23 ديسمبر، 2024 10:36 ص

حكايات انتخابية – 3 / مرشحون ليبراليون … مثال الالوسي نموذجا

حكايات انتخابية – 3 / مرشحون ليبراليون … مثال الالوسي نموذجا

نشر أحد الأصدقاء على صفحته في الفيس بوك مادة منقولة، حِيكت بإتقان من قبل أحدهم تتحدث عن السياسي العراقي المثير للجدل مثال الآلوسي، محاولا التشهير به من أنه إرتبط بجهات جاسوسية إسرائيلية في مصر وحكم عليه غيابيا بالاعدام من قبل نظام صدام ….. إلخ من الحبكات التلفيقية، وكنت قد كتبت قبل هذا عن تاريخ الرجل إبتداء من إنشقاقه عن حزب البعث وهو لم يزل شابا يافعا وإنتهاء بكل التفاصيل الخاصة بحياته التي عاشها خارج الوطن، ولم تخفِ على أحد معظم تلك التفاصيل التي يتشرف بها أي عراقي نبيل وشريف.

تعرفت على مثال الآلوسي نهاية العام 2003 ، وكان قد وصل العراق قبل هذا بأسابيع …. علمت بعدها أنه أصبح أحد مسؤولي هيئة إجتثاث البعث، وقد أفادنا وجوده في هذه الهيئة من أجل التوسط لديه لتقديم العديد من أسماء العراقيين الشرفاء من التكنوقراط وغيرهم ممن كانوا قد إرغموا على الإنتماء لحزب البعث بحكم وظائفهم دون أن يكونوا موالين حقيقيين لهذا الحزب الفاشي، ولم يمارسوا أي نشاط ضد أبناء شعبهم، بل كانوا معارضين ضمنا لكل سياسات ذلك النظام القمعي، لنحصل لهم على إستثناءات من قرارات الفصل التعسفي (غير المدروس) خوفا من تجويع عوائلهم ومن ثم تحويلهم الى خصوم وقنابل موقوتة مستقبلا، كما حصل مع آخرين.

كان الصحفي في جريدة الصباح (محمد عبدالخالق الشمري)، أحد الوسطاء بحمل هذه الأسماء الى هيئة الإجتثاث والى السيد الآلوسي تحديدا، الذي أنصف العشرات منهم على مسؤوليته الشخصية وحصل لهم على إستثناء، على الرغم من معارضة زملائه الآخرين في الهيئة ومنهم جلال الدين الصغير ونوري المالكي (رئيس الوزراء لاحقا).

وأذكر أن سلطة الطيران المدني العراقي قد فصلتْ في العام 2005 وبقرار واحد 57 عراقيا من وظائفهم، فقمت بنشر مقال خاص بهم في عمودي بجريدة المؤتمر (العائدة لحزب المؤتمر ولزعيمه أحمد الجلبي الذي كان يرأس هيئة الإجتثاث)!!، وفنّدت في المقال كل المزاعم التي إعتمدها قرار الفصل، ومن ثم إصطحبت وفدا من هؤلاء المفصولين الى مقر مثال الآلوسي (ولم يكن يومها لا عضوا بحزب

المؤتمر ولا مسؤولا في الإجتثاث) ليشرحوا مظلمتهم، ولأبين أنا شهادتي فيهم من أنهم كانوا معارضين ضمنا لنظام صدام وحزبه، وكيف كان بعضهم يمتلك الجرأة ويشتم صدام وحزبه أمامي، فتطوع الآلوسي بالإتصال بأمين مجلس الوزراء في حينه الدكتور خضير عباس إضافة الى بعض زملائه في هيئة الإجتثاث من أجل إستئناف قرار الفصل التعسفي، وهو ما حصل فعلا ونجحت بإعادة معظمهم الى وظائفهم.

أكثر ما يشدك لشخصية السياسي مثال الآلوسي هو وضوحه وصراحته وجرأته اللامحدودة أمام الآخرين وبخاصة خصومه، بل وكثير ما كان يكشف عن الزوايا المظلمة في شخصيات عدد من (المعارضين) الذين قدموا أنفسهم لاحقا كـ (نزيهين وأبطال)، والغريب أني وجدت معظم هؤلاء يخشونه ولا يجرأوا على مواجهته، إبتداء من أياد علاوي وإنتهاء بأصغر معارض، ولو أن هؤلاء الساسة الخصوم للآلوسي قد ظفروا بأي تفصيل أو معلومة تشكك بوطنيته لما تأخروا لحظة واحدة عن التشهير به.

مثال الآلوسي أحد الساسة العراقيين الذين يصح تسميتهم بـ (العصاميين)، وقد أخذ هذه العفة وهذه الصفة عن والده التدريسي الجليل (جمال حسين الآلوسي)، برغم أنه لا يشبه أباه في أمور كثيرة أخرى، فقد إشتهر المربي الأب بهدوئه ودبلوماسيته وسكينته، بعكس الآلوسي الأبن الذي ظل عنفوانيا وثوريا وهجوميا وجريئا، أما عصاميته فيعرفها كل من عرفه منذ مطلع شبابه، فهو من رفض ويرفض رفضا قاطعا قبول أي معونات أو هبات من أي جهة كانت إطلاقا، ويعرف هذا أيضا كل من عايشه خارج العراق، من الذين أغدقت عليهم المخابرات الدولية المال والمساعدات، أما بعد 2003 فكان في متناول يده قبول الهبات التي كانت السفارة الأميركية في بغداد توزعها على القادة السياسيين بسخاء، خصوصا وأنه يحظى بإهتمامها، لكنه كان رافضا تماما أن يكون (صنيعة) أحد بحسب تعبيره!، برغم ظروفه المالية الصعبة التي مرّ بها بعد إغتيال ولديه الوحيدين (أيمن وجمال).

