّ حكومة الكاظمي انتقالية ومؤقتة لترتيب أوراق البلاد لمرحلة انتخابات مبكّرة، إلا أنّ تدقيق النظر في البرنامج الحكوميّ يؤكّد أنّها حكومة طويلة الأمد، وستكمل المرحلة المتبقّية من عمر حكومة عادل عبد المهدي، وربّما في نهايتها ستدعو لانتخابات برلمانيّة!
وبالذهاب إلى الجانب العمليّ الواجب على رئيس الحكومة نقول:
هل يمتلك الكاظمي القدرة على محاسبة قتلة العراقيّين من المتظاهرين وغيرهم؟
وهل يمكنه معرفة مصير آلاف المختطفين والمغيّبين وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء؟
وهل سيُلجم المليشيات ويحصر السلاح بيد الدولة، وينهي تجارة بيع الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة، وربّما الثقيلة من شوارع بغداد وبقيّة المدن؟
وهل سيفتح ملفّات فساد كبار الحيتان من المسؤولين وزعماء المليشيات والقوى المتنفّذة؟
وهل سيعالج البطالة، ويقضي على الفوارق الاجتماعيّة بين المواطنين؟
وأخيراً هل سيتمكّن من إرضاء جموع المتظاهرين الرافضين لمخرجات العمليّة السياسيّة، ومنها حكومته؟
الميدان هو الحكم على أداء حكومة الكاظمي، التي هي نتاج توافق سياسيّ مطعون في صحّته من الأساس حتّى من الأمريكان الذين وفّروا الدعم الأمنيّ والقانونيّ والمادّيّ لهذه الحكومات، وقلبوا الحياة في العراق بحجّة التغيّير والحرّيّة والديمقراطيّة!

وأحسن صديقنا الشاعر ( رعد بندر) حينما قال بالأمس:

قالوا رئيسٌ قادمٌ مرحـى لـــهُ
في كل خطوٍ من خطاهُ نماءُ!

منْ راح أو من جاء لا فرقٌ وهل
غير الظلام ســـــــــتولِدُ الظلماءُ!

وطنٌ تَكرَّرَ بيـــعُهُ بمزادِهمْ
والبائعون المشترون سواءُ!

ودموعُنا تـهمي متى ما قرَّروا
ودماؤنا تجري متى ما شاؤوا!

هُم واحدٌ في كلِّ شيءٍ واحدٌ
لكنَّمـــــــــــا تتغيَّرُ الأسماءُ!