23 ديسمبر، 2024 5:57 م

حكاية المالكي الحزينة

حكاية المالكي الحزينة

عندما تتجرد السياسة عن الاخلاق فانها تجنح نحو الاستبداد والظلم ، هذه مقولة تم اختبارها على المدى التاريخي البعيد ولمس المتتبع لها ما يسفر عنها من استبداد ومن تفريط في حقوق الناس سواء على المستوى الاقتصادي او المعنوي الذي يصل الى حدود قتل الانسان رمزيا وفعليا ، وما نشهده اليوم في الواقع السياسي يجسد بقوة دلالات هذه المقولة .
ان مجريات الاحداث اليوم ومع تصاعد الهتافات بالتسامح مع رموز النظام السابق في سياق محاولة الغاء قانون المساءلة والعدالة ، والذي شمل قضاة تصدروا توجيه قرارات الاعدام بحق المجاهدين من السياسيين المعارضين لنظام الحكم الفاشي البعثي المنهار ، سواء كانوا هؤلاء المجاهدين من احزاب يسارية او دينية وخصوصا مجاهدي حزب الدعوة الاسلامي الذي اعطى الكثير من الشهداء لتصل الامور في العراق ما وصلت اليه اليوم من تسنم لمناصب قيادية لمنتميه وقد كان ذلك مثار فرح للشعب العراقي المظلوم الذي ضحى بابناءه من اجل اسقاط النظام الفاشي ورموزه في ان يقود العراق رجالات هذا الحزب العريق والمعروف بنضالاته ، وانطلاقا من ذلك فقد وضع الشعب كامل ثقته في هذه القيادات املا منه في ان يحظى بالدفاع عن حقوقه المهدورة والمستباحة ، لكن الانتهازية السياسية وضعت الامال في مسار اخر في اطار المفاجئة الكبرى التي تجعل قيادي مثل السيد نوري المالكي يصرح بالتصالح والعفو مع بعض هذه الرموز التي كانت الاكثر ايذاء لابناء الشعب العراقي وهو القاضي مدحت المحمود ، المعروف باصداره لقرارات الاعدام وقطع الاذان لابناء الشعب العراقي .
ربما يتذكر الشعب كل محاولات القمع وعدم التسامح من قبل المالكي مع ابناء التيار الصدري رغم انه تيار لم ينادي الا بحقوق الشعب ومحاولة اخراج المحتل المسؤول عن الكثير من الجرائم والمجازر في العراق ، واخراج المحتل سواء في العرف الاسلامي او في الاعراف الاخرى هو واجب مقدس والمتابع للتاريخ يعرف نضالات الفيتنام والهند والصين وغيرها من دول العالم التي تدين بديانات اخرى في اخراج المحتل لاراضيها ، وهذا ما يؤكد مشروعية الدفاع عن الارض ومشروعية اخراج المحتل وتلك بديهية لا نريد ان نخوض فيها ، لكن مغزى ما نرمي اليه هو ان السيد المالكي كان قامعا وحازما مع ابناء عقيدته ومذهبه ، في حين انه يغض النظر عن قتلة ابناء الشعب العراقي وعن اخوانه من شهداء حزب الدعوة الاسلامي .
ليتسامح المالكي مع رموز البعث ويغض النظر عن الابادات والمجازر التي ارتكبها المحمود بقراراته المذعنة لسلطة الفاشست البعثي حفاظا على منصبه – أي المالكي – الذي لمسنا في عدد من مواطن تصريحاته ومواقفه حب الاسيتثار بالسلطة والانفراد بالقرارات ، وذلك امر طبيعي يدفعه للتسامح اذا ما هدد هذا المنصب واذا ما كانت صفقة التسامح ستجعله يحافظ على منصبه الدنيوي والزائل والذي ان دام فانه لن يدوم الى الابد ، فتلك هي السنن التاريخية التي نعرفها في اندكاك عروش كان يستبعد حتى مجرد الاحتمال في انهيارها وقد اصبحت نسيا منسيا ، نقول ليتسامح المالكي وليرمي السنن التاريخية ووعظها خلف ظهره لان شهوة السلطة تعمي ، لكن عليه ان يتذكر ان الشعب العراقي لن يتسامح في هذه المسألة التي تخص كرامته وحريته وحياته وحياة ابناءه الغالية ، وان عدم تسامح الشعب سيدخله في المأزق الذي دخل اليه عتاة الطغيان .
قد يقود الغباء السياسي الى الاعتقاد بان الشعب بالامكان ان يرضخ اذا ما فعلت عدد القمع بوجهه ، ولكن ذلك اعتقاد تكذبه دراسة سيكولوجيا المجتمعات التي تم مواجهتها بكامل عدة القمع فما كان منها الا المواجهة بارادة جعلت تلك العدة تستحيل الى رماد نفخته صرخة الحرية ولم يعثر على بقاياها حتى في الوديان السحيقة .
على ماذا اذن سيكون رهان المالكي ؟ على التحالف مع مكونات حزبية ما زالت اثار سياط البعث التي جاءت بقرارات المحمود تلهب ظهورها ام على الشعب الذي ما زال يتحسس اثار جسده المبتور المقترن بكرامته كانسان مورست عليه اسوء حالات الامتهان ، وهو يتشوف لان يستعيد كرامته بالانتقام من رموز الاذلال التي يسعى المالكي للتصالح معها ، فليراهن اذن على التحالف مع الخونة ، والخائن لا يوستئمن فلربما ان مصالحه تقتضي استبعاد سلطة المالكي في يوما ما .
تلك اذن هي نهاية القصة الحزينة لحكاية المالكي التي كنا نتوقعها منذ زمن ، تلك النهاية المأساوية التي دفعته للتوقيع على قرار نهايته ظنا منه انه يوقع على قرار بدايته ودوامه واستمراره في السلطة التي اعمت بصيرته ، فليكن له ذلك اذن ……..