22 نوفمبر، 2024 6:42 م
Search
Close this search box.

حكم الشيعة في لعراق

حكم الشيعة في لعراق

(البزوغ والإفول)

سوأل ظل يتردد في أذهان الجميع، وهو لماذا إختارت الولايات المتحدة الشيعة لحكم العراق عام 2003؟ بعد أن رفضت مساعدتهم قبل 12 عاماً، وتهاونت مع صدام على قمعهم في إنتفاضهتم التي سمّاها النظام أنذاك بصفحة الغدر والخيانة، ووصفتهم بإلغوغاء، فيما سمّاها النظام الحالي بالانتفاضة الشعبانية؟ ولماذا فضلتهم على غيرهم من مكونات الشعب العراقي الاخرى، والسُنة تحديداً؟
إن الإجابة على هذا السوأل تقتضي البحث بإختصار في الجذور التاريخية للأزمة. كما تجدر الاشارة الى إن ذلك لا يشكل مساساً بأي مكون إجتماعي، أو مذهب ديني، بقدر ما يشّخص السلبيات في كل جانب من أجل تلافيها. فالسُنة والشيعة مكونان أصيلان من مكونات الشعب العراقي، إلا إن إستخدام إسم أي مكون لاغراض سياسية خاصة، أو في أي مشروع سياسي يربط الدين بالسياسة، دون إلاكتراث لحجم الإساءة التي يلحقها بهذا المكون أو ذاك، هو الذي يطبع هذه المرحلة التاريخية من حكم العراق بإسم الشيعة طيلة 14 عاماً الماضية.
* الجذور التاريخية
ومن الناحية التاريخية، فإن هناك صراعاً خفياً بين هذين المكونين يستند لأسس مذهبية راسخة، ومصلحية دفينة. وهي بهذا الوصف أشبه بنار تحت الرماد، تخبو تارة وتثور أخرى. “وحتى لا يبدو وكأننا نُحَمِّل المسؤولية للدين بما هو كذلك، فلنقل إنها ثابتة من ثوابت الإسلام التاريخي، بل هي الثابتة الأكثر استمرارية فيه، وإن خمدت جذورها أو اتقدت تبعاً لتقلب موازين القوى الممسكة بمقاليد السلطة والدولة”. كما إن الغلبة كانت للسُنة الذين إنتزعوا الحكم الاسلامي بعد وفاة الرسول مباشرة في الاجتماع المعروف بسقيفة بني ساعدة يوم 13 ذي الحجة لسنة 11ه (632.6.8 للميلاد)، أي قبل 1426 سنة تماما.
فمن المعروف تاريخياً ، أن الانشطار السني – الشيعي بدأ سياسياً خالصاً رغم شكله الديني، حيث اتخذ أسلوب العنف في حروب الخلافة التي تتالت فصولها في موقعتين رئيسيتين: الأولى موقعة الجمل، في عام ستة وثلاثين للهجرة (656 ميلادية) بين علي بن أبي طالب، وبين عائشة ، الثانية، موقعة صفين، بين علي ومعاوية عام 37 هجرية/657 ميلادية، “وفي هاتين الواقعتين، الجمل، وصفين ، خَلَّفّ الاقتتال عشرة آلاف قتيل في أولاهما، وسبعين ألف قتيل في ثانيتهما، وقد أعقبت هاتين الواقعتين ، بعد خمس وعشرين سنة،
مجزرة أقل حجماً بكثير، ولكن ذات بعد مأساوي اكبر بكثير أيضاً، تمثلت في موقعة كربلاء التي تمخضت في عام واحد وستين للهجرة (680 ميلادية) عن مقتل الحسين بن علي، وعدا بشاعة المقتلة بحد ذاتها، فقد أخذت مأساة كربلاء بعداً تأسيسياً لما لن يتردد بعض الدارسين في تسميته بـ”الديانة” الشيعية، بالنظر إلى ما تَوَلَّدَ عنها من شعور بالذنب وحاجة إلى التكفير لدى أهل الكوفة –وذريتهم من بعدهم- ” .
ومنذ ذلك اليوم, ظّل الحكم بيد السُنة، على الرغم من إنتقاله لاقوام أخرى متعددة ومختلفة من غير العرب، عبرَ نظام سياسي يستند على الشريعة الاسلامية يدعى بالخلافة، الذي استمر منذ انتخاب ابو بكر الصديق، أول خليفة للرسول محمد، حتى تاريخ إلغاءها في 20 ربيع الأول 1342هـ الموافق 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1923، إلا إن الإعلان عن إلغاءها رسمياً جرى على يد أتاتورك في 27 رجب 1342هـ الموافق 3 آذار/ مارس 1924م، بعد أن إستمرت طيلة 1292 سنة متصلة. وبإستثناء حكم العباسيين، حيث تأسست الدولة العباسية على يد المتحدرين من سلالة أصغر أعمام نبي الإسلام محمد بن عبد الله، ألا وهو العباس بن عبد المطلب، وقد اعتمد العباسيون في تأسيس دولتهم على الفرس الناقمين على الأمويين لاستبعادهم إياهم من مناصب الدولة والمراكز الكبرى، واحتفاظ العرب بها، كذلك استمال العباسيون الشيعة للمساعدة على زعزعة كيان الدولة الأموية. نقل العباسيون عاصمة الدولة، بعد نجاح ثورتهم، من دمشق ، إلى الكوفة، ثم الأنبار قبل أن يقوموا بتشييد مدينة بغداد لتكون عاصمة لهم، فإن الشيعة لم يستلموا حكم الدولة الاسلامية أبداً.
