23 ديسمبر، 2024 12:35 ص

حكاية أغنية     

حكاية أغنية     

راحت يدها تضغط عل يدهِ بحرارة وهما سائران جنباً الى جنب  في الشارع الطويل الممتد من أسواق الشورجة الى بداية ساحة كهرمانة. قالت ” ..لماذا تردد كلمات هذه ألأغنية منذ فترة طويلة؟ لم أفهم منها أي شيء سوى كلمة واحدة- impossible- –أنت ترددها بنغمةٍ حزينة جداً كأنك تستذكر أشياء كثيرة مرت عليك في هذا العالم . أتمنى أن أفهم كل كلمة ترددها. معلوماتي في أللغة ألأنكليزية قليلة جدا. فهمت كلمة واحدة وهي – مستحيل-” . لم تترك يده طيلة تلك الفترة كأنها تخشى عليهِ من الضياع كما ضاعت أحلامٌ كثيرة من حياتها قبل سنواتٍ بعيدة . تعرفت عليهِ في غفلةٍ من الزمن . زمنٍ كانت هي في أشد الحاجةِ الى حكاية تشبه حكايات العشاق أو المراهقين حينما تتفجر لديهم رغبات روحية وجسدية ليس لها حدود. كانت عطشى الى كل كلمةٍ ساحرة تحرك مشاعرها الى أقصى درجة من درجات الهذيان الروحي والعشق ألأفلاطوني البعيد عن المصالح الشخصية والمادية. عاشت حياتها مع رجل كزوج لم تجد فيه إلا كل معنى من معاني ألأذلال الروحي والجسدي . بلا ترقب تحررت منه في لحظةٍ إعتبرتها ولادةِ عصرٍ جديد . شعرت أنها طيرٌ يطير بين المروج الخضراء. إزدادت سعادتها حينما قذف القدر في طريقها ذلك الرجل بكل تجاربهِ الطويلة. كلاهما تجاوزا ألأربعين بعدة سنوات. قبل أن تتعرف عليه إعتقدت أنها ستدفن مع أحزانها الى ألأبد.
   هي تعرف أن حكايتها مع الرجل السائر الى جانبها وهو يردد كلمات ألأغنية التي لاتعرف منها إلا كلمة واحدة – ماهي إلا حكاية وهمية لن تحقق منها أي إستقرار ومع هذا لاتريد أن تفكر لحظةٍ واحدة أن حكايتها ستكون عابرة. تشعر أن حنيناً مطلقاً يربطها بهذا الرجل القادم من المجهول دون توقع. غريزتها العميقة تشعرها أنه لن يخذلها أبداَ. هي تعرف أنهُ خاض تجارب قاسية على مدى سنوات العمر الممتدة من الولادة حتى هذه اللحظة. طال صمتهُ وهو يسير الى جانبها بين الحشود البشرية المتجهةِ الى أماكن متباينة. أطلقت زفرة طويلة كأنها تغيب في يأسٍ ليس له نهاية. ضغط على يدها بكل قوة كأنه يريد تهشيمها . صرخت بلذةٍ وسعادة مفرطة وهي تصرخ ” ..أوه..ماذا دهاك؟ أنت تؤلمني كثيراً؟ ” .أطلق ضحكة خافتة وهو يقول بهدوء ” ..هل أستطيع أن أحضنكِ هنا في هذا الشارع المزدحم أمام الناس وأمطركِ بقبلاتٍ لاتنتهي أمتص من خلالها كل رحيق يقطر من شفتيكِ الورديتين؟” . صرخت ضاحكة ” ..مستحيل..مستحيل.. ماذا سيقول علينا الناس؟ هل جننا؟” . قال بهدوء ” ..مستحيل” . هذه هي ألأغنية التي أرددها. هناك مستحيلات كثيرة في الحياة لايمكن تجاوزها أو الوصول اليها مهما حاولنا. ” صمت قليلاً ثم سألها عدة أسئلة ” ….هل يمكن لأمواج البحرأن لاترتطم بالساحل؟ أقصد تبقى في وسط البحر؟” قالت بأندفاع ” مستحيل..دائماً تقترب ألأمواج من الساحل وتكون أحياناً هائجة كالجبال الطود” . ” هل يمكن أن لايبكي الطفل من لحظة الولادة حتى الممات؟” . قالت ضاحكة ” هذه بديهيات في الحياة لايمكن أن تتوقف. هذا مستحيل” . كان يشعر بحركات أنفاسها تتصاعد كأنها تروم ألأرتواء من روحهِ حتى اللحظةِ ألأخيرة من حياتها. قال بصوتٍ هاديء ” من المستحيل أن أمسك يدكِ ألان ولا اشعر بحرارة جسدكِ تتدفق الى كل خلية من خلايا جسدي. حراة يدكِ تضيف الى سعادتي حرارة من نوعٍ آخر. من المستحيل أن أترك يدكِ في هذه اللحظة مهما حدثت أشياء لي في هذا المكان. ” أطلقت تنهيدة مسموعة وضعت فيها كل معاناة السنوات التي حرمتها من حكايات العشق ألأفلاطوني. كانت ذكية في كل شيء. قالت ” هل يمكن أن تمنع الشمس من الظهور في السماء؟” قال ” ..مستحيل” . تنهدت وهي تقول بصوت جميل ساحر ” أعتقد أنه من المستحيل بالنسبة لي أن أعيش بعد ألان بدون هذا العشق الجميل الذي يحيط بي من كل ألأتجاهات. مستحيل أتركك مهما حدث لي أو لك ” .
    فَهِمَتْ الموضوع الحقيقي لتلك ألأغنية التي كان يرددها دائما وهو يسير الى جانبها . تطور الحديث بينهما وهما يسيران جنباً الى جنب نحو بداية ساحة كهرمانة حيث دائرتها التي تعمل فيها . لم تشعر بطول المسافة الممتدة من أسواق الشورجة الى ساحة كهرمانة. قالت بحزنٍ شديد وهي تتطلع الى وجهه بكل خشوع وعشقٍ دفين ” …من المستحيل أن نعيش تحت سقفٍ واحد في هذه الظروف المعقدة . لديك عائلة رائعة ولدي بنات وأبناء ولكن من المستحيل أن أتخلى عنك وعن هذا العشق الجميل . حقاً إن هذا لشيء مستحيل ” .