يواجه العراق ومنذ عقود تحديات تهدد نسيجه الاجتماعية والاقتصادية بخطر كبير . ويواجه الانسان العراقي جميع اشكال الهدم والقتل .. قتل الذات والجسد . وقتل عقله وفكره ومشاعره وكل ما يمت بصلة الى الحياة . وقالوا ان النيل من ثلاثة امور واسقاط دورها تستطيع من اسقاط مجتمع . هي الاسرة ، والتربية والتعليم ، و القدوة.
فالاسرة العراقية اصبحت اليوم مهددة بالتفكك والانهيار . فحالات الطلاق ارتفعت في العراق الى مستويات غير مسبوقة وخطيرة . واضحى الطلاق يجري على كل لسان بسهولة سيما وان “محاكم العراق كافة سجلت خلال عام 2017 (70097) حالة طلاق”. وهذا الرقم الكبير دليل خطير على انهيار منظومة الاسرة العراقية التي تتلاقفها مشاكل عديدة من كل حدب وصوب . ناهيك عن دخول الانترنيت وظهور مواقع التواصل الاجتماعية التي فاقمت حجم المشاكل ليأتي الفقر والعوز ليدق اسفين هدم في بنائها الاجتماعي .
ومن ثم المدرسة بعدما كانت احدى اسس تربيته وتعليمه . فالتعليم في العراق شهد انحداراً خطيراً وغير مسبوق منذ تأسيس الدولة العراقية، يتمثل في ارتفاع مستويات التسرب من المدارس وتدني جودة التعليم، وانهيار البنى التحتية وتسجيل نقص يقدر بأكثر من 12 ألف مدرسة ابتدائية وثانوية، إلى جانب قلة التجهيزات المدرسية والوسائل اللوجستية. هذه الامور انعكست بشكل جوهري على مخرجات التعليم التي باتت ضعيفة وغير قادرة على تولي زمام الامور بعدما اضحى خريج الدراسات العليا يعمل حرفي ويبيع الخضراوات شأنه شأن الامي . وخريج الجامعة الذي لايفقه من تعليمه شيئا وينسى اختصاصه في لجة الحياة والبحث عن لقمة العيش .
ناهيك ان اي مجتمع يستمد قوته وصلابة بناءه من قدوته فيه فأذا كان المجتمع فيه قدوات صالحة وبناءة قدمت للبشرية عصارة فكرها وعلمها ترى المجتمع يحتفي بها ويسير ابناؤه على خطاهم مستمد نجاحه من نجاح قدوته . ولكن اذا كانت قدوات المجتمع الحقيقية مغيبة . ويبنى على قدوات غير نزيهة تتسم باللصوصية وشيوع الرشوة والفساد بكل اشكاله . فالاجيال القادمة تتربى على هذا النوع من القدوات وتبحث عن قدوات من مجتمعات اخرى لاتمت بصلة لتاريخ مجتمعنا . فالاعلام الغربي وافلامه وسط شاذ في تبني قدوات لجيل المستقبل الذي وجد في شخصيات ” بات مان” و ” سوبرمان ” و” سبايدرمان ” وغيرها من النماذج التي يطرحها منتشرة على شاشة التلفزيون اوعلى الجدران وفي الاعلانات اومطبوعة على حقائب اطفالنا .
واذا اردنا ان نحدث تغيير ايجابي وبناء حقيقي في مجتمعنا لابد من بداية صحيحة وقوية وراسخة المباديء . فمن صحت بدايته صحت نهايته، ونقطة البداية هي معرفة الغاية والهدف لوجودنا في الحياة، لتكون لدينا رؤية واضحة لعملية البناء . ويتفق خبراء التنمية ان اي خطة تنموية لابد ان تبدأ بالانسان . البشر قبل الحجر كما يقولون . ونجد في نهضة اليابان خير مثال . فبعد الحرب العالمية الثانية وجدت اليابان نفسها مدمرة تدمير شامل في بنيتها التحتية وفي الانسان الذي شوهته الحرب . فاستطاعت اليابان بأرادة فولاذية قوية النهوض من تحت ركام الحرب ورماد الدمار حتى باتت اليوم رقما صعبا في ميزان اقتصاديات الدول المتقدمة . والسبب ان اليابان اعتمدت الانسان في بنائها ، فطبقت التربية الاخلاقية في مدارسها وفي جميع مفاصل حياتها التي هي اساس بناء الانسان وتطوره . لتأتي بعدها المانيا . ومن ثم دول اخرى من العالم الثالث تحولت بأرادة صلبة الى دول متقدمة بسبب برامجها التنموية للانسان مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة والهند وغيرها التي تسعى نحو التقدم اليوم .
ويبدأ بناء الانسان اولا في بناء الاسرة بتوفير الامن الاقتصادي لها بمحاربة البطالة وشيوع الثقافة الاسرية . وتنمية التربية والتعليم في مدارسنا وجامعاتنا بتوفير كل سبل التعليم . وهذا لايحتاج الى مصباح علاء الدين في ظل موارد مالية كبيرة وضخمة تجنيها الدولة