وفي عام 1921 أعلن فيصل بن الحسين ملكاً على العراق، وعلى الرغم من إن الشريف حسين يعتز بنسبه لآل البيت، إلا إن صراع السقيفة كان منسياً، وإستطاع فيصل أن يكسب شيعة العراق من خلال جولاته المختلفة وكان يُقسم بجده الحسين (ع) في العديد من خطبه، كما إن والده كان قد تحفظ حول تنصيبه على العراق بقوله: إن أهل العراق سيقتلونه، كما قتلوا جده الحسين. وقد لعب البريطانيون على هذا الوتر المذهبي الحساس، بالاضافة الى الوتر القومي العربي، عند إستمالة الحسين شريف مكة لإعلان التمرد على الخلافة العثمانية. إلا إن البريطانيين سلموا السلطة الى السُنة ممثلة بالنقيب عبد الرحمن الكيلاني-نقيب أشراف بغداد الذي اخْتِيرَ كَأَوَّلِ رَئِيسِ وُزَرَاءٍ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ فِي 1920 م، وهو شيخ كبير يبلغ من العمر أنذاك 79 عاماً، وتوفي بعد ذلك بسنتين في 1922. وظّل فيصل ومن بعده غاي وفيصل الثاني يسعون لخلق وإنماء روح المواطنة لدى العراقيين جميعا.
إلا إن نار الصراع المذهبي ظلت قائمة، حتى سقوط الحكم الملكي, إقامة الجمهورية في العراق صبيحة 14 من تموز 1958، وإعلان الزعيم عبد الكريم قاسم رئيساً للوزراء. وعلى الرغم من إن قاسم هو عراقي من المذهب الشيعي في العراق، إلا إنه لم يثبت عليه، طيلة فترة حكمه، ممارسته للطائفية المذهبية.
وبعد أن إنتزع رفيق دربه ومنافسه عبد السلام عارف السلطة منه في 8 شباط 1964، والتي يشير لها أتباع عارف بالتاريخ الهجري بثورة 14 رمضان، حيث عادت من جديد النغمة الدينية-والقومية الى إسلوب الحكم، حتى ثورة 14 تموز 1968 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي أنشأه المفكر السوري المسيحي ميشيل عفلق، فكان حزباً قومياً علمانياً أكثر منه دينياً.
* حكم الشيعة في العراق
في 9 نيسان عام 2003، سقط حكم حزب البعث إثر الغزو الاميركي للعراق، وخلال سنة من حكم الحاكم المدني بريمر، تقاطر الى العراق كل الذين إدعوا إنهم كانوا معارضين لصدام حسين، والذي عاشوا ظروفاً قاسية في مختلف الدول أهمها إيران وسوريا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهولندا، فشكلوا خليطا غير متجانس من المرضى النفسيين لإدارة العراق. ومنحت الادارة الاميركية في عهد بوش الابن، الضوء الاخضر لإيران لتنتقم من نظام صدام حسين والشعب العراقي عموماً، فوجدت في الطائفية الشيعية أفضل داء لتدمير العراق. وكما يفعل جميع المسلمين والعرب في إقتناص الفرصة حتى لو كانت مبنية على خطأ، دون التفكير في العواقب. وهكذا نجد حتى مثقفي الشيعة وليبرالييها يتوجهون الى إيران منذ عودتهم للعراق، وفي مقدمتهم عراب الاحتلال أحمد الجلبي، الذي أثيرت الشبهات حول وفاته مسموما، دون أن يحظى بأية منصب حكومي مكافأة لخدماته. ولحق الشيعة أخرون مثل الاكراد، وخاصة أولئك الذين أقاموا فيها فترة من الزمن، فساعدوا على ترسيخ حكم الشيعة، وتبعهم إنتهازيي السُنة أيضا بعد سنة واحدة، في إنتخابات 2005، ولا نغالي إذا قلنا أن هناك حتى من المسيحيين من الذين اصبحوا موالين لايران. وقد تأخر التأثير السعودي لعشر سنوات، وبدا ضعيفاً، أما التأثير التركي فقد كان محدوداً بتركمان العراق.
ولكن يمكن القول اجمالاً إن الحكم كان في أساسه شيعياً، حيث إن الأحزاب الحاكمة طبعته بالطابع المذهبي الشيعي. وسنرى لاحقاً، أن الشيعة في العراق، كانوا أكثر المتضررين منه، وتحولوا الى معارضين له بشدة.
* أسباب إختيار الشيعة
وبعد 14 عاماً من حكم الشيعة في العراق، يظّل السوأل قائماً وهو، لماذا إختارت الولايات المتحدة، الشيعة لحكم العراق عام 2003 وحتى الان؟
إن ذلك يرجع لاسباب عديدة، بعضها تاريخي أو سياسي أو مادي، بالاضافة الى أسباب أخرى، نفسية راسخة في تكوين كل طائفة مذهبية، وأخرى إجتماعية. إلا أنها بالنسبة للولايات المتحدة فإنها ليست أكثر إستراتيجية قائمة على الإنتقام من نظام متمرد، وإستثمار للكارثة. ويمكن تلخيص هذه الاسباب، وهي:-
1. إمتناع السعودية ودول الخليج من دفع الضريبة للولايات المتحدة للابقاء على حكم السُنة، وإبعاد الشيعة وحاضنتهم إيران، كما فعلت عام 1991، حيث قاد ضغطها المالي الى إيقاف تقدم قوات الاميركية بقيادة الجنرال نورمان شوارسكوف الى قلب العاصمة العراقية بغداد. وقد سبق إن وضعنا جدولا للنفقات التي تكفلت بها السعودية وبقية دول الخليج، لتغطية النشطة العسكرية ألأميركية، وعلى الشكل الأتي:-
* تكاليف الحرب العراقية-الايرانية (حرب الخليج الاولى) 1000 مليار دولار
* تكاليف حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية) 620 مليار دولار
* تكاليف حرب إسقاط نظام صدام (حرب الخليج الثالثة) 3 تريليون دولار
* تكاليف حرب القضاء على داعش (الحرب على الارهاب) 10.2 مليار دولار
* تكاليف الحرب في سوريا 800 مليار دولار
* تكاليف الحرب على اليمن 38.7 مليار دولار
* تكاليف الحر ب الليبية 240 مليار دولار
وإن مما يثير الدهشة والإستغراب، إن أحد اسباب غزو الكويت، هي مطالبة صدام للكويت بتقديم عشرة مليارات دولار كمساعدة، وإلغاء ديون الحرب العراقية-الايرانية والتي تقدر ب عشرة مليارات أخرى، بالاضافة الى مليارين واربعمئة دولار كتعويض عن النفط المسروق من حقل الرميلة. أي ما مجموعه (22,4) مليار دولار.في حين أشارت بعض تقارير صندوق النقد الجولي الى إن ديون تلك الحرب قد بلغت 60 مليار دولار. ويمكن المقارنة بينها وبين تكاليف حرب تحرير الكويت بعد غزوها والتي بلغت 620 مليار دولار. وهي لا تشكل في كل الاحوال نسبة تتراوح بين 2-9% منها.
