23 ديسمبر، 2024 6:00 ص

حكايات واقعية محببة ومرغوبة من بلاد النفط والغاز المنهوبة …

حكايات واقعية محببة ومرغوبة من بلاد النفط والغاز المنهوبة …

رحمك الله يا ساقي اللبلاب…!
كان يسقي شجيرات اللبلاب في أقصى الدائرة يوميا ..مات بكورونا مؤخرا رحمه الله ..فشاهدت بالامس زميلا له وهو يسقي ذات الشجيرات قائلا”اللهم اجعل ثواب هذه السقيا لأخي فلان فلقد كان في كل يوم يسقيها متطوعا حتى كبرت واخضرت واورقت !”.
بل وسمعت زميلا آخر لم يعلم بما صنعه الأول وبعد أن وقع بصره على الشجيرات الجميلة وهو يقول”اللهم ارحم فلانا فلقد كان في كل يوم يسقيها ” .
الحقيقة لقد استوقفتني كثيرا تلكم الدعوات المباركات التي ما كان لها ان تنطلق على السنة الخلق لولا مشاهدة الموما اليه رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته في كل يوم وهو يسقي اللبلاب على مرآى ومسمع من الجميع متطوعا ومتواضعا لأن ذلك العمل لم يكن من مهامه بتاتا ولكأني بالشجيرات تقول للجميع “ادعوا وترحموا لأخيكم الذي ما قصر يوما بسقياي ولاتنسوا ان تسقونني كما كان يفعل صاحبكم !
حقا وصدقا ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم “لاتحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا،ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ”.

بائع العلكة الفقير الذي تقاسم طعامه مع ..قطة مشردة !
دعاني أحد الاخوة الأعزاء ليلا على-نصف كيلو كباب- لحم عراقي أصلي ولا الذ ولا أطعم مع السماك والصمون الحار والبصل والطماطة المشوية،وبما ان الكباب العراقي كان من القصاب مباشرة وليس من المطعم فلابد وفي هذه الحالة من البحث الدؤوب عن مكان عام للجلوس فيه ولم نجد وقتئذ غير مقهى عتيق مكشوف مغرق في الشعبية -كل مقاعده تعود الى الحرب العالمية الثانية قبل ان يجتاح الزعيم النازي هتلر ستالينغراد – وربما الى الحرب العظمى الاولى قبل حرب الخنادق، وأثناء تناول الكباب اللذيذ في الهواء الطلق مر بنا بائع صغير وفقير يبيع العلكة -علك ابو السهم -عارضا علينا بضاعته بكل ادب وهي كل ما يملك من حطام الدنيا الفاني في عراق – نهب المفسدون والمعفنون كل خيراته عن سبق اصرار وترصد وعلى عينك ياتاجر – فسأله صاحبي المعزب “عمو اسويلك لفة ؟” فأجاب الطفل الفقير على استحياء بـ” نعم ” ،وجلس الى جانبنا يأكل طعامه بشهية وكأنه لم يتناول طعاما منذ امد بعيد ..او على الاقل لم يذق طعم الكباب المشوي منذ فترة طويلة جدا – تراه مكضيها كلها فلافل وعمبه ، لبلبي وصمون ،تمن بايت ومرق ،كيك عربات مكشوف أو جرك ابو التمر مضروب بعد ان باضت وفرخت عليه الاف الحشرات والهوام والذباب اضافة الى اتربة الشوارع والارصفة مع الشاي الاسود – في هذه الاثناء تسللت قطة شوارع جميلة ومشردة يتضح ذلك من حجم السواد الذي شوه بياضها بين اقدامه واخذت تتمسح بقدميه وهي تطيل المواء فما كان من الطفل الجائع الا ان تقاسم الكباب معها وصار يأكل قطعة ويرمي لها بأخرى في نفس الوقت بكل كرم وتواضع حتى شبعت..ثم قام وشكرنا بكل ادب واحترام – وانا متأكد بأنه يسكن في عشوائية او في نزل قديم آيل للسقوط ، وانه قد ترك مقاعد الدراسة منذ فترة ليست بالقصيرة لغرض العمل ومساعدة اهله في المصروف اليومي -لأن اصحاب الكروش التقدمية والخلفيات والعقول والثقافات والشعارات الرجعية مازالوا يمارسون هواية – خمط – المال العام وكلهم ثقة بأن أيا منهم لن يتعرض للمساءلة وان حدثت بعد فتح -لفات- عفوا – ملفات – تحقيق بالحادث بعد عمر طويل ،وباع اطول في الاختلاسات والرشاوى والابتزاز والتزوير والسرقات فحبس بسيط لمدة عام ولاشك مع وقف التنفيذ – والاحتفاظ بكامل المسروقات لصالحه ولصالح حزبه فقط لاغير- اضافة الى ترشيحه وترشحه للانتخابات مجددا وهو يردد بحماية 20 مسلحا يتحلقون من حوله خارج اطار الدولة في مؤتمر صحفي “نطالب بتحقيق النزاهة اولا،بالشفافية ثانيا،بمحاربة الفساد ثالثا،بالاصلاح رابعا،بالتغيير خامسا ،باحالة المفسدين الى القضاء سادسا،ولابد من الضرب بيد من حديد على يد العابثين والسراق سابعا،ويتحتم على الجميع حصر السلاح بيد الدولة ثامنا ، والغاء جميع المظاهر المسلحة تاسعا ،ولابد من اعادة عقارات الدولة وممتلكاتها التي استولت عليها الاحزاب الطائفية على حين غرة الى الخزينة العامة عاشرا ..نحن بلد الحضارات والعدالة الاجتماعية والقانون وعار علينا ان يضرب الفساد أطنابه في كل المفاصل والمؤسسات ونحن نقف مكتوفي الايدي ونكتفي بالفرجة !!”.
لم نحر تعليقا على ما قام به الطفل الفقيرامام انظارنا، اذ ان ما صنعه بائع العلكة قد اخجلنا بتواضعه الجم وكرمه الكبير واتعب من بعده ،فعاهدت صاحبي على ان اكتب فيه وها أنذا أفي بوعدي وبما ألزمت به نفسي ..وفي ذهني بيت من قصيدة لشاعر عربي :
كَم مِن فَقيرٍ غنيِّ النَّفس تَعرِفُهُ ..ومِن غنيٍّ فَقيرِ النَّفسِ مِسكينِ