في ذات يوم وكان الآلوسي يخوض غمار الإنتخابات النيابية أسرَّ لي قائلا : لم يبق لديّ ولدى الحزب ولدى أهل بيتي سوى مئة دولار فقط!! ………… (وكنت قد علمتُ قبل هذا بأن أحد الأميركان من أصل عراقي قد عرض عليه التبرع لحزب الأمة العراقية بمبلغ 7 ملايين دولار) ….. فقلت له : لماذا لا تقبل ذلك العرض وأنت بحاجة ماسة للمال؟

فأجابني بالقول : ليس لديّ ما أستقوي به على خصومي سوى تاريخي النظيف، ولو أني قبلت بمثل هذه المعونات لتساويت معهم وإصطففت في طابورهم المخزي !،

….. فقلت له محاججا : ولكن هذا التبرع جاءك من مواطن عراقي ويريد أن يدعم حزبك … فرد عليّ بعصبيته المعهودة : هذه أحد ألاعيب المخابرات الدولية وتريد الإيقاع بي، كيف لك أن تصدق مواطن يتبرع لي بسبعة ملايين دولار؟!!.

وأذكرُ يوم حصل هو على كرسيه النيابي مطلع العام 2006 وإستلم أول مرتب مالي (وكنت موجود في مكتبه مصادفة) طلب من مساعديه أن يختاروا له عشر عوائل فقيرة من مدينة الصدر ليخصص لهم راتبا شهريا يدفعه من جل هذا المرتب!!…. قائلا : هذا الراتب مبالغ فيه (يقصد راتب البرلماني!!!!).

قبل أسابيع إتصلت به هاتفيا وعرضتُ عليه أن يستضيف في مقره بأربيل وليوم واحد خمسة من الكتّاب العراقيين (وبينهم الأديب والأعلامي المعروف أحمد عبد الحسين الذي فاتحته بهذا الأمر)، فأسرني الآلوسي معتذرا بخجل إن ضيافتهم تحتاج الى مال، إبتداء من تذاكر الطائرة الى النزول في الفندق وبما يليق بهم، وليس لديّ نصف هذه التكاليف.

كل مقرات القادة السياسيين والمحافل السياسية العراقية التي صادف أن مرّرت بها (بإستثناء الشيوعية)، كانت طائفية بإمتياز، إلا مثال الآلوسي، وقد جرّبت ذات يوم أن أمرّر عليه معلومة تتناغم وطائفته، فإنفعل بوجهي ورفض طريقتي في الحديث، ولم ألحظ ولا مرة واحدة أنه فكر بطريقة طائفية إطلاقا، بينما كان بقية القادة لا يتأخرون عن الأعلان عن ذلك في مجالسهم الخاصة، ويعدوها واحدة من مقدساتهم.

مثال الالوسي صعب المعشر على من تعوّد على المداهنة والرياء والنفاق والتزلف والمديح والتسويف والوضاعة، لذلك هو غير ودود مع هذه الصنوف البشرية، وما أكثرها في مجتمعنا.

مثال الالوسي واحد من قلة قليلة من الساسة العراقيين، من وجدته يحب وطنه ويعتز بعراقيته حد النخاع، وعنده ليس هناك ارض وشعب أعظم وأنبل وأجمل من ارض وشعب وطنه العراق، وهو بهذا شوفيني بإمتياز.

ولو أن لدى الآلوسي إرتباطات (مشبوهة) مع جهات أجنبية كـإسرائيل (كما يدعي السفهاء)، لكان قد حافظ على أسرارها كما يفعل الجميع، وهذه من أبسط متطلبات وقواعد هذه الإرتباطات، لذلك هو يلتقي مع كل الجهات في العلن، وهو يردد دائما : أني أبحث عما يخدم وطني وعما يدفع عنه الأذى، ولا أخشى في ذلك أحد، ولن أختلي بأحد في السراديب كما يفعل غيري.

أما عيوب مثال الالوسي – وجلّ من لا يخلو من العيوب – فهو عصبي المزاج وغضوب وإنفعالي ويستفز بسرعة، وقد وَضِحَ ذلك كثيرا بعد فقدانه لأبنائه، وهو يعتقد أن الهجوم الدائم على الخصوم أفضل من الدفاع والتروي والمهادنة، لذلك يتطيّر منه البعض ممن تعودوا على المجاملات والدبلوماسية والإسفاف، ولذلك أيضا كثرَ عديد أعداؤه، ونادرا ما يجنح الآلوسي الى المجاملة.

للآلوسي موقف متشدد ومناويء لإقحام الدين في السياسية، ويعد هذا الإقحام سببا رئيسيا وراء إنهيار وتخلف الدولة العراقية.

الآلوسي لا يكره رجال الدين العاملين في السياسة، ولكنه لا يحبهم أبدا، ولم يعجب بأي من رجال الدين، بإستثناء السيد حسين إسماعيل الصدر، فقد خرج من مجلسه في الكاظمية بعد مقابلته قائلا : لو أن كل رجال الدين بمنزلة وعلم وفقه وإعتدال السيد حسين الصدر لكان العراق بخير …. وأضاف : لقد بهرني هذا الرجل.

على من لديه (معلومات) تشكك في وطنية هذا العراقي عليه أن يمتك الشجاعة ويواجهه وجها لوجه، وأنا على إستعداد أن أوصله للآلوسي ويحل عليه ضيفا معززا مكرما، وأنا أتعهد وأتحمل كامل المسؤولية عن ذلك.