وربما أدركت الكويت والسعودية وباقي دول الخليج، إن صدام،كان أرخص شرطي في المنطقة.
إن هذه الارقام المهولة كانت قادرة على تحقيق الرفاهية لكل سكان المعمورة.
2. الإستحواذ على ثروات العراق وآثاره، لتعزير مجتمعاتها التي تعاني من المديونية والازمات الإقتصادية، وإنعدام الإمتداد الحضاري.
3. إن مجموعة من الشيعة كانوا من المعارضين غير السياسيين لنظام البعث، وشكلوا جماعات تدعي بالمظلومية والاضطهاد.
4. إن البعض من مثقفيهم وكفاءاتهم، تعاونوا مع الولايات المتحدة لوضع برنامج لاسقاط نظام صدام حسين، وفي مقدمتهم رند رحيم فرانكي وأحمد الجلبي وأخرون.
5. الاستخدام السيء للدين، فمازال الدين في العراق يلعب دورا كبيرا وخطيرا في حياة الشعب العراقي. وقد وجد السياسيون ضالتهم فيه ، فجرى توجيهه الوجهة التي تخدم مصالحهم. كما ان المؤسسة الدينية قد وجدت مجالا كبيرا للتدخل في السياسة العامة، لذا فالمشهد العراقي ملىء برجال الدين من كل الطوائف وهم يمارسون السياسة بطريقة غير علمية. وهذا ما يبرر ظهور فتاوى دينية
إسلامية لم تكن معروفة أو مقبولة من قبل، يغذيها رجال دين مدفوعين للإساءة للإسلام. فعلى سبيل المثال، وأثناء خدمتي الدبلوسية، زار ممثلية العراق في جنيف وفد من البرلمانيين العراقيين ، واثناء الحديث قال لي احدهم، بعد ان عرف بعملي ممثلا للعراق في الامم المتحدة: “أريد يااستاذ ان تتقدم على جميع الدبلوماسيين في الامم المتحدة حتى في القاء الكلمات، لاننا نتقدم عليهم إنسانيا وإلهياً. وشرع يشرح ذلك، قائلا: أما انسانياً، فلإن أدم ابو البشرية قد وُلد في العراق، والهياً، لإن الامام الغائب المهدي المنتظر سيظهر على ارض العراق”. ومن المؤكد ان هذا البرلماني من اصول دينية لايعلم اسلوب ونظام القاء الكلمات والبيانات في الامم المتحدة، وهذا ليس ببعيد عن التوجه الفكري الشيعي الإيراني، حيث سبق وإن قال الرئيس الايراني أحمدي نجاد: “أن أمريكا أكبر حاجز يعطل ظهور المهدي المنتظر”. وهكذا نجد الاخرون. ويجب أن لا يفهم ذكر هذه الامثلة على التوجهات الفكرية الدينية الشيعية، على إن توجهات الفريق الأخر هي جميعها عقلانية، لابل إن الكثير من الفتاوى السُنية تثير الإستغراب والذهول.
وقد رأينا، كيف إن الدين والمؤسسة الدينية تسيّدا الموقف لمعالجة التدهور الامني في العراق عام 2014 عند ظهور تنظيم الدولة وإحتلاله الموصل، والاخير اخطر من الاول. وقد يقود الى حرب اهلية لاتبقي ولاتذر.
والى جانب ذلك، فقد لعب الأمريكان دوراً في تشويه الدين والإساءة اليه والى رجال الدين، ولمختلف الاديان، عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، من خلال الاتصال بهم، وطلب التعاون معهم، وتشجيعهم على الاستحواذ على الأموال العامة والعائدة للافراد ولمؤسسات الدولة، وجعل دور العبادة مخازن لإيداع الأموال المسروقة والمختلسة، وإغراء رجال الدين بإلاستفادة منهم.
6. إعادة المسلمين الى سقيفة بني ساعدة، وتحديداً الى يوم الجمعة 13/3/11 هجرية، ليرجعوا اربعة عشر قرناً الى الوراء، من خلال إثارة الصراع المذهبي بين المسلمين. صحيح إن ” ما يجري اليوم في بلدان الوطن العربي عموماً، وفي العراق وسوريا واليمن خصوصاً، لا يدع مجالاً للشك في ان الطائفية في الإسلام ليست حدثاً طارئاً ولا مصطنعاً بعامل خارجي: فهي قديمة قدم الإسلام نفسه، دون أن نتجاوز الدور الاستعماري في إحياء وتشجيع الصراعات الطائفية، وصياغة بعض الأنظمة العربية وفق المحاصصة الطائفية كما هو الحال في لبنان والعراق وسوريا .. إلخ”.
