27 ديسمبر، 2024 8:54 ص

حكاية الحلم والغنِي

حكاية الحلم والغنِي

زمان.. زمان قوي.. كان فيه بنت فقيرة جدا، أفقر من سندريلا، وجميلة جدا، أجمل من ست الحسن، وبريئة جدا، أكتر من سحاب الدنيا اللي دايما بيغسل الدنيا ويطهرها.
وكان فيه رجل غني جدا، زي خيرت الشاطر وأحمد عز، وعجوز جدا أكبر من جن سليمان في السن رغم إنه عمره ما انحبس في قمقم ولا قال لملك لا، وشرير جدا أكثر من شهريار، لإنه كان عنده من قسوة القلب اللي يخليه  يدبح القلوب مش بس الرقاب.
الرجل دا في يوم من الأيام فكر في إنه يشتري الدنيا بحالها.. لأن في عقله جه خاطر، إن السعادة هي إن الدنيا تبقى بتاعته هو بس، ملكه هو بس.. مش لأي ملك أو لأي أمير.. ورغم إنه اشترى شركات ومصانع ومطاحن ومحلات ودكاكين بويا دهن بيها كل وش الدنيا شر إلا إنه دايما كان حاسس إن لسه فيه شئ في الدنيا مش ملكه هو اللي مسبب له التعاسة اللي دايما وطبيعي كان عايش فيها،  علشان كدا جهز أحسن وأجمل وأسرع حصان عنده وربط على وسطه سيف كان اشتراه من فارس عربي صدمه الواقع المرير اللي عايشاه المنطقة والعالم فقرر إن الزمن جه علشان يتخلى عن أحلامه وسيفه ويدفن نفسه.. فظهر – كما هي العادة في كل العصور-  اللي اشترى السيف بتاريخه في مزاد – علني – حر نزيه تحت إشراف دولي.
المهم إنه ركب الحصان ومسك السيف فبقى كل اللي يشوفه من بعيد من غير ما يعرفه ويعرف تاريخه يظنه فارس.. حتى هي لما شافته مرة في يوم من الأيام بيتكلم على شاشة  التليفزيون – اللي يوميا كان بيزورها تقريبا – بزيه وحصانه اتخدعت فيه – وده حصل في الحقيقة –  فحلمت بحضنه خاصة إنها كانت مشغولة دايما بالفارس اللي هييجي على حصانه الأبيض يخلصها من حياتها السودا دي والشقى اليومي دا بسيفه.
هي كانت بتعمل كل اللي تقدر عليه علشان توفر لقمتها وهدمتها، ماكنتش بتقول لا على أى شغلانة مادام الشرف مغلفها من برَّا.. تكنس شقة، تمسح سلم، تغسل مواعين، تروّق… تعدي على بيوت الناس تطبخ، و تاخد غسيلهم تشيل من عليه وسخات الأيام وتصرفاتهم وترجعه نضيف، في النهاية هي كانت بتحاول تعمل أي حاجة علشان تكسب لقمة عيشها من غير ما تبيع نفسها في زمن كان كل اللي مالوش لازمة في الدنيا بيبيع نفسه ويعيش غني أو في زى فارس، وفي النهاية هي كانت بتاكل لقمتها حتى لو متغمسة ملح  وتشكر ربنا وتنام وبالها مستريح زي الطفل الصغير.
في يوم، في رحلة بحثه عن حاجة لسه ما اشترهاش هو نزل قريتها الفقيرة البسيطة.. غريب زي أي  غريب دخل القرية.. نزل في فندق، لوكاندا، قصر الوالي، بيت مَلْك.. المهم إنه سكن في بيت بباب ودفا لكن من غير أهل، من غير ونيس، ونام على سرير مش بتاعه، وأكل  في طبق مش طبقه وطلب حد يغسل له هدومه.. وهنا ظهرت هيّ، وهنا شافها هو.. ولإن عنده حاجات كتير مالكها، وحاجات كتير اشتراها مابقاش يفتكرها.. فتح نوته الخاصة وبدأ يدور هي دي ملكه ولاَّ ملك أي حد تاني و لسّه ما اشترهاش.. لكن في النهاية رمى ناحيتها غسيله الوسخ فجمعته في طبقها البلاستك وراحت بيه لبيتها..
في اليوم دا هو ما نامش.. كان مشغول قوي، مش بيها لكن  بازاي وسط كل اللي اشتراه وامتلكه نسي يمتلك أو يشتري حد يغسل وساخة غسيله.. حد يخلي حياته نضيفة،  وقرر – مع نفسه –  إن زمنه جه علشان يكون عنده الحد ده. وفي اليوم دا هي راحت بيتها.. خرَّجت غسيله الوسخ، ورمته في طشتها اللي دايما مليان ميّة نضيفة وبدأت رحلة الغسيل.
