لا يخامر احد الشك في ان العرب يمرون اليوم باسوء لحظاتهم التاريخية ، اذ فقدوا كل شيء الا الثروة ، وحتى هذه الثروة مرتهنة لارادة اقوياء يوجهون الحراك العربي في الاتجاه الذي يريدون.
والغريب ان هذا النكوص العربي المريع يصور على انه ربيع ينمو في اجوائه الحرث والنسل ، والاغرب ان العرب يصدقون ، ولكن تصديق العرب الذي يكرسه اعلام حكومي عقيم تفضحه عقد تظهر هنا وهناك ، اهمها عقدة الصغار امام تجربة ايرانية تسحب وراءها ارث من حضارة فارسية سادت المنطقة العربية يوما ما ، وامام تجربة تركية تسحب وراءها ايضا ارث من حضارة عثمانية سادت المنطقة العربية يوما ما ، ولكن تعبير العرب عن عقدتهم هذه ياتي مختلفا على وفق اختلاف التجربتين ، تجربة ايران التي تعبر عن هويتها باستقلال القرار والتمرد على الغرب وتجربة تركيا التي تعبر عن هويتها برقي القرار والانتماء للغرب ، وبغض النظر عن خطا وصواب التجربتين التركية والايرانية ، فللانصاف انهما تجربتان تنمان عن مستوى ثقافي وفكري وسياسي رصين ، فالدولتان دستوريتان ديمقرطيتان منتجتان على هذه المستويات الثلاثة ، الثقافة والفكر والسياسة ، اضافة الى انهما قوتان اقتصاديتان كبيرتان ، اما عسكريا فهما دولتان مرجحتان الى لعب دور المحور الشرق اوسطي ، بتحالف ايران مع روسيا والصين ، وتحالف تركيا مع امريكا ومن يدور في ركابها من الغربيين ، واسرائيل.
العرب على الرغم من تحالفهم مع الغرب الا ان الغرب لا ينظر اليهم الا كمواقع جغرافية حاضنة للقواعد العسكرية ، وامارات نفطية ممولة لتلك القواعد وما تخطط له من حروب في المنطقة ، لاسباب يعرفها الجميع بمن فيهم الحكام العرب الذين تقام القواعد العسكرية الامريكية على اراضي ممالكهم ومشيخاتهم ، اسباب تتلخص في حماية هؤلاء الحكام من شعوبهم ، فهذه الدول التي تعيش حارج التاريخ لا تعرف من ليبرالية العصر السياسية سوى سوى كلمة الحكم بلا تداول ، فهي بين مملكات لا دستورية ومشايخ ما زالت تقبع في الحقبة الاقطاعية التي