7. ترسيخ الاستنتاج الاكاديمي، بأن الشيعة لا يصلحون للحكم إطلاقاً، بعد تجربتهم في العراق طيلة 15 عاما, وإستخلاص نتائج هذه التجربة .
8. تحجيم دور العراق، كبلد عنيد متمرد، يستند لقاعدة إقتصادية قوية، ويشكل تهديدا للولايات المتحدة الامريكية، من خلال تشجيع بقية الدول على التمرد ضدها.
9. جعل العراق عبرًة للدول الاخرى عموماً، والعربية خصوصاً، لضمان إنصياعها للتوجيهات الامريكية لاحقاً.
10. توريط إيران في المستنقع العراقي، لتكون الضحية القادمة التي ستحفر، بتصرفاتها الانتقامية، قبرها بيدها في العراق.
11. جعل العراق المنيع سابقاً، قاعدة أمريكية لتدمير وتفتيت الدول العربية بعد خمس سنوات، وفقاً لمفهوم الفوضى الخلاقة. وهذا ما حدث بالفعل في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا.
12. إزاحة بعض الاقليات، وفي مقدمتهم مسيحيو الشرق، والايزدية والصابئة وغيرهم، لانهم يشكلون عقبة في طريق تنفيذ المخطط التدميري الكبير، نظراً لولاءهم لأوطانهم، وطيب العلاقة بينهم وبين الاغلبية المسلمة، وذلك إستعداداً للحرب العالمية القادمة بين المسيحية والاسلام.
* طبيعة المجتمع الشيعي
الى جانب كل هذه الاسباب، فإن أهم سبب كان هو، طبيعة المجتمع الشيعي التي تتصف بما يلي:
اولاً. الشيعي ميّال الى الغريب، في حين إن السُني ميّال الى القريب. وذلك يرجع الى إحساس الشيعة بالظلم والإضطهاد. فمن الناحية التاريخية، فإن أول مَن ناصر التشيع، كانوا من الفرس الذين سَبتهم الجيوش الاسلامية في فتحها لمملكة فارس. وفي وقت لاحق من تاريخ الدولة الاسلامية، وقف الشيعة الى جانب الفرس وساندوهم في إقامة الدولة العباسية عام 128 ه، الموافق 750م. وفي وقت متأخر، أثناء الحرب العراقية-الايرانية 1980-1988، كانوا يجدون الحرج في مقاتلة إيران، وإلتجأ العديد منهم اليها، وشكلوا أحزاباً وفرقاً عسكرية مثل، المجلس الاعلى وقوات بدر وغيرها، والتي عادت لتستلم السلطة في العراق بعد عام 2003.
ثانياّ. الشيعي يعتقد بالإمامة لا الخلافة. أي إنه يتبع مرجعيته الدينية لا سلطته السياسية. لذا فإن كسب المرجعية سيساعد على أخذ زمام القيادة للشيعة. وهذا سيساعد على إلغاء حدود الدول التي يقيمون فيها، مما يفقدها سيادتها. لإن إهتمامهم سينصب على نشر المذهب لا الحفاظ على كيان الدولة. لذا تراهم يقاتلون في سوريا مؤخراً.
ثالثاً. الشيعي يعتمد مبدأ التقية، لذا فهو بارع في إخفاء مشاعره الحقيقة، وهذا أمر مهم في العمل السياسي. وهذا ساعده على التقرب من الانظمة القمعية المتعاقبة بإستمرار والعمل معها.
رابعا. لايعاني الشيعي من عقدة المرأة التي ظهرت بتأثير أحد الصحابة الاقوياء، وهو عمر بن الخطاب، والذي أصبح لاحقاً ثاني خليفة للمسلمين. لهذا فالمرأة الشيعة لها حرية أكبر في الظهور من مثيلتها في
المجتمع السُني، الذي يقيّد على المرأة كثيراً. لهذا كانت وما زالت إحدى نقاط الخلاف بين السُنة والشيعة، هي مسألة زواج المتعة.
خامسا. الشيعة في أصلها مدرسة روحية، في حين إن السُنة مذهب مادي إعتمد السنة النبوية لشرعنة الاستحواذ على السلطة, ولتبرير بقاءها في يد العرب، وتحديداً في قريش. “لكن ، لابد من التأكيد على أن حماية الدين، عند أصحاب المذهب الشيعي، “كانت على الدوام مهمّة النجف، فاتيكانه حتى وإن تزعزع موقع هذا الفاتيكان إثر الثورة الإيرانية، لكن الشيعي الذي تحلّل من انتمائه العشائري، لم يلبس رداء الهوية المدنية، بل صار منقاداً وراء الإمام أو السيّد، وقد ارتكزت هذه الطاعة، على تفسير كلمة أولي الأمر، في الآية 59 من سورة “النساء” التي تدل عند الشيعة على الإمام المعصوم، أو من يحل مكانه، أما ولي الأمر عند القطب الإصلاحي السنّي الشيخ محمد عبده ، حيث تتبدّل دلالات أولي الأمر مع الزمن، إلى درجة جعلت محمد عبده المتصالح مع واقعه، يُخرج الناس من مدار الطاعة لعلماء هذا العصر، ليستبدلهم بممثلي الأمة المنتخبين من الشعب بلا إكراه أو ضغط، أي أهل الحل والعقد والقيادة، في الدولة الوطنية أو القومية الحديثة” . وعلى عكس الجمهرة الشيعية، يقف رجل الدين السُّني في المنابر السياسية إلى جانب صاحب السلطة/ أو الحاكم، أو الامير أو الملك أو الرئيس أو شيخ العشيرة الذي يتولّى الإعلان عن الموقف السياسي. فالخطابات الدينية في الجوامع السنّية لا توجّه ولا تحذّر ولا تُصدر مواقف متباينة عن مواقف الحاكم المتنفذ ملكاً أو رئيساً أو شيخ عشيرة، ثمة، باختصار، تقسيم عمل بين السياسي (الحاكم)، ورجل الدين السني، يقبع الأول على قمّته”.
