لم تشغلني المعركة الضروس المحتدمة حول الهيئة ولم تأخذ من وقتي ولم أقترب منها لأنها ليست في سياق إهتماماتي. لا إدري لماذا أنا مهووس بالعمل وإستغرق بالعمل الذي أتحمل مسؤوليته إلى الحد الذي أنسى فيه نفسي ويذوب فيه كل ما هو شخصي حتى وإن كان حقا طبيعيا مشروعا. الهيئة هي إهتمامي الأول والأخير وسلامتها في هذه الظروف الصعبة والعصيبة والمحافظة عليها مما حولها من صراعات هو الهدف. في وقت سابق كان قد صدر عن لجنة مجلس النواب التحقيقية الخاصة بالهيئة والتي كانت برئاسة النائب باقر جبر الزبيدي التقرير النهائي حول عمل الهيئة وما فيها من خروق ومخالفات فنية وادارية ومالية. وكان التقرير قد أشار إلى تأخر الهيئة وتلكؤها في استيفاء الديون والمستحقات المالية على شركات الهواتف الجوالة. وكانت هذه الديون عبارة عن باقي أقساط رخصة الهواتف الجوالة والفوائد المترتبة على هذه الأقساط مع الغرامات المالية المفروضة على الشركات لاسباب مختلفة وفوائد هذه الغرامات أيضا. وأكد تقرير اللجنة التحقيقية على إتخاذ الإجراءات القانونية وأستيفاء هذه الديون خلال فترة زمنية وجيزة ومحددة. من طرفها كانت الدائرة القانونية التي كان مديرها الأخ والصديق سالم عبد القهار قد أنجزت مطالعة كاملة عن ديون شركتي زين وكورك ورفعت كتابها النهائي بالحجز على أموال الشركتين في المصارف العراقية كافة فيما كانت تعمل على إنجاز ملف شركة آسيا سيل أيضا. وصلني الكتابين الخاصين بالحجز على أموال زين وكورك. هذه سابقة جديدة لم تقدم عليها الهيئة من قبل، راجعت الكتابين عدة مرات وللأمانة ولاول مرة أقولها إنتابني شيئا من الخوف والتردد. إن زين وكورك وكل شركات الهواتف الجوالة وأينما كانت هي إمبراطوريات مالية وإنما سياسية أيضا، فما الذي سيحصل إذا ما حجزت على أموال زين وكورك في العراق؟ وما هي ردود الفعل؟ ثم من الذي يدافع عني أنا المسكين المستضعف أمام هذه الكارتلات المالية والسياسية الكبيرة والضخمة وأنا الذي في خضم هذا الصراع حول الهيئة أعمل منفردا لم يسأل عني أحد ولم يعرف أحد ولم يتصل بي أحد لا من رئاسة الوزراء ولا مكتب رئيس الوزراء ولا مجلس النواب ليستفسر عن الهيئة وأوضاعها وظروفها وكيفية إدارتها إن كانوا يعرفون أني مديرها التنفيذي العام وكالة. تذكرت قانون مناطق الإستثمار النفطي رقم (80) لعام 1961 الذي وقعه عبد الكريم قاسم والذي يُقال بانه أحد أسباب الإنقلاب عليه عام 1958 وقتله، ولكني لست بزعيم ولاقاسم وإنما أقترب باللعب بالمال والخطوط الحرام. ركنت الكتابين على جانب وواصلت عملي فيما كنت أنظر من طرف خفي الى الكتابين بين فترة وأخرى وأنا أفكر بعواقب الأمور. في النهاية استجمعتوا الجرأة والشجاعة ووقعت على أمر الحجز على أموال زين وكورك في كافة المصارف العراقية لحين تسديد كافة الديون المترتبة عليهما للهيئة وهي بالنتيجة أموال الدولة العراقية في سابقة هي الأولى من نوعها في الهيئة.
كنت أنا في وادي والأخرون في معركتهم التي دخلت كسر العظم في وادي آخر. إنتهت المعركة باقالة السيد برهان الشاوي لأسباب كثيرة وتم تكليف السيد صفاء ربيع بمهمة المدير العام التنفيذي وكالة بالإضافة إلى عمله رئيسا لمجلس الأمناء في الهيئة في سابقة جديدة جمع فيها كافة سلطات الهيئة. طبعا في هذه المواجهة الشديدة بين أطراف داخل الهيئة ولأسباب وخلفيات تتعلق بالهيئة لم يستدعينا أحد ولم يسأل أحد ولم يستفسر منا أحد ولم يستأنس برأينا أحد لا في اللجنة التحقيقية في مجلس النواب ولا في رئاسة الوزراء ولا في مكتب رئيس الوزراء، ولا في الأمانة العامة لرئاسة الوزراء فيما كانت الأعراف والضوابط والقواعد الإدارية والرسمية تقتضي إستدعاء أعضاء مجلس الأمناء والمدير العام التنفيذي وكالة والإستماع منهم والى وجهات نظرهم لما يتعلق بالتحقيق في أوضاع الهيئة أو في مسألة تعيين المدير العام التنفيذي وحسب ما يقوله الأمر رقم 65 لعام 2004 على أقل تقدير.إنتهت مهمتي في وكالتين متقاربتين تقريبا وفي فترة زمنية قصيرة وكان أهم مافيها مايلي:
1ـ منح شركة (بي بي) النفطية ترخيص بالترددات اللازمة لعملها في حقل جنوب القرنة.
