لا شيء يؤرقها غير حصولها عَلَى النَّزْرِ اليسيرِ مِمَا تحظى به الكثيرات مِنْ بناتِ جنسها، بَيْدَ أنَّ مَنْ يُفترض أنْ يكون أقرب الناس إلى قلبِها، لَمْ يمنحها يوماً ما يمكن أن يفضي إلى إيجادِ بيئة أسرية تغمرها الألفةِ وَدفء العاطفة الدافقة، بالإضافةِ إلى إغفالِه ما بوسعِه أن يقدمه لإشاعةِ روح الأمل والتفاؤل فِي أروقةِ المنزل، حتى باتت تجد ذاتها وسط أوهام أقرب مِنْها إلى الأحلام الَّتِي يمكن أنْ تُشعرها بحقيقةِ وجودها الإنسانيّ؛ إذ طالما استيقظت مَنْ غمرةِ أعباء سعة خيالاتها عَلَى رهبةِ فراغ عاطفي، ترتب عَلَيه مَعَ تقادم الأيام استحالة تحقيق إنسجام مِنْ شأنِه توطيد أواصر المودة والمحبة؛ فلا غرو أنْ تخضع فضاءات منزلهما لسيادةِ صدى العجز عَمَا يقرب وجهات النظر، وتبادلِ الرأي حول الحد الأدنى مِنْ متطلباتِ الحياة، وَلاسيَّما هموم البيت وَتربية الأبناء.
صمتها الَّذِي تتوارى خلف أزمنته زفرات عذابات الليالي الَّتِي أفقدتها بهجةِ الروح، لا يعكس فِي مضمونِه صراع أنثى حالمة بِمَا يجعلها تهدئ مِنْ روعِها، ويفضي إلى تفريغِ شحناتِ بؤسِ وحشتها مِنْ أجلِ أنْ تستكين وسط زحمة الحياة الَّتِي لَمْ تمنحها يوماً فرصة البوح لمقرب، عله يخفف من بعضِ الآهات الَّتِي تعتصر فؤادها المجروح؛ إذ أصبحت إنسانةٌ تبحثُ عَنْ ذاتِها وسط حالة مِن الفوضى، بعد أنْ قدر لها الاقتران برجلٍ لا يعدو كونه رقماً يملأ أيامها؛ فلا غرو أنْ يُدخلها ذلك الإقتران فِي دوامةٍ مِن الإحباط، فلا هي شاعرة كبعضهن بفارسِ أحلامِها، وَالَّذِي لَمْ ترى منه طوال تلك السنين الَّتِي كانت تلهب أحشاءها أمراً واحداً مُبهجا، ولا هو منتبه لوجودِها؛ إذ طالما أخفقت فِي الحصولِ عَلَى استجابةٍ لمحاولاتها المتكررة بقصدِ إثارةِ عواطفه؛ لأَنَّه لا يجيد غير اللهاث وراء شهوات ونزوات لا حدود لهما، فتناسى أنه متزوج، وأب لأطفال، فضلاً عَنْ إهماله المشاعر الَّتِي تبادله إياها، وكأنه يرتوي سعادةً مِنْ نزيفِ سنوات ألمها وجراحاتها الَّتِي رُبَّما تفضي بها إلى الضياع.
إفتقارها إلى القلبِ الَّذِي بوسعِه منحها الضوء؛ دفعت ثمنه الخيبة فِي سعيها لإيقاد شمعة مِن شأنِها إنارةِ ظلام مسالك أيامها الموحشة؛ إذ أنَّ السطوةَ الذكورية كانت عقبةٌ كؤوداً لها فِي محاولةِ الانعتاق مِنْ ثقلِ أوجاعِ الأيام الَّتِي صيرتها رهينة لأحزانِ المساءاتِ المظلمة، فطالما جهدت – ودموعها تتراقص عَلَى مقلتيِها – فِي محاولةِ كتمِ صراخها وأنينها؛ إذ أَنَّ الشَّقَاءَ الَّذِي ألزمها ترويضَ نفسها عَلَى أغفالِ أغلب الأشياء الَّتِي طالما أحبتها، جعلها تذعن فِي أغلبِ الليالي لسطوةِ سلطان النعاس، مِنْ دُونِ أنْ تفكر باستخدامِ المتواضع مِنْ أنواع العطور، وَلَمْ تمنحها عثرات الحياة الَّتِي جرعتها كأسها المر فرصة حتى لتغييرِ ثيابها قبل خلودها إلى النوم، فالأيامُ عندها سيان، وَحتى أعياد الله أصبحت معانيها ومدلولاتها، لا تعني لها شيئا، وليس بمقدورِها إحداث فعل مؤثر فِي مَا تبقى مِنْ مرافئ رحلة حياتها المليئة بأسوأ صورِ الإذلال ومظاهر الاستلاب المجتمعي.
جيدها المعفر بغبارِ السنين العجاف، لَمْ يحظَ يوماً بملامسةٍ قطعة ذهب أو فضة أو شبههما مما شاع مِنْ مختلفِ أنواع الحلي الَّتِي تتزين بها بنات جلدتها، وحتى مَا رخص سعره مِن الحناء الذي يُعَدّ فِي متناولِ اليد، لَمْ يجد طريقاً ليديها أو قدميها، وَالَّتِي صيرها نكد العيش أكثر خشونة مِنْ راحاتِ أيدي وَأقدام عمال البناء، الَّذين تضيق بهم أروقة وَزوايا مساطر مدينتها، وَلَمْ يمنحها الزَمَان فرصة التمعن بجمالِ الخواتم مثلما تتباهى به كثير غيرها مِن النساء.
تعودت الاستيقاظ مكرهة مِنْ سباتِ ظلمتها، وَالَّتِي لا يجرؤ عَلَى طرق بابها أو تبديد سكونها إلا صوت زوجِها وحركاته المهينة عند عودته فِي ساعاتِ الفجر الأولى مِنْ جلسةِ سمره، وَالَّذِي لَمْ يفكرْ يوماً بما سيؤول إليه حال أسرته، فالمرأةُ مَا عادت تعني له غير شهوة عابرة أو سرير ساخن، وَلعلَّ مَا شجعه عَلَى المضي فِي غيّه هو استبعاده محاولة لجوء زوجه لاعتمادَ خيار التمرد.
لَمْ يكن فِي تفكيره مَا يوحي بغير مَا اعتاد عَلَيه فِي كُلِّ يوم، بَيْدَ أنَّ ألمَ جرحها الغائر فِي أيامِها، لَمْ يعطه ذات فجر فرصة تنفيذِ طقوس إذلالها عند عودته لمنزلَه؛ إذ اعترتها رعشةُ غضب، سرعان مَا أدخلتها فِي مواجهةٍ مَعَ خيبتِها مِن أجلِ تحقيقِ ذاتها بمواجهةِ مَنْ طحنَ إنسانيتها برحى غروره. وَمثل الَّذِي اكتوى بلسعةِ جمرة، ذُهلَ وَاعتراه الغثيان وهو ينصت لما جاهرته به مِنْ قول :
– جبان أنت، ولا إحترامَ لك بعد اليوم؛ إذ أَنَّ الرذيلةَ لم تَعُدْ حكراً عَلَى الماخور.