سادساً. الشيعي منغلق على طائفته بحكم الإضطهاد السياسي، في حين إن السُني منفتح بحكم إستحواذه على السلطة. ومن هنا ظهر مفهوم الطائفية.
و”يُعرِّف معجم أوكسفورد الشخص “الطائفي” بأنه الشخص الذي يتبع ، بشكل مُتعنِّت ، طائفة معينة، أي إنه الذي يرفض الطوائف الأخرى، ويغبنها حقوقها، أو يكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها ، تعالياً على بقية الطوائف ، أو تجاهلاً لها، وتعصبًا ضدها ؛ في حين لا يعني مجرد الانتماء إلى طائفة، أو فرقة ،أو مذهب، جعل الإنسان المنتمي طائفيًا، كما لا يجعله طائفيًا عمله لتحسين أوضاع طائفته ، أو المنطقة التي يعيش فيها ، دون إضرار بحق الآخرين.”.
يرى بعض الباحثين، أن الطائفية تنتمي إلى ميدان السياسة، لا إلى مجال الدين والعقيدة، وأنها تشكل سوقاً موازية للسياسة، أكثر مما تعكس إرادة تعميم قيم أو مبادئ أو مذاهب دينية لجماعة خاصة، كما إن الطائفية لا علاقة لها في الواقع بتعدد الطوائف أو الديانات، إذ من الممكن تماما أن يكون المجتمع متعدد الطوائف الدينية من دون أن يؤدي ذلك إلى نشوء دولة طائفية أو سيطرة الطائفية على الحياة السياسية، وبالتالي لتقديم هذا الولاء على الولاء للدولة والقانون الذي تمثله.
وفي هذا الجانب، فإن “مفهوم الطائفية، أصبح يستخدم بديلاً لمفاهيم “الملة، والعرق، والدين” التي كانت سائدة قبل ذلك، واختلطت هذه المفاهيم جميعاً في بيئة متزامنة، فكريًا وسياسيًا، فأنتجت مفهوم “الطائفية”
باعتباره تعبيرا عن حالة أزمة يعيشها المجتمع، حيث أصبحت الطائفية مذهباً، وإيديولوجية، وهوية، حلت محل الهويات الأخرى، والانتماءات الأعلى، بل بدأت تتعالى عليها؛ وقد تبدى الاستعداد للتقاطع معها، وأخذ موقعها، وهذا ما يهدد، اليوم، وحدة الشعوب، كما هو الحال في لبنان، والعراق، وسوريا، وغيرها، كما إن دولاً عربية أخرى تتخذ من الطائفية ذريعة لقمع شعوبها التي تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية”.
سابعاً. لقد أفرزت وقائع الصراع السُني- الشيعي طبيعة كل منهم. وهذه أهم نقطة في طبيعة الشخصية. فالسُني، عند بلوغ الصراع أوَجُه، يلجأ إلى الانتحار من خلال تفجير نفسه على خصومه. أما الشيعي فإنه يلجأ الى جلد نفسه وتعذيبها بشتى الاشكال، وهذا ما نجده أساساً في ممارساته لطقوسه الدينية. وإذا كان السنُي سادياً في تعامله، فالشيعي بدا مازوشياً. وهذه كانت واحدة من أهم النقاط التي دفعت الأمريكان الى تفضيل تسليم السلطة لهم، لانهم لا يشكلون ضرراً عليهم وعلى إستراتيجيتهم.
* الظهور
من المعروف ان القسم الاكبر من المعارضة العراقية لنظام صدام حسين كانت من الطائفة الشيعية التي استخدمتها ايران وامريكا وبريطانيا لاسقاط ذلك النظام. وقد شجعت الدوائر السياسية الامريكية على ابراز مظلوميتهم، فأصدر أحد المختصين الامريكيين وهو غراهام فوللر بالاشتراك مع شيعية امريكية من اصل عراقي هي رند رحيم فرانكي كتابا باللغة الانكليزية بعنوان (The Arab Shi’a: the forgotten Muslims) عام 1999. وهكذا فقد استطاع الأمريكان ان يعيدوا العراق الى صراعات (سقيفة بني ساعدة) لعام 632م. وشعر الشيعة بان فترة انصافهم قد حلت وبان الوقت قد حان للاخذ بثأر (الحسين) ، فانطلقوا يبحثون عن (يزيد)، وبدؤا يتصرفون على هذا الاساس ، مما قاد الى شيوع الانتماء الطائفي وانعدام المواطنة. ، وباحتلال العراق عينت رند رحيم سفيرة للعراق لدى واشنطن في تشرين الثاني 2003. إلا ان السلطات الامريكية قد خيرتها بين الاحتفاظ بمنصبها كسفيرة للعراق او الاحتفاظ بجنسيتها الامريكية، ففضلت الخيار الاخير وتركت المنصب في اب 2004 بعد تسعة اشهر فقط. ولم يكن مصير زميلها ومعاصرها، وأحد أقطاب هذا المشروع، بأفضل منها. فقد نبذته الادارة الامريكية، وتناست خدماته، بعد أن شعرت بميوله لإيران، ولم يحظى بأي منصب رسمي. وهذا يدل على إن المشروع هو بالأساس سياسي بحت، وإن إستخدم الدين غطاءً له.وقد قاد هذا التمسك الطائفي الى ان يحل مفهوم ( المكونات ) بدل مفهوم الشعب الموحد.
