22 ديسمبر، 2024 1:15 م

حكايتي مع التعليم العالي.. وحكومة المحاصصة!

حكايتي مع التعليم العالي.. وحكومة المحاصصة!

عندما تكتب وجهة نظرما تخص الوضع السياسي أو تقييم وزير أو اشادة بأداء أومنجز, فأنك ستتعرض لسيل من الشتائم والتهم بالانتماء لجهة حزبية, عادة تلك العبارات لا تمثل وجها من وجوه الاستفزاز, بأعتبار أن لغة الشتائم وتصدر ممن يجهل, وهي تحتل المشاهد بسبب تعددت الانتماءات للأحزاب والكتل وكل الجهات ماعدا العراق الذي لا ينتمي له الا النخبة, ممن يقدمون الدم والتضحيات بلا مقابل أو طمع في منصب أو سلطة!.

الا أن التصريحات المستفزة هي تصريحات  من يعلم خصوصا وزارة التعليم, والتي تتطلب الرد وكان أكثرها أستفزازاً تصريح الوزارة حول تعيين أكثر من 3267 خريج من حملة الشهادات في الجامعات والكليات الاهلية, ولهذا ستكون حكايتي مع التعليم أكبر دليل وابلغ رد علي تصريحات  الوزارة.

بدأت حكايتي مع وزارة التعليم العالي عام 2008 عندما تخرجت من كلية الآداب, قسم علم النفس الجامعة المستنصرية وكنت الاولى على الصباحي والمسائي, كانت الحرب  الطائفية آنذاك في أعوام 2005 و2006 و2007 في ذروتها, وطوال تلك السنوات كنت أواجه صعوبة في الوصول للجامعة خصوصا أن السيطرات الوهمية والجماعات الإرهابية وما يعرف بتنظيم القاعدة آنذاك كانت تقطع الطرق على المواطنين, وتستمر القطوعات لأكثر من سبع أو خمس ساعات, وطبعا الاستاذ الجامعي لا يمنح العذر خصوصا اذا كانت مناطقهم امنة بعض الشيء, وفي كل الأحوال كان يتحتم علي الوصول الى الجامعة لذلك كنت أضطر  للسير برفقة فرد من عائلتي لمدة ساعة أو ساعتين متواصلة دون توقف, في بعض الطرق الفرعية, ثم أستقل سيارة أخرى, بعد أن نجتاز تلك المسافات والطرق التي يستحيل أن أجتيازها بسيارة, وعبر طرق رئيسية لأن الطرق الرئيسية كانت تحت هيمنة الجماعات الإرهابية آنذاك.

اذا ما تمكنت من الخلاص من سيطرات الجماعات المسلحة التي ستجد الطرق ملغمة اما بعبوة ناسفة او سيارة مفخخة, وهكذا واذا ما تمكنت من الوصول الى الجامعة أجد السيارات المفخخة قرب الجامعة خصوصا أن الجامعة المستنصرية كانت مستهدفة طوال الحرب الطائفية, وكأن الامر سباق مع الموت والمفخخات, ورغم كل تلك الصعوبات تمكنت من الحصول على المرتبة الاولى في قسمي, في كل عام كان هناك أول على الدراسة الصباحية واخر على الدراسة المسائية اما في عام 2008 كنت الاولى على الصباحي والمسائي معا..

كنت أعتقد بعد كل تلك المعاناة سأحصل على الوظيفة, لأن التعيين من حق الطالب الاول, فتفاجأت بأستبعادي لأن رئاسة القسم في ذلك الوقت والعميد رفضوا منحي كتاب طلب حاجة! وقد بذلت جهودا حثيثة وتوجهت الى وزارة التعليم ورئيس الجامعة وكل من يمكن أن يساعدني في الحصول على أستحقاقي, وكان رد الجميع الامر مرهون بالجامعة, بعد أن نال مني اليأس وأغلقت الابواب في وجهي أتجهت لإكمال الماجستير, الذي كاد أن يذهب هو الاخر للأحزاب كما ذهبت الدرجة الوظيفية! لكن الحمد لله تمكنت من أجتياز الامتحان التنافسي وبتفوق وتجاوزت 45 طالب وطالبة كانوا متقدمين

وفعلا حصلت على الماجستير عام 2011 وكنت اتوقع اني سأحصل على درجة وظيفية, وتكرر نفس السيناريووهذه الامر لم اتوجه للوزارة فقط بل اتجهت للجامعات في المحافظات, واسط اكثر من مرة والكوفة اكثر من مرة , بالإضافة الى عشرات المرات من المقابلات في المستنصرية التي تختنق بالأحزاب والمحسوبية, ومقابلات في جامعة بغداد ولم اجد اذنا صاغية, وتلك كانت بداية دخولي لعالم الكتابة كردة فعل على كل ما يحصل من ظلم, وأستلاب حقوق كل هذا والحكومة من وجهة نظر بعض الجمهور شيعية! وعذرا لأني استخدم تلك المسميات لكنها وأن رفضنا ان نسمعها تفرض نفسها وبقوة, والحقيقة ربما أكون أحد الامثلة على ان الكل يأخذ نصيبه في الظلم والاستبعاد فالحكومة بأختصار حكومة محاصصة وليست حكومة شيعية فقط.

بعد ذلك لم أجد بدا من اكمال الدكتوراه, وفعلا تم قبولي في جامعة بغداد وانهيت دراستي في الدكتوراه تخصص علم النفس السياسي, لأكون اول خريجة تحصل على درجة في هذا التخصص الحديث, وكنت الثانية على دفعتي في كلية الآداب جامعة بغداد, المفارقة أن كل من اعرفهم ومن كان قبلي وجاء بعدي حصلوا على درجات وظيفية, فقط لأنهم ينتمون لأحزاب مختلفة, وفي كل مرة ومع كل تشكيل حكومة أتجه لمقابلة وكيل الوزير, وربما كانت الإضافة هذه المرة اني اتجهت لمكتب رئيس الوزراء في نهاية عام ,2017 ولم اجد جوابا على كتابي حتى الان الذي لا أعرف عنه شيئا حتى الان..

خلاصة الحديث وتلك القصة الطويلة والكلام موجه لوزارة التعليم والقائمين على الحكومة, وكل من حكم البلاد من 2008 ولحد الان من هو المسؤول عن حرمان الخريجين الاوائل من التعيين؟ ومن هو المستفيد من تهميش حملة الشهادات العليا؟ واذا كان اشتراط التعيين هو الدخول في كتلة حزبية ما الفائدة المرجوة من الحصول على شهادة عليا؟ وزارة التعليم متى ستتوقفون عن تصريحاتكم الاستفزازية تلك؟  لاسيما أن واقع حال حملة الشهادات والخريجين الاوائل أبلغ من كل وصف.

ما أشبه اليوم بالأمس في زمن صدام من كان بعثيا يحصل على وظيفية واليوم من كان حزبيا في كتلة ما يحصل على وظيفة!

 في هذه الايام ونحن في رحاب صاحب الذكرى كتب الامام موسى بن جعفرباب الحوائج (عليه السلام)  الى الطاغية هارون مخاطبا إياه ” ما أن ينقضي عني يوم من البلاء الا وانقضى عنك يوم من الرخاء ثم نمضي الى يوم لا انقضاء له عندئذ يخسر المبطلون” وهذا هو لسان حال كل صاحب حق مسلوب, ولكل الطغاة وأصحاب المناصب الزائلة ولكم في هارون ويزيد وكل طغاة الأرض الهالكين عبرة فلو دامت لغيركم ما وصلت اليكم!