في عام 2003 , وبعيد غزو بغداد و احكام سيطرة الفوضى على البلاد ككل , كنت اجوب شوارع بغداد لارى بنفسي ما الذي يحصل . ولان الحكاية طويلة على ما كنت ارى من تبدلات واقع بلاد يجهل الكل مصيرها بين هول غزوٍ عند بوابة القرن الواحد والعشرين , وانزياح نظام , وانفلات مجتمع في تصرفاته . وقفت واقف هنا عند بوابة المطعم التركي , والذي كان حينها مبنى لوزارة الرياضة والشباب تم قصفها كما اي منشأة حكومية . عند بوابته الخلفية , كنت اشاهد جمعا كثيرا من الناس يدخلون في ممر مؤدٍ الى اروقته المظلمة ويخرجون محملين بكرات قدم , كرات طائرة , مضارب تنس وريشة , شباك اهداف , ملابس رياضية . الجميع يركض الى الداخل ويختفي بين الظلام ثم يعود جالبا غنيمته , الكل يسرق , والكل مثل الممسوس كما لو انهم كانوا يجدون الخلود . ما تزال ذاكرتي التي وثقت تلك الازمنة تحتفظ بكل شيء , تحتفظ باقتحام البنك المركزي ونثر الفلوس العراقية المطبوعة على ورق عادي على جنبات شارع الرشيد . تحفظ سُراق المتحف العراقي , ومحرقي السوق العربي وغير ذلك من فوضى احتلال العراق . وتحفظ كيف ان ذلك الجيل الذي سرق , كيف تم تأهيله للمهمة الاخطر في تاريخ العراق , الجيل الذي احب طائفته وكره بلاده , اشاع القتل بالهوية ودخل دهاليز حرب اهلية طاحنة فتكت بأخضر المجتمع ويابسه حتى لم يعد يعرف من يكون صديقه وعدوه . كان سراق المطعم التركي هم الجيل الذي يذهب للانتخاب لا من اجل حرية او ديموقراطية , انما نكاية بتلك الجهة او الملة او القومية , وهو في الحقيقة جيل اضاع بوصلة وطنه حتى ضاع ثم انتهى واحترق مثل اي بناية كنت اشاهدها تحترق بعد ان تكتمل عملية سرقتها انذاك . وللامل نكتب , يشاهد العالم الان الجيل الجديد الذي يضيء من بناية المطعم التركي كل سماء الوطن التي اعتمتها اسس جيل النهب والحرب الاهلية والانتخابات العمياء , نشاهدهم الان يعيدون احياء الوطن بوأد الطائفة , و بث روح الوحدة وابعاد كل تكتل سياسي او اسمنتي باعد بين ابن مدينة عن مدينة . وبالرغم من ذاكرتي لم تزح من رفوفها مشاهد السرقة والنهب من تلك البناية العالية , لكن لون وصوت وضياء ما يصنعه الان الجيل الجديد في تلك البناية , قد اخذوا الحيز الاكبر في اعادة وطن حيث المكان الحقيقي له , وحيث مستقبله ومستقبل القادمين اليه . حكاية المطعم التركي معي جعلتني مؤمنا بأن الاوطان ثابته , و الاجيال هي مثل الازمنة , تتبدل بصالحها , وطالحها , وشتان ما بين الاثنين .