إن المتتبع لشؤون السياسة الدولية يمكن أن يلاحظ إن عام 1979، هو عام بزوغ الاسلام السياسي، حيث ظهرت المؤشرات التالية، وكمايلي:
آ- بزوغ الاسلام السياسي وإستلامه السلطة في عدد من الدول الإسلامية والعربية، إبتدأها الخميني في إيران، ثم طالبان في أفغانستان، وحزب الدعوة الاسلامية في العراق، والإخوان المسلمين في مصر وغيرها. وهكذا، وجدنا إن الغرب عموما والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا خصوصا، قد سعت لتغيير
الانظمة السياسية العلمانية في تلك الدول الاسلامية والعربية، مثل نظام الشاه في إيران (1979)، النظام الماركسي في أفغانستان (1979)، ونظام صدام في العراق (2003)، ونظام زين العابدين بن علي في تونس، ونظام علي عبد الله صالح في اليمن، ونظام حسني مبارك في مصر (2011)، لتستبدلها بأنظمة دينية إسلامية.
ب- إن أحزاب الاسلام السياسي قد فشلت في كل الدول التي إستلمت السلطة فيها لسبب جوهري واحد، وهو إنها مارست السلطة وفقاً لايدولوجيتها الدينية، ولم تستطع أن تستوعب حقيقة أن إدارة الحكم يختلف عن حساب يوم القيامة. وتعذر عليها أن تغير من مفاهيمها الدينية لتجعلها ملائمة لإدارة الدولة إلا بعد وقت طويل، قدمت فيه شعوب تلك الدول خسائر جسيمة وتضحيات كبيرة. مما تعذر قبولها وإستمرارها فيما بعد.
ج- إن الدول الغربية ذات التاريخ الاستعماري العريق، قد وجدت في هذه النظم السياسية الاسلامية أفضل وسيلة للأنتقام من شعوبها وتبديد ثرواتها، وإستغلال جهلها وعدم معرفتها بشؤون الحكم، فإستغلتها أبشع إستغلال، ودعمت الفريقين المتعارضين المؤمنين والكفار، فدعمت الفريق الاول رسمياً سراً وعلناً، وإنتصرت للفريق الثاني تحت مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التفكير والتعبير والتدين (الإلحاد)، بشكل غير رسمي. فتمكنت بذلك من خداع الجميع.
د_ لقد وجد الغرب في مفهوم “الجهاد” أفضل وسيلة لتجنيد المقاتلين بأرخص الاثمان. فقاتلت بهم في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي، وقاتلت بهم صدام حسين، وحسني مبارك وغيرهم. وهكذا شكّل هولاء المقاتلين جيوشاً تقاتل بهم الدول الغربية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، لتحقيق أهدافها الستراتيجية والعسكرية بشكل إقتصادي كبير، كما إنها إستثمرتهم لبث الرعب لدى الدول العربية والاسلامية الغنية، وفي مقدمتهم الدول الخليجية، للتلويح بهم، كعصا سحرية للتدمير وسحق الشعوب وإسقاط الانظمةالسياسية، وإنتزاع ثرواتهم. ولعل أصدق مثل على التهديد بهم، هو ماقاله الرئيس الاميركي أوبامالرئيس الوزراء العراقي حيد العبادي عام 2014 بأن “الذئب على الباب”. ويقصد بهم جماعة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش).
وكما قلت هيلاري كلينتون صراحة: “دعونا نتذكر هنا أن أولئك الذين نقاتلهم اليوم نحن من قمنا بدعمهم يومًا ما قبل 20 عامًا. فعلنا ذلك لأننا كنا عالقين في صراع مع الاتحاد السوفيتي، ولم يكن بإمكاننا أن نسمح لهم بالسيطرة على آسيا الوسطى”. «بمباركة الرئيس ريجان وبموافقة الكونغرس بقيادة الحزب الديموقراطي قمنا بالتعامل مع المخابرات الباكستانية ودعمنا تجنيد هؤلاء المجاهدين من السعودية وأماكن أخرى.. استوردنا العلامة الوهابية للإسلام حتى نستطيع الإجهاز على الاتحاد السوفيتي». «في النهاية انسحب السوفييت.. لم يكن استثمارًا سيئًا فقد أسقطنا الاتحاد السوفيتي ولكن علينا أن نوقن أن ما نزرعه فسوف نحصده». وقد كانت كلينتون أول ضحية لنهاية عهد الاسلام السياسي، وكان سبباً لخسارتها في إنتخابات الرئاسة الاميركية عام 2016.
* الأفول
هل حان وقت إفول حكم الشيعة في العراق، وربما في إيران ودول أخرى أيضاً ؟
لقد أفرزت انتخابات الرئاسة الاميركية طيلة عام 2016 عن بلورة برنامج جديد يبدو متعارضاً مع البرنامج السابق المتمثل في دعم الاسلام السياسي بكافة أشكاله وفصائله المختلفة، وهو برنامج ضرب الاسلام السياسي الذي أستغرق قرابة 30 عاماً (1979-2017 )، والذي حظي بقبول الدولة العميقة في الولايات المتحدة أولا، وبقبول أكثر من نصف الشعب الاميركي، كما حَظي بإرتياح من الشعوب العربية. إن هذا البرنامج في الحقيقة، لا يتعارض مع البرنامج السابق، وإن بدا كذلك، وإنما هو إمتداد له. وقد مثّل هذا البرنامج الانتخابي المقبول أحد أثرياء الولايات المتحدة دونالد ترامب مرشحاً عن الحزب الجمهوري، وفاز بنتيجة غير متوقعة، أقصت واحدة من أكثر الشخصيات التي رافقت نشوء الإسلام السياسي طيلة 30 سنة، ألا وهي هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي.
