22 ديسمبر، 2024 5:29 م

حكاية لقائي مع غائب طعمة فرمان وزهير الجزائري في موسكو

حكاية لقائي مع غائب طعمة فرمان وزهير الجزائري في موسكو

في ربيع عام 1976 وصل الصديق، الكاتب والروائي زهير الجزائري الى موسكو بدعوة من اتحاد ادباء السوفييت، على ما اتذكر، ونزل في فندق روسيا بالساحة الحمراء. كان يومها من ارقى فنادق المدينة. زرته في الفندق، إذ كنتُ في السنة التحضيرية الأولى أدرس اللغة الروسية وموادا اخرى، تؤهلني للدراسة في احدى الجامعات في موسكو، التي كنت قد وصلتها في ايلول (سبتمبر) عام 1975.
عندما ذهبتُ لزيارة زهير في الفندق، وجدته مرتبكاً وقلقاً، وهو يتحدث مع ادارة الفندق باللغة الانكليزية حول موضوع فقدانه محفظته، وفيها جوازه العراقي ووثائق وبعض النقود. في هذه الاثناء دخل الى باحة الفندق الروائي الكبير غائب طعمة فرمان، وهو في زيارة للقاء الكاتب والروائي زهيرالجزائري القادم من الوطن. وعندما علم غائب بفقدان جواز السفر اتصل حالا بالشرطة المحلية وأخبرهم بتفاصيل الحادث.
في زاوية من باحة الفندق جلسنا، نحن الثلاثة، نتحدث عن موضوع الساعة الأهم، ألا وهو فقدان محفظة زهير وفيها جواز سفره وكل ما يحمله من وثائق ونقود. كان غائب يهدئ من روع زهير ويحاول ان يغير من مزاجه العكر ويمنحه الأمل، في ان اجهزة الشرطة جادة في البحث عن محفظته، ويطمأنه في انها سوف تعثرعليها.
رغم كونه لقائي الأول مع الروائي الكبيرغائب طعمة فرمان (1927- 1990)، بعد ان كنت قد قرأت له وعنه وشاهدت مسرحية (النخلة والجيران) وهي من تأليفه، وما قاله جبرا ابراهيم جبرا عنه: “يكاد غائب طعمة فرمان الكاتب العراقي الوحيد الذي يرّكب أشخاصه واحداثه في رواياته تركيباً حقيقياً”، بيد أنني شعرت بتواضعه الجم وبطيبته ودفئه، وهو يتحدث بلهجة عراقية دارجة، وأحسست بمشاعره الأنسانية وحبه لمساعدة الآخرين.
بادر غائب بالسؤال: ما الذي تنوي دراسته بعد السنة التحضيرية الأولى؟
قلت: كنت انوي دراسة الصحافة، لكن المعهد الذي ادرس فيه الأن هو – كلية الطرق والسيارات والمعروف اختصارا (مادي)، تأسس في عام 1960، ومختص بتهيئة الطلبة للانتقال الى الجامعات في موسكو لدراسة الهندسة بجميع اختصاصاتها.
قال: حسنا تفعل، اكملْ الهندسة، لان المهندس يمكنه ان يكون صحفياً، إلا ان الصحفي لا يمكنه ان يكون مهندساً.
كنتُ يومها، قبل سفري الى موسكو، صحفياً ناشئاً، مراسلا لصحيفة “طريق الشعب” في اربيل، واكتب احياناً في “التأخي” و “ألف باء” و”الراصد” وبعض الصحف والمجلات التي تصدر في العراق. وهناك تعرفت الى زهير الذي جاءنا مرة الى بيتنا في عنكاوا ومكث عندنا يوم أو اكثر. ولهذه الزيارة بحد ذاتها حكاية بطعم آخر، سأكتب عنها في وقت لاحق.
كانت نصيحة غائب طعمة فرمان، في محلها وشجعتني كثيرا على دراستي التخصصية في هندسة تكنولوجيا الطباعة ومزاولتي للصحافة في ذات الوقت.
لم يمض على جلستنا في الفندق اكثر من ساعتين، وإذا بفتاة روسية جميلة ترتدي زي الشرطة، تدخل الى باحة الفندق وتتجه صوبنا. القت بالتحية وسألتْ عن زهير، ثم ناولته محفظته وطلبتْ منه ان يفحصها ليتأكد من سلامة محتوياتها.
من شدة فرحه، احتار زهير، بالطريقة التي يتوجب عليه ان يقدم شكره وامتنانه لهذه الشرطية الشابة، وهو مندهش من السرعة القياسية التي عثرت فيها اجهزة الشرطة في موسكو على محفظته الثمينة.
عندما غادرت الشرطية المهذبة باحة الفندق، شربنا، نحن الثلاثة، نخب اللقاء الجميل والمفقودات التي عثرت عليها الشرطة في موسكو: جواز السفر العراقي والوثائق والمحفظة والمبلغ الذي فيها.