سلاح جديد وبأدواته من التكنولوجيا المستحدثة التي من المفترض أن تكون موجهة ضد خصوم الوطن وأعدائه التقليديين، بدأت تستخدمه الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية فيما بينها لتسقيط بعضها في ضربات سياسية تحت الحزام، مما يكشف عورة النظام السياسي في العراق وتساقط أوراقه وصولاً إلى ورقة التوت الأخيرة.
لم تكد ذاكرة العراقيين تنسى فضيحة التجسس أو الإبتزاز في مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وخيوط تلك الفضيحة التي تورطت بها شخصيات مهمة في مكتب رئيس الوزراء حين تم إلقاء القبض عليهم، بعد أن إزدادت أعداد ضحاياها من برلمانيين ومسؤولين حكوميين وقادة وزعامات حتى في الإطار التنسيقي الداعم لحكومة السوداني، والمفارقة إن القائمة لم تخلو من التنصت على مرجعيات دينية، حتى إستيقظ العراقيين على فضيحة أخرى أبطالها مسؤولين سابقين في مجلس محافظة ذي قار (الناصرية) جنوب العراق لإبتزاز مسؤولين حاليين في دوائر المحافظة والبلدية عبر صور ومقاطع مسجلة دون علم الأطراف المعنية، حادثة لم تُثر إنتباه العراقيين أو تُسجّلها ذاكرتهم في سجل الأحداث التي تشهدها أيامهم العصيبة لأنهم تعودوا على الصدمات التي لم تعد تصدمهم، ترافقت هذه الحادثة مع حادثة التسجيلات المسربة التي توثق تلقي رئيس هيئة النزاهة في العراق حيدر حنون رشى والقيام بأعمال غير مشروعة في التربّح عن طريق إستغلال منصبه.
هزات سياسية أحدثت شرخاً بين شركاء العملية السياسية حتى راحت بعض المصادر تتحدث أنه ربما سنكتشف في قادم الأيام وهي في أمر المؤكد شبكات تجسس وتنصت في محافظات عراقية أخرى أو في وزارات أو حتى بين أروقة أجهزة أمنية لغرض إستفادة الأعداء منها، بعد أن أصبح سلاح التنصت من الأسلحة الفعالة التي تطيح بالشركاء قبل الإستعانة بقوى خارجية للإطاحة بهم.
بات على المسؤول العراقي أن يراقب تحركاته ويدرك أنه مُراقب حتى وإن كان في غرفة نومه، وإذا كان هذا حال المسؤول في عدم الإستقرار وإفتضاح أمره، فكيف سيكون حال المواطن الذي لا حول له ولا قوة؟.
لايدرك هؤلاء إن وسيلة إسقاط الغُرماء في التنصت بداية النهاية لإنهيار النظام السياسي على رؤوس كهنته، لأنه يؤسس إلى مرحلة من عدم الثقة بين الأطراف السياسية ويؤدي إلى خاتمة مأساوية للعملية السياسية.
لازالت الذاكرة تحتفظ بما سبّبه مأزق التسريبات الصوتية لنوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق التي إتهم فيها شركائه المقربين وحلفائه بشتى الإتهامات وكاد ذلك المأزق والتوتر الذي تصاعد بين المالكي وبعض الشركاء أن يطيح بالمعبد السياسي لولا تدخل خارجي وتطويق الأزمة والعمل على طمطمتها وتذويبها.
هل دخلنا في عالم جديد من الجاسوسية السياسية لإسقاط الخصوم، أو طريقة مبتكرة للصراع السياسي للإطاحة بالشراء؟.
المؤكد إن تلك الفضائح لن تكون الأولى في حقبة مابعد 2003 وبالتأكيد لن تصبح الأخيرة بعد أن تعودنا أن نصحو على جرائم تنصت وتجسس لسياسيين وأحزاب تتصارع مع بعضها على منافع السلطة ومغانمها.
المفارقة وفي ظل ما يعيشه العراق من حروب التنصت والتجسس والإبتزاز الألكتروني، أصدر الإتحاد الدولي للإتصالات تقريره الجديد حول مؤشر الأمن السيبراني العالمي 2024 والذي أظهر دولاً عربية متقدمة في ذلك العلَم تتقدمهم في المرتبة الأولى الإمارات والسعودية ومصر وقطر حيث بلغت عدد نقاطها 100٪ في متطلبات الأمن السيبراني، فيما حل العراق في المرتبة الرابعة إلى جنب لبنان وموريتانيا وجيبوتي والصومال وفلسطين والسودان مما يؤكد إن هذا البلد مازال “يحبو” في هذا العلم، ومن الممكن إعتبار العراق في هذه المرتبة فضيحة إذا ماقورنت إمكانياته المادية وإنفتاحه على الدول المتطورة الأخرى.
لايخفي بعض السياسيين خوفهم وقلقهم من أجهزة الموبايل الحديثة التي ترافقهم، حتى راح البعض يطالب بأن تكون أجهزة الموبايل البديلة تلك التي لاتحمل تكنولوجيا متطورة أو من النوع البسيط لكي لايُستهدف صاحبه في جرائم التنصت.
نعم ربما تُستحدث طرق جديدة من التسقيط السياسي لكن الأمور لن تستمر إلى مالانهاية بعد أن كشف الشعب خديعتهم ولن يحتاج إلى جهاز تنصت ليكشف خداعهم وصراعهم فيما بينهم من اجل مصالحهم ومنافعهم الشخصية.
بالمحصلة سيستنفذ هؤلاء كل طرقهم وتجاربهم الفاشلة فيما بينهم حيث لن تستطيع أمريكا حماية نظامهم ولن تحمي إيران شخوصهم.