ثمة رمزية للباب الذي تحطم والذي أنجز وقتها في نجارة(أبو رأسين ) ، نجارة أبو رأسين التي تقع في الشارع الرئيس الذي يؤدي الى سوق الصدرية من جهة كراجات منطقة النهضة ، وضع في عربة بعد أن رفع من قبل حماليّن لازالا يمارسان رياضة كمال الأجسام ، يمارسان رياضة كمال الأجسام في البيت التي إستأجرها (أحمد المراهق ) وحولها الى مايُشبه صالة من صالات الـ جِم ، أحمد المراهق لم يكن مراهقا بالمعنى الشائع والمتعارف عليه لكنه كان مولعا بالنسوة ولاتستطع عيناه من ترك امرأة تمر من سوق الصدرية دون التطلع الى محاسنها ، وهو السبب الذي حاز بموجبه هذه التسمية ، أحمد المراهق متزوج من (صفوة ) صفوة بنت الجيران التي كانت تذهب لسوق الصدرية ، أحمد المراهق حين أحب صفوة أراد تعلم كتابة الشعر قطعا الشعر الشعبي لكنه تذكر بأنه لم يكمل إبتدائيته في مدرسة (أبو سيفين ) وأكتفى من
حياته الدراسية تلميذا وصل تحصيله الدراسي الى مرحلة (الثالث الإبتدائي) لم يتعلم كتابة الشعر بل ولم يحفظ قصيدة شعرية إلا شطرا واحدا كان يغنيه يوسف عمر والذي يبدأ بــ (وإني وإياها كما الماء والخمر ،) يوسف عمر قارئ المقام العراقي والرديف في الشهرة لمحمد القبنجي ، محمد القبنجي مأثرة في غناء المقام العراقي حيث ذاع صيته في مصر وسوريا والأردن ودولا عربية أخرى خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات ،وحين غنى على مسرح القاهرة نهض محمد القصبجي أكثر من مرة يحييه وقوفا ،كان باب المسرح الذي دخل من خلاله القبنجي باباً فرعونيا مزخرفاً بالعصي والثعابين وكذلك باب الفندق الذي سكنه القبنجي ، في القاهرة زار القبنجي حي الحسين وجلس مقهى رضوان الشعبية وقام بجولة في نهر النيل عبر عوامة(أحبك الإسكندرية ) ، نهر النيل الذي يعتبر أطول نهر في العالم ويمر بــ 10 دول أفريقية ،في مصر حين زارها القبنجي كان هناك في مجال الفن أسماء لها حضورها ( محمد عبد الوهاب ، فائدة كامل ، السيدة أم كلثوم ،فريد الأطرش ، عبد الحليم حافظ ،محرم فؤاد ، عبد اللطيف التلباني ، نجاة الصغيرة ، فائزة أحمد وكارم محمود ونخبة من الملحنين كــ ( رياض السنباطي ، الشيخ زكريا أحمد ، محمد القصبجي، بليغ حمدي ، كمال الطويل ،) ونخبة من كتاب الأغنية مثل( عبد الوهاب محمد ، حسن السيد ، مرسي جميل عزيز ،أحمد شفيق كامل ،) وهناك من كُتاب الأغنية ممن إكتفى بكتابة أغنية أو أغنيتين مثل
إبراهيم ناجي صاحب الأطلال (يافؤادي لاتسل أين الهوى- كان صرحاً من خيالٍ فهوى..) التي غنتها السيدة أم كلثوم ،
وهناك أبواب شامخة أخرى في مجالات الثقافة والفكر والأدب ، أبوابا لاتحتاج لطلاء كون صناعها صنعوها بجدية وبجهد وبحرص كي يتركوا للأجيال القادمة أبوابا أمينة تفتح بعبارة أو بحرف أو حتى بمقولة (إفتح ياسمسم )،وبمناسبة السمسم فأن لنا جارة تنادي على صغيرها عمار حين خروجه من الدار ( دير بالك سمسم ) وجارتنا الأخرى تتلذذ بأكل التمور التي ترش بالسمسم وأحيانا توزع على جيرانها مدورات من التمر والسمسم ووصية أن نقرأ الفاتحة على روح جاسم حاسر جدعان الذي قتل في معارك الشمال عام 1963 ،لاشك أن الأحداث متفرعة في هذه الحكاية ولاشك أن فرعياتها تلج فرعيات أخرى ولاشك أن هناك مغزى في قفل الأبواب وفتحها ،قفلها حين يكون الحديث معتما ومنقولا عن قال الراوي ،وفتحها حين تسرد الحكايات بالضوء بدون تنغيم لصوت فلان أو تمجيدا لِعلان ،وليس بالضرورة أن تكون للحكايا أبطالها مادامت المجتمعات غير متساوية بالحقوق والواجبات ، ومن هذا المدخل أو ذاك وما يختاره المتلقي يستطع أن يكمل قصة (أحمد المراهق) بما يحلو له وليجعله رئيسا للوزراء في قصته ،فالحياة في عرفي مجرد مفاتيح فلماذا لاتكون القصص مجرد مفاتيح لقصص أخرى ،
وهكذا مع نجارة أبو رأسين أو صفوة أو مع أي من ورد إسمه ضمن عرض هذه الحكاية التي فقدت رباطها ،
أعتقد أن مقتنيات الماضي أسماءٌ وأماكن تتجدد بفعل التداول اليومي لذكريات الأمس ومنها يُخلق التصور الشامل لذكريات الغد حين تصاغ بتوقع مختلف لكل ماستظهر به الحياة لاحقا عبر ثوابت إبداعية وأخلاقيات ثابتة كي يبقى الباب على متانته ولايتحطم من جديد ، ولايبقى من يغني لعفيفة إسكندر تيمنا بالإنحدارات المتوالية (هاي من الله قسمتي- دوم أتسلة بدمعتي ) أو يُجالس قنينة خمرهِ كل ليلةٍ في جحرٍ ما من أحدِ جحورشوارع بغداد وهو يرى جميع الأبواب مغلقة وجميع من يراهم في سكرته لصوصا وهم يتربصون بلحظة سعيدة من لحظاته الإفتراضية ،
[email protected]