الصدقة التي صارت دعاء ومن ثم “دعاء وصدقة “!
كانت تجلس وهي أرملة كبيرة في السن نهاية كل شهر بموضع محدد قريبا من مكان عمله بإنتظاره وهي لاتعرف حتى اسمه ليدس في يدها مبلغا من المال بما تيسر له لتستعين به على تغطية جزء ولو يسير من نفقات العلاج ..الايجار..المولد في عراق النفط – واللفط – والغاز” علما انها ليست متسولة وانما هي عاملة نظافة في الدائرة المجاورة لدائرته وقد تم الاستغناء عن خدماتها بعد أن تراجعت صحتها وضعف بصرها وخارت قواها ولم تعد تقوى على أداء المهام الموكلة اليها كما كان الحال عليه قبل سنين مضت ولكن من دون احالتها على التقاعد لأنها غير مستوفية لشروط وضوابط التقاعد بزعمهم – خدمتها أقل من 15 سنة خدمة يتوجب بلوغها لترويج معاملتها التقاعدية والا فلا ،ولو ماتت جوعا وكمدا ومرضا وفقرا في عراق تنهب فيه القطط السمان حتى الكحل من العين..أما عن عشرات الألوف من الفضائيين،والموظفين الوهميين،ومزدوجي الراتب،والمتجاوزين على شبكة الحماية الاجتماعية،ممن لاوجود حقيقي لهم في الدوائر والمؤسسات الرسمية – مو مشكلة – هؤلاء يتقاعدون وعلى حسب الاصول وفوقها بوسة +مكافأة نهاية خدمة + علبة بقلاوة وجكليت وبسبوسة ..الا ان ارملة لامعين لها الا الله تعالى يجب ان تستوفي جميع الشروط ويطبق عليها القانون بحذافيره !!” وهكذا مرت الشهور على هذا المنوال ومن ثم اختفت الارملة المسكينة التي كانت تجلس قبالة الدائرة التي أنهت خدماتها ظلما وعدوانا والتي تقع الى جوار دائرته ،ومضت الايام والاسابيع تلو الاخرى ولم تظهر المرأة حتى علم الموما اليه بوفاتها من جراء مرض عضال الم بها لم يمهلها طويلا ،وهكذا توقفت تلكم الصدقة التي اعتاد على اخراجها لعجوز لايعرفها ولاتعرفه سوى بالشكل ..!
الا ان خاطرا رحمانيا خطر بباله فصار وكلما مر من هذا المكان المؤدي الى مكان عمله تحديدا “يتصدق عليها بالدعاء بعد وفاتها يوميا كما كان يتصدق عليها بالمال في حياتها شهريا “.
سأل احد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قائلا :”يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟” فقال عليه الصلاة والسلام: الصلاة عليهما،والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما،وإكرام صديقهما،وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما هذا كله من بر الوالدين بعد وفاتهما” .
فكما ان الصلة لاتنقطع بعد الموت بمواصلة الدعاء والصدقة وإنفاذ العهد واكرام الصديق وصلة الارحام والذكر الحسن “اذكروا محاسن موتاكم”كذلك الحال مع العمل الخيري والانساني،فلابد له ان لاينقطع حتى عن الاغراب الذين ماتوا ورحلوا ولعل في ما يصنعه صاحبنا هذا وانا شاهد عليه عبرة لمن اعتبر،وأسوة حسنة !
المفاجأة الجميلة انني وعندما حدثت شخصا ثالثا بقصة هذا الصديق وما يفعله مع المرأة الفاضلة وكيف أنه كان يتصدق عليها شهريا بما أنعم الله تعالى عليه في حياته وكيف صار يدعو لها بعد وفاتها كلما مر من نفس المكان يوميا ،قال “سلم لي عليه وقل له اضف الى الدعاء صدقة على امرأة غريبة / رجل غريب ،تمر/ يمر بمثل ظروفها المادية الصعبة وبنفس المبلغ الذي كان يهديه لها وليقل – هذا ثواب للمرأة العجوز – لعل دعوة ثانية من المتصدق عليها/ عليه ،تلحقها بعد وفاتها اضافة الى اجر الصدقة وما نقص مال من صدقة .
اودعناكم اغاتي