أتذكر في إحدى إنتخابات المجلس الوطني العراقي أيام النظام السابق، أني صادفت أحد الناخبين وهو يخرج من محطة الإقتراع، فسألته : إنتخبت من ؟
فأجابني : والله ما أعرف أي مرشح، ولكن وجدت أسم أحدهم (جلوب)، فقلت في نفسي (هذا يبين من أسمه فقير من ربعنا) فأشرت على أسمه !.
ليس غريبا أن نجد السواد الأعظم من المرشحين يدورون على الأحياء الفقيرة ذات الكثافة السكانية طمعا بأصواتهم، وبما أن مجالس هذه الطبقة من السكان أقرب الى الدواوين العشائرية، فإن الحديث والحوار والنقاش سيبتدأ بالسؤال (من يا عمام حضرتك؟)، وعلى المرشح أن يتناغم مع أذهان الحاضرين في حديثه حتى وإن إختلفت مع طروحاته وعقيدته الشخصية، وأكثر المتورطين في هذه الكمائن، هم العلمانيين أو المدنيين أو الليبراليين، أو أولئك الذين يدّعونها، وليس غريبا أيضا أن تجد بعض هؤلاء (اللبراليين) يلهجون ويرطنون بلهجات تتناغم وشكل المجلس، بل ويسبحون ويستشهدون بآيات وأدعية دينية يحيط بها طروحاته الجديدة.
أحد أبناء هذه المجالس تحدث بحضور أحد المرشحين منتقدا مرشحا آخر سبق إن زار مجلسهم بقوله :
(أجانا واحد يتحدث بالثقافة والإقتصاد …. كان كلامه حلو مرتب، بس بصراحة هاي ما تاكل عدنا !!).
فيما قال البعض علنا :
(نريد واحد يخدم المذهب ويحميه !!).
مازال معظم المواطنين العراقيين متوقفين عند حاجاتهم الشخصية البحتة، وإن هو خرج عنها على إستحياء فهو لا يخرج أبعد من تبليط الشارع الذي أمام بيته وما يلحق بها من خدمات أخرى، أما إدارة وطن وإقتصاد بلاد وسياسة دولة فهي أمور لا تعنيه كثيرا، وهذا ما جعل عدد كبير من المرشحين يتناغمون مع هذه الحاجات ويسهبون في الحديث عنها خلال حملاتهم الدعائية في المجالس.
أغلب المرشحين حملوا خطابين، أحدها عام والآخر خاص، فالخطاب العام مفصل على مقاسات الوطن، بهمومه وحاجاته مقدما لها حلولها الإنشائية، ويناصب به الطائفية ومشتقاتها ويحملها مسؤولية تردي أوضاع البلاد والعباد، لكن خطابه الخاص في المجالس التي يزورها يثني على أبناء مذهبه وعشريته وجماعته دون غيرهم!!.
ولابد من التذكير بأن أحد أهم الأسباب التي جعلت البرلماني العراقي منطوٍ على جماعته ومحيطه وقبيلته وأعمامه فقط، هو أن ناخبيه قيدوه بذلك يوم صوتوا له، أما الوطن ومستقبله فهو أمر ثانوي.
(وطننا لا يحتاج الى أكثر من أناشيد وأهازيج وقصائد شعر شعبي تُطنبُ بغرائبه وتنوح على نوائبه) على حد قول أحد الساخرين.
طاب وطنكم.
للحديث بقية باقية …..