2ـ ترخيص دخول أجهزة ومعدات وزارة الإتصالات بعد أن كانت الهيئة تمنع ذلك لعام أو أكثر تقريبا.
3ـ الحجز على أموال شركتي زين وكورك في المصارف العراقية.
بعد أكثر من عام من تولي السيد صفاء ربيع إدارة الهيئة، وصلني في أحد الأيام إتصال هاتفي من أحد أُمناء الهيئة، أخبرني بانه إطلع على شكوى قضائية من شركة كورك ضد الهيئة وأستفسر عما إذا وصلني شيء بهذا الخصوص. نفيت علمي
بمثل هذا الموضوع وهو كذلك وطلبت أن يقرأ لي ما ورد في هذه الشكوى. قرأ لي الشكوى وحيثياتها تلفونيا وكانت مطولة وتحتاج إلى وقفات وبما إنني كنت أتناول الغداء طلبت منه أن يبعث لي بهذه الوثيقة على الإيميل وسأكون معه على التلفون بعد الإنتهاء من الغداء. بعد أن أنهيت غدائي اطلعت على وثيقة الشكوى عن طريق الإيميل. كانت الشكوى قوية ومخيفة جدا وهي تستهدفني أنا شخصيا. صحيح ان شكوى كورك كانت ضد هيئة الإعلام والإتصالات ولكنها كانت تستهدفني شخصيا في هدفها النهائي. وباختصار فان شركة كورك كانت تطالب الهيئة بتعويضات مقدارها (100) مليون دولار أمريكي عن الأضرار التي لحقت بها بسبب قرار الحجز على أموالها والذي كان قد أصدره (علي الأوسي) عندما كان مديرا عاما بالوكالة. وفي حيثيات الشكوى ساقت شركة كورك جملة من الأسباب التي تطعن في صحة قرار الحجز والتي تشكك في وكالتي لادارة الهيئة ومدى الصلاحيات الممنوحة لي في هذه الوكالة واسباب أخرى بحيث ورد إسمي الشخصي خمسة عشر مرة في حيثيات الشكوى. راجعت الشكوى وحيثياتها عدة مرات حتى ادركت حجم الموأمرة وطبيعتها واهدافها. الخطة محكمة وخبيثة، ببساطة هي شكوى ضد هيئة الإعلام والاتصالات ومطالبة بتعويضات بمقدار (100) مليون دولار بسبب تقصير (علي الأوسي) وعندما تكسب الشركة الدعوى ( راح يفتر القايش) على (علي الأوسي) وعند ذاك سيبدأ فصل جديد في اقامة دعوى قضائية من الهيئة ضد (علي الأوسي) لتسببه في كل هذه الخسارة للهيئة وعندها تحميله دفع المبلغ (100) مليون دولار أو السجن إلى ماشاء الله ولا خيار ثالث بينهما. لا يوجد أجمل من التسديد الرباني والعناية الإلهية، عندما كنت أقرأ الشكوى وحيثياتها تذكرت جيدا إن كل هذه الإثارات والمزاعم التي وردت في حيثيات الشكوى هي نفسها التي كانت قد أُثيرت في اجتماع مجلس الأمناء عندما توليت إدارة الهيئة بالوكالة في المرة الثانية والتي كانت تريد الطعن بهذه الوكالة وإسقاطها وبالتالي منعي من ادارة الهيئة بالوكالة. ثم تذكرت إن عندي كتابا رسميا موجها من السيد رئيس مجلس الأمناء يتضمن هذا المعنى من هذه المزاعم والإثارات وقد تكون بالنص إلى حد تطابق العبارات. قمت من ساعتي ابحث بين أوراقي على مدى ساعة حتى عثرت على هذا الكتاب. وكم كانت فرحتي كبيرة بالعثور على هذا الكتاب لانه الدليل المادي الوحيد على أن هذه الشكوى كيدية وأن ما فيها من حيثيات هو تواطوء وتسريب من داخل الهيئة، لذلك كنت أُصفق لوحدي عندما عثرت على الكتاب وكمن يقول وجدتها وجدتها. إتصلت تلفونيا بصاحبي الذي اخبرني بموضوع الشكوى وأنا أضحك، قال ما الخبر إنك تضحك قلت نعم ولماذا لا اضحك وانا المس لمس اليد تسديد رب العالمين وعنايته، قال كيف فسردت له الحكاية من ( طقطق إلى سلام عليكم) كما يقولون. قال وما الذي تنوي أن تفعله، قلت لن أنتظر حتى( يتعشوا بيه) قال كيف؟ قلت سأباشر من ساعتي بكتابة مطالعة تفصيلية عن الموضوع وسارفقها بكافة الوثائق والمخاطبات أطلب فيها فتح تحقيق بالموضوع وكشف الملابسات، وسأجعل كل من خطط وشارك وحرض على إقامة هذه الدعوى وسرب هذه المزاعم والأراجيف يسعى بيديه ورجليه إلى إغلاقها لانها ستتحول إلى تهمة وإدانة ضده. كتبت المطالعة وارفقتها بكافة الوثائق اللازمة وبعثت بنسخ مصورة إلى كل من الأمانة العامة لرئاسة الوزراء ولجنة الخدمات والإعمار في مجلس النواب ولجنة النزاهة أيضا في مجلس النواب وهيئة النزاهة التي طلبت منه فتح تحقيق في الموضوع حتى احمي نفسي من هذا الكيد الشيطاني الخطير. لكن حتى الآن لا أعرف شيئ عن تلك الشكوى ونهايتها ولا عن طلبي بالتحقيق بالموضوع.