22 ديسمبر، 2024 6:13 م

حكاية اسمها الانسان

حكاية اسمها الانسان

يقال انك احيانا يجب ان تكون شاهد عيان حتى تصدق ما يجري من احداث قد تفوق قدرتك على التخيل واياً كانت الدوافع في كشف الحقائق فان ما فعلته احدى الصحفيات الاردنيات عندما استعانت بكاميرا سرية لتصوير الانتهاكات التي يتعرض لها المعاقون في احدى دور الرعاية الصحية في الاردن ولمدة عام كامل ليبث بعدها على شاشة BBC العربية هو عمل بطولي بامتياز ، فقد ادى الى احالة جميع من ارتكبوا هذه الانتهاكات الى النيابة العامة للتحقيق معهم و كان اكثر ما اثار التساؤل والخوف معا لدى الراي العام هو ان مرتكبي هذه الافعال لم يكونوا مجرمين ولا من ذوي السوابق فهم اناس يفترض انهم مؤهلين لرعاية هذه الشريحة ولكن ما ظهر اثبت انهم كانوا المعاقين فعلا وليس الاطفال الذين تحت رعايتم .
 وهي حادثة تكررت باستمرار في اماكن عديدة حولنا وبطريقة او باخرى يكشف عنها في وسائل الاعلام كما حدث مثلا عندما كشفت القوات الامريكية ما تعرض له اطفال معاقين من اهمال وسوء معاملة في احدى مراكز الرعاية في بغداد قبل عدة سنوات ونشرت صورهم المؤلمة في الصحف ، ولكن ماذا عن الاماكن الاخرى التي تبقى فيها الامور طي الكتمان في مجتمع يكثر فيه ذوي الاحتياجات الخاصة والايتام والمرضى وضحايا الحروب والاسلحة المحرمة دوليا  وهو امر يثير التساؤل حول مدى احترامنا لضعف الاخرين وحاجتهم امر اتلمسه بوضوح وانا اسكن في منطقة تعج بالمستشفيات والعيادات الطبية والصيدليات حد الاختناق .
فالادوية مثلا قد تباع منتهية الصلاحية مثل الادوية التي اشتريتها قبل فترة و كانت منتهية الصلاحية وبعد ان نبهت البائع وقتها الى ذلك اتلفها معربا عن اسفه ولا ادري هل كان ينتظر ان يخبره المريض ان الدواء المخزن لديه منتهي الصلاحية ام انه كان سيبيعه الى اي شخص لا يعرف القراءة والكتابة .
ولا اعلم هل ان مبدأ المحافظة على اسرار المريض وخصوصيته امر لايزال متبعا ومطبقا بعد ان اصبح بعض الاطباء يعاينون خمسة او ستة مرضى في وقت واحد وفي مكان واحد ، وفي احدى العيادات وضع الطبيب لافتة تخبر المرضى بان اجور المعاينة من الاسبوع القادم ستزيد الى الضعف بتعليمات من نقابة الاطباء فهل المقصود هو وضع المرضى امام الامر الواقع دون مراعاة شريحة كبيرة من الفقراء ومحدودي الدخل التي لا تستطيع تحمل هذه النفقات الكبيرة للعلاج والدواء .
ولاننا في زمن الاضطرار فان ذلك كله لم يمنع الناس من التدفق باعداد كبيرة على عيادات الاطباء الى حد افتراش الارصفة والجلوس تحت اشعة الشمس الحارقة يدفعهم الضعف والمرض والخوف الطبيعي على سلامة الجسد ، يقول عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي ادجار موران نحن ما زلنا على المستوى الانساني همجيين ذلك ان العمى عن الذات وعدم فهم الغير يعبران عن نفسيهما على مستوى المجتمعات والشعوب وكذلك على مستوى العلاقات الشخصية .
وما نحتاجه فعلا هو التحلي بالانسانية اثناء التعامل مع الضعفاء واحترام حاجتهم حتى لا نضطر الى وضع كاميرات مراقبة لمراقبة سلوك القائمين عليهم ، واذا كنا مجتمع عانى من العنف فان ذلك لايعني ان ينعكس في السلوك الانساني لان بناء اي مجتمع يعتمد على بناء الانسان واحترام ادميته وهو ما ادركه الغرب منذ زمن ولعله سر تقدمه .