وطيلة السنوات الثلاث الماضية، كانت الولايات المتحدة تبحث عمن تكون ضحية سقوط الاسلام السياسي، وإنحصرت المنافسة والتفضيل بين السعودية، ممثلة للإسلام السُني في العالم، وإيران، ممثلة للإسلام الشيعي في العالم.
وكانت الترجيحات الاولية تشير الى إن السعودية هي الضحية القادمة، وتحقيقاً لذلك، أصدر الكونغرس الأميركي قانون جاستا المعروف بقانون ” تطبيق العدالة على رعاة الإرهاب” والذي ينص على رفع الحصانة للوجود السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية ،و السماح لأسر ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن تقوم بمقاضاة حكومة المملكة العربية السعودية بمليارات الدولارات. وعلى الرغم من الفيتو الرئاسي الذي أصدره الرئيس أوباما في سابقة هي الاولى من نوعها منذ 2008، إلا إن الكونغرس الأميركي تغاضى هذا الفيتو الرئاسي، وأصر على إصدار القانون المذكور في 28 سبتمبر 2016. إلا إن السعودية تداركت الموقف بالتهديد بالسلاح الاقتصادي المتمثل بسحب الارصدة السعودية في الولايات المتحدة، والعودة ثانية الى مركز تمويل أنشطة الولايات المتحدة العسكرية في العالم، مما شجّع الامريكان على تقديم إيران لتكون الضحية القادمة، وعلى الرغم من توصل الطرفين الى الإتفاق النووي في 14 تموز/يوليو 2015، والذي لم يغب عنه السلاح الاقتصادي إيضاً في رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، حيث إن أحد العوامل الخطيرة المؤثرة الأخرى والتي ستنتج عن الاتفاق هو توقع خسارة 20 دولاراً في سعر برميل النفط، وهو ما يعادل خسارة 72 مليار دولار سنوياً للسعودية وحدها.
وكانت مؤشرات برنامج ترامب تشير الى مايلي:-
1. أن أصل خراب الشرق الأوسط، ومصدر وجع الرأس الأميركي والأوروبي، معا، وسبب ظهور تنظيمات الإرهاب الإسلامي، سنية وشيعية، هي الدولة الفاشلة المتخلفة المؤذية، إيران.ظلّ ترامب يردد وفي أكثر من مناسبة إن إسقاط نظامي صدام والقذافي كان خطأ، فالعالم كان أكثر أمناً بوجودهما. وفي وقت لاحق، إعتبر غزو العراق، أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة.
3. تعيين كبار المسؤولين في إدارته ممن يحملون توجهاً حول ضرورة تغيير النظام في إيران، بكل الوسائل الممكنة. وفي مقدمتهم وزير دفاعه جون ماتيس، الذي سُمي ب”الكلب المجنون”.
4. تصريحاته الكثيرة التي تعبر عن نظرته حول إيران. فقد كان ترامب قد وصف خلال حملة الانتخابات الرئاسية – الاتفاق النووي المبرم بين إيران وبريطانيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا واألمانيا والصين بـ”الكارثي” وهدد بإلغائه.فيما نصحه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو قائلا: لايمكن إلغاءه، ولكن يمكن البحث عن مبرر لذلك. كما أعطى ترامب رأيه في الحكومة العراقية بقوله: لا توجد حكومة في العراق، فإيران تتحكم بكل شيء. وقد أعرب بعد ذلك صراحة، بأن قرار غزو العراق، هو أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة. وردّ مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي على ذلك بقوله، إن بلاده “ستحرق” الاتفاق النووي إذا انتهكه الطرف الآخر، واستمر البعض في التهديد بـ”تمزيقه”.
4. تصريحات بعض المقربين من ترامب، أمثال رودي جولياني عمدة نيويورك الاسبق، الذي قال في حديث لصحيفة “وول ستريت جورنال”، جاء فيها:
* “إن المشكلة الرئيسية بالنسبة لنا هي ‘المملكة’ الإيرانية المذهبية التوسعية، حيث أصبح العراق دولة تابعة لتلك ‘المملكة'”.
* “نحن الذين سلمنا العراق للإيرانيين، وكان الخطأ الأكبر الذي ارتكبناه”. “كما أن الطريقة التي خرجنا بها من العراق كانت أكبر خطأ في التاريخ الأميركي”.
* “فبعد أن سلمنا العراق لإيران سلمناها سوريا أيضا”.
* “لقد أصبح هناك شرق أوسط شمالي يضم إيران والعراق وسوريا واليمن، وآخر جنوبي يضم دول الخليج والأردن ومصر، وهذا يعني أن حربا قد تندلع إن لم نقم باحتواء إيران ونكبح جماحها”.
5. كما صرح جون بولتون سفير الولايات المتحدة السابق في الامم المتحدة، والمقرب من ترامب
في لقاء صحفي نشرته صحيفة هافينغتون بوست الأميركية، بضرورة تغيير النظام في طهران، مؤكدا على أن “رجال الدين في طهران هم أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم”.
6. أقرار مجلس الشيوخ الأمريكي تمديد العقوبات المفروضة على إيران لمدة 10 سنوات أخرى، ما يعني معاقبة الشركات الأمريكية التي تتعامل مع طهران. وكانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد عبرت عن اعتقادها بأن تجديد العقوبات لا لزوم له. وقد رأت فيه إيران “إنتهاكا” للاتفاق النووي.
7. وفي 3 شباط/فبراير2017، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية اليوم بيانا أعلنت فيه فرض عقوبات جديدة على طهران تشمل 12 كيانا و13 فردا.