 عجبها جدا لبس الفارس “حلمها”  خاصة بعد ما رجع – على إيدها – للونه الحقيقي، لما خلصته من الوساخة اللي كان سايبها عليه في رحلته.. في بيتها قالت لنفسها:
“كل اللي بتستناه بنت في الدنيا فارس بلبس زي ده، معاه سيف – كانت لسه لحد دلوقتي ما لمستهوش لإنه أصلا ماكنش لسه خرج من غمده- علشان يخلصها من دنيتها السودا دي، وينقلها للجنة في قصره”.
 ونامت بالليل بتحلم بالفارس والجنة.. ولما جه النهار خدت غسيله المغسول وراحت له.. وقفت قدامه – وهو بيراجع نظافة الغسيل بنص عين/ بنص عقل، وبيراقبها ويسجل حركتها بنص عين في نص عقل – مستنية رأيه وأجرها و”حلمها”.. ولما قلبه اطمن للنضافة رمى ناحيتها عينيه وحدف ليها صرة فلوس وقال لها:
–        بتعملي إيه بالليل؟
“الحلم”
–        بغسل
–        طب وبعد الغسيل؟
–        مافيش بعد الغسيل.. أنا بافضل اغسل لحد ما انكفي على الطشت واجيب نهار يوم تانى.
بص لها وفتح نوتّه من جديد يتأكد إنها مش ملكه وسألها
–        إنتي ليكي أهل؟
“الحلم بيكبر”
–        كان ليَّا زمان، أيام ما كان لسه في الدنيا أصول.
–        طب واللي عايزك يعمل إيه؟
خبط حلم الفارس في رأسها.. “الجنة قربت”.. قالت لنفسها، ورمت خيالها في حضنه بعد ما فرشت على سريره ملاية نضيفة، لمحت سيفه متعلق على الحيطة جوَّا غمده فشاورت على السيف.
–        يعني مالكيش حد أشتريكي منه؟
شاورت من جديد على السيف.. رفعه من على الحيطة.. مسكه في إيده.. ماخرجوش من غمده، لكن مده ناحيتها.. حركت – بشهوة – صوابعها عليه، وكأنه سحر،  وقعت فى الحب، ووقفت مستنية أوامره…
–        خلاص أنا قررت إني اشتريكي.. أنتي من النهاردا ملكي.. ابصمي هنا.
“الجنة بتقرب”.. “السيف حلمي القديم”.. كإنه سحر.. بَصَََََََََمت.. ورمت ابتسامة كبيرة على وش الدنيا، كأنها بتحاول تغطيها وتمسح حزنها اللي كان مغطي كل ماضيها..
بالليل.. هو طلع ع السرير.. هى حلمت باللي جي… شد بطانية ورماها على الأرض.. استغربت.. “ليه عايز يضيع حلمي؟!.. ليه يتخلى عن دور الفارس والسرير موجود والميدان مفتوح؟!”.. لكن هي كتمت حزنها في قلبها، خزنت دهشتها في عينيها وفردت البطانية ع الأرض ونامت.
في حلمها.. هي غزت معاه مدينة وفتح بيها قلعة، وقعدها جانبه ع  العرش وصار فارسها فانتشت.
وفي حلمه.. هو رفع رجله ورماها ناحيتها وهى قاعدة ع الأرض منكسرة وحزينة، ففردت إيدها وبدأت تخلصه من تعبه وهي بتغسلها من مّية طشتها النضيفة.
وفي حلمها قامت ووقفت في قلب طشتها من غير هدوم تستحمى وهوواقف على راسها رافع سيفه يمنع عنها أطماع أي غريب.
وفي حلمه رمى ناحيتها غسيله ووقف على راسها يشخط وينطر لحد ما خرج غسيله من تحت إيدها زي ما طول عمره بيحلم بالغسيل.
وفي حلمها….
عارفين.. أهي دي مش حكاية جديدة.. دي يمكن تكون أول حكاية من حكاياتنا بتتكرر في الدنيا دي من أول ما ربنا خلقها.. كتير من الناس عاشها وشافها.. كتير من البنات ماتت مع أحلامها وهي بتغسل رجلين.. كتير من البنات والبلاد هرب منها الحلم مع صابون الغسيل وريحة رجلين فارس عمره ما طَلّعْ سيف من غمده علشان يدافع عن حد ولا عرف أصلا ازاي يستعمله.
[email protected]
http://mahertolba62.blogspot.com.eg/