18 ديسمبر، 2024 9:38 م

حكاية شهربانة
قصة قصيرة
الاحفاد : جدتي قصي لنا حكاية
الجدة : سأقص عليكم اليوم حكاية زهرة ذبلت قبل ان يكتمل نموها
انظروا ياأولادي : كان يا مكان في قديم الزمان
كان هناك فتاة أسمها “شهربانة” في الثاني عشر من ربيع عمرها
بجمال ابتسامتها وبهاء رونقها تستيقظ كل صباح تستعد للذهاب إلى المدرسة ترتدي رداء المدرسة المفضل لديها وتسرح شعرها وتجعل منه جدائل، تأخذ حقيبتها المدرسية وقارورة الماء تتدلى من حقيبتها بعد ان علقتها عليها، تسير في طريقها والسعادة لا تفارق شفتيها، تغني مع الطيور محلقةً بنفسها في فضاء السماء، وروحها كالملاك البريء، خجولة كزهرة الياسمين يفوح عطرها بكل الميادين، جميلة كزهرة تشرق عليها شمس الصباح، تعود للبيت تكمل واجباتها المدرسية، وفي وقت فراغها تأخذ عروسها الصغيرة (لعبتها) وتخرج الى الحي للعلب مع صديقاتها، وجدائل شعرها الحرير يبعثرها نور وجهها الحسن، مستمتعة بكل لحظه من يومها، حالها حل أي فتاة في سنها اللطيف المليء بالبراءة والجمال الذي لا تمحوه قساوة الحياة ومرراتها، والتي لاتزال تجهلها.
وفي يوم من أيام الزمان أتت “شهربانة” من المدرسة، فاذا بها ترى منزلها مزين بالأضواء وأوراق الزينة الملونة، وأصوات زغايد النساء تعلو المكان بصخابتها والفرحة تملئ زقاق منزلها, دخلت إلى البيت وكان الجميع مترقب وأعينهم مليئة بالسعادة والتفاؤل، ومازالت علامات الاستفهام تجسد محياها، واذا بجميع نساء البيت تلتف حولها, واحدة أمسكت بيدها لتزين أصابعها بالحناء وأخرى تمسك شعرها وتمحو منه جدائل طفولتها، وغيرها تربت على كتفها بلطف وتنظر اليها بفرح وإستبشار، معلنة لها رحيل قطار الطفولة ومجيء قطار الحياة الحقيقة الذي يجب أن تعيشه أي فتاة وصلت الى مثل سنها حسب معتقداتهم وأعرافهم، حتى أن الحال وصل بهن الى حذف تفاصيل براءة وجهها بمساحيق التجميل كمثيلات سنها.
ثم أجلسوها على كرسي تحته وساده لكي يراها الجميع في غرفة تدور فيها صيحات بأصوات قوية واهازيج الطرب وهي ترى الكل يقفز من حولها يعبر عن فرحته وسعادته بطريقته الخاصة سواء بالهلاهل او الرقص او الغناء، تنظر إلى الطرف الاخر من مكان جلوسها، وعبر النافذة لترى رفيقاتها يلعبن ويمرحن على أصوات الطبول، حتى انها حاولت إن تقوم لتلتحق بركب الرفيقات واذا بسد منيع يصدها معلناً اليها التزام مكانها.
حتى انهم ابعدوا عروسها (لعبتها) المفضلة وأغلقوا عليها باب خزانتها كما فعلوا معها هي، حتى سالت دموع الحزن من عليها وجنتيها، وما هم بسامعين.
كان الناس تضج من حولها يعم المكان والزمان، فأغمضت عينها ورحلت إلى العالم الذي نسجته في مخيلتها، لتلعب وتمرح مع زميلات سنها وبيدها عروسها، وبعد فترة وجيزة شعرت بخمول يجتاح جسدها وبسرعة نبضات قلبها، واحست بقدوم اناس آخرين، ففتحت عيناها وعادت الى عالم الواقعية والحقيقة، واذا بالاهل والأشقاء والأقارب يستقبلون المهنئين وسط صخب من الترحاب والضيافة، وكان من ضمنهم شخص يرتدي طقم اسود وقميص البيض تزين رقبته ربطة حمراء ممسكاً يديها الناعمتين ليسير بها وسط هذا الجمع الغفير، ترافقهم الأهازيج والرقص والتصفيق، وتوسدت الرهبة محياها حتى وصلوا بها الى منزلها الجديد, والذي سيكون تتمة لحياتها القادمة التي تحددت منذ ان اخرجها ثوبها الابيض من طفولتها، لتبدأ مسيرة حياة المشقة والمسؤوليات التي ترافق المرأة ولاتنتهي الا بانتهاء العمر والرحيل من عالم الدنيا.
الجدة: يااحفادي هذه حكاية جدتكم، واذا بهم يغطون في نوم عميق، فتذكرت ذاتها القديمة التي خطفها ومحاها الدهر والزمان بقفصه “الذهبي” عندما كانت في مقتبل العمر.