8. وقد قال ترامب في تغريدة على موقع تويتر الجمعة إن “إيران تلعب بالنار” و”إنهم لا يقدّرون كم كان الرئيس أوباما طيبا معهم. لست هكذا”!. وفي 5 شباط/فبراير2017، صرّح وزير الدفاع الأمريكي ماتيس بأن إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وإن طهران تتحدى تحذيرات ترامب بمناورات تشمل إطلاق صواريخ.
إن من شأن ذلك أن يسري أثره على كل الدول التي تقع ضمن دائرة نفوذ إيران، كالعراق، سوريا، لبنان، اليمن، وقطاع غزة. وهذا مابدا واضحاً في تصريحات تلك الدول.
وإذا ما أستثنيت السعودية مؤقتاً من التضحية بها، نظراً لما تدره من حليب على المزارع الامريكي، فعلينا أن لا ننسى تصريح ترامب الذي يعكس نظرته للسعودية، أثناء حملته الانتخابية بقوله: ” السعودية بقرة متى جف حليبها سنذبحها”.
* نظرة متفائلة
أزاء هذه الاوضاع المزرية والبائسة والدموية، هل يمكن تقديم نظرة تفاؤلية مستقبلية؟
إن المشكلة تكمن أساسا في إقحام الدين بالسياسة، لان ذلك يقود الى تقسيم الشعوب الى طائفتين متعارضتين، هما: المؤمنون والكفار، مما يفقد التعايش والإنسجام المطلوب بين شعوبها. لذا تبدو مسألة إقامة الدولة المدنية على أساس العلمانية، هو الحل الأمثل. ويجب أن يفهم الدين على إنه مرحلة متوسطة يجب عدم الوقوف عندها إذا ما أردنا البلوغ. وقد ذهب الباحث الفلسطيني غازي الصوراني الى التعبير عن هذه النظرة بأوصاف دقيقة، قائلا:-
“إن العلمانية لن يكتب لها النجاح في العالم العربي – وفي العالم الإسلامي بشكل أعم – ما لم تقترن بثورة في العقليات”. ففي صندوق الرأس، وليس فقط في صندوق الاقتراع، يمكن أن نشق الطريق إلى الحداثة بركيزتيها الأخريين: الديمقراطية والعقلانية”.
ولذلك فإن تفسيرنا لهذه الممارسات وأسبابها، لا يعود بصورة مباشرة على الإمبريالية فحسب، بقدر ما يعود أيضاً -وبشكل رئيسي- إلى عوامل داخلية ترتبط بطبيعة التطور الاجتماعي المشوه تاريخياً وراهناً من جهة، إلى جانب دور “الطبقات” الحاكمة في النظام العربي، التي تعمل على تكريس مظاهر التخلف حفاظاً على مصالحها، وذلك عبر نشر التدين الشكلي وتعليمه في مدارس وجامعات الدول العربية من جهة ثانية، حيث نلاحظ انه ليس هناك من دولة عربية واحدة لا تجعل من التعليم الديني تعليماً إلزامياً في جميع المدارس
العامة وفي جميع المراحل التعليمية بلا استثناء، إلى جانب فرض الزي المدرسي المتخلف (الجلباب والحجاب) على الطالبات في المدارس الجامعات، مع كل ما يترتب على ذلك من اجحاف تمييز أو إذلال بحق المرأة، والأنكى من ذلك إن الدول العربية، توكل التعليم لا إلى مدرسين “متعلمنين” أو ديمقراطيين متخرجين من كليات الفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية، بل إلى خريجي المعاهد الدينية وكليات الشريعة والجامعات الدينية ذات المنزع الرجعي أو التقليدي الخالص التي ترفع لواء المحافظة والسلفية، وتتنكر حتى لحركات الإصلاح والتنوير الديني.
“على أي حال ، إن حرية العقل – التي هي المدماك الأول في بناء الحداثة – لا تزال في جميع البلدان العربية محدودة السقف بعدم الجهر بعدم الإيمان، ومع أن كثرة من الدساتير العربية تنص على حرية الرأي، فإن القوانين السارية المفعول لا تزال تعتبر جريمة الرأي واحدة من أفدح الجرائم.
لكن، على الرغم من كل ما تقدم، فإن العلمانية -ولو في مستقبل غير منظور بعد– باتت ضرورة مصيرية في بلادنا العربية، إذ أننا -كعرب- في عالم أقلعت جميع قاراته صوب الديمقراطية والعلمانية، بقينا نراوح في أوضاع الجمود والتخلف ، فما لم يتقدم فإنه مهدد بالانكفاء نحو قرون وسطى جديدة، وتلك بالطبع مهمة قوى التغيير الديمقراطية اليسارية، شرط أن تطرد من داخلها كافة مظاهر التخلف الفكري، لكي تبدأ باستنهاض ذاتها، وانتاج ثقافتها من خلال الممارسة، في مواجهة عملية إعادة التديين الشكلية المستشريه اليوم في مجتمعاتنا العربية.
د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
7 فبراير/شباط 2017
المصادر
1. شيعة العراق، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
2. الدولة العباسية، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
3. الحرب السوفيتية في أفغانستان، الموسوعة الحرة.
4. غازي الصوراني، البعد التاريخي للصراع الطائفي بين السُنَّة والشيعة، غزة – فلسطين المحتلة، يونية/حزيران 2016.
5. الاتفاق الايراني الامريكي: لا عزاء للعرب؟!، صحيفة القدس العربي، لندن في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2013.
6. إبراهيم الزبيدي، نحن وإيران، من أوباما إلى ترامب، موقع ميدل إيست أونلاين، 2016-11-22.
7. د. رياض السندي، هل أزفت نهاية الإسلام السياسي، الحوار المتمدن-العدد5407 – 2017 / 1 / 20.
8. د. رياض السندي، إيران تلوي ذراع اميركا في العراق، موقع عنكاوا في 01/02/2017.

أحدث المقالات