22 نوفمبر، 2024 1:56 م
Search
Close this search box.

حكاية صاحبنا المالكي

حكاية صاحبنا المالكي

بامكاننا ان نقرأ المشهد العراقي الآن في الضوء. كما يمكننا ان نقرأه في الظل أيضا. يبهجنا ذلك المشهد الذي يجمع بين رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي والى جانبه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني وهما يستمعان الى هموم ومعاناة النازحين القاطنين في مخيمات النزوح في الاقليم. يفرحنا أيضا ان نرى رئيس مجلس النواب سليم الجبوري القادم من تخوم الاخوان المسلمين وهو يحضر مراسيم إحتفال مسيحيين عراقيين في كنيسة في بغداد. لا أتحدث هنا عن شخوص، بل عن رجال دولة، يبدو انهم بدأوا ترجمة المناصب الى مواقف. بالمقابل، تبدو دونكيشوتيات المالكي والنجيفيين وبعض الساسة من الشيعة والسنة والكرد، وكأنها من الفلكلور السياسي العراقي الذي لازال مؤثرا في المشهد وإن كان في الظل. ليست هذه مفاضلة بين السياسيين، بل هي مفاضلة بين نمطين من رجال الحكم.

لا أحد ينفي ما أنجزته قوات الحشد الشعبي من إنتصارات الى جانب القوات الحكومية ورجال العشائر. ولا أحد ينفي تجاوزات بعض عناصر الحشد في حرق بيوت ومحلات ونهب محتوياتها في المناطق المحررة من محافظة صلاح الدين. الانتصارات خلقت واقعا أعاد الثقة في أوساط الجيش كما في أوساط الناس. ثقة بوجود ملامح دولة في طور الصيرورة. والتجاوزات واقع آخر، وإن كان واقعا مريرا يأكل من حواف النصر المنجز.

لا يمكنني الانجرار خلف الصورة الملائكية التي يرسمها إعلاميون وسياسيون لمقاتلي الحشد الشعبي. ولايمكنني الانجرار الى الصورة الشيطانية التي يرسمها الفريق الآخر لأولئك المقاتلين. انها حرب، وفي كل الحروب هناك باحثون عن الغنائم وإن كانت عن طريق الحرق والنهب، ولكنها حرب من نوع آخر.

حين أتحدث عن العبادي والبرزاني والجبوري، انما أتحدث عن رجال يريدون ان يوسم عصرهم بسمة النصر. وحين أتحدث عن المالكي والنجيفيين وأمراء الطوائف، فاني أتحدث عن مومياءات سياسية لاتريد لأي إنجاز أن يتحقق ويكشف عورة فشلهم، بل، تخاذلهم. مومياءات تعيش على الشعوذة السياسية التي تنمّي اللوثة الطائفية.

في حوار له مع صحيفة الواشنطن بوست، لا يستبعد المالكي أن يعود إلى مكانته السابقة في يوم من الأيام، ويقول حرفيا “استنادا إلى التأييد الشعبي الذي أتمتع به ولا يزال قويا، أعتقد

أن ذلك ممكن”. انها هيستريا السلطة، والغرق في وهم قوّض أركان دولة كان من الممكن أن تتعزز خلال ثمان سنوات من حكمه.

محاولات مصادرة النصر العراقي الذي تحقق خلال الاسابيع القليلة الماضية عبر ممارسات بعض عناصر الحشد الشعبي تشغل ذلك الفضاء الفاصل بين رجال الدولة ومومياءات السياسة. المالكي يقول في الحوار ذاته ” لقد أسست تلك الميليشيات وقتما كنت في السلطة، إن علاقتي بهم وثيقة للغاية، وقد يكونون على نفس إخلاصهم لي، وبالتالي ما زلت أعمل معهم وأؤيدهم وأشجعهم على القتال”. ترى أي الميليشيات تلك التي أسسها المالكي..؟. ولأي غرض، والقوات المسلحة الرسمية التي كان يقودها تجاوزت المليون ونصف المليون منتسب..؟ والسؤال الأهم ماذا عملت تلك الميليشيات والقوات المسلحة لوقف زحف قوات داعش التي إحتلت ثلث مساحة العراق خلال أيام معدودات..؟. انه فشل القائد الذي ينسحب ببساطة على ملايين المقاتلين الذين هم تحت قيادته.

النجيفيان أيضا، أسامة وأثيل، يستقتلان لتكوين ميليشيا خاصة بهما يدعيّان انها ستقوم بتحرير الموصل. أي نكتة سمجة يطلقها المهزومون حين يتعلق الأمر بلي عنق الحقائق بغية إستجداء أموال قطر والسعودية وتركيا و أمريكا، وربما اسرائيل أيضا، تحت ذريعة تحرير الموصل دون إشراك الحشد أو البيشمركة. والسؤال الأهم، هل يجد النجيفيان مائة موصلي يثقون فيهما بعد موقفهما المتخاذل أثناء المعارك وبعد فشلهما الذريع في إدارة الوظائف التي أوكلت اليهما، أسامة في رئاسة مجلس النواب أو أثيل في محافظة نينوى..؟.

مرة أخرى، يبهجنا ذلك القرار الذي اتخذه العبادي بسحب الحشد من المناطق المحررة وتوجيهه لمقاتلة تنظيم داعش في المناطق التي مازالت تحت سيطرة التنظيم. يبهجنا أكثر قراره بتشكيل هيئة الحشد الشعبي التي سترتبط مباشرة بالقائد العام للقوات المسلحة. بالمقابل تقلقنا تحركات المالكي واستقتاله لان يكون قائدا لقوات الحشد الذي يدعي انه مؤسس ميليشياته، مثلما تقلقنا الميليشيات التي ينوي النجيفيان تأسيسها. فالمالكي الذي سلم ثلث مساحة البلاد لداعش قد ينوي تسليم ما تبقى من أرض العراق. أما النجيفيان فانهما لا يمكن ان يشكلا ميليشيات إلا على شاكلة داعش، وقد تكون أكثر وحشية وهمجية.

[email protected]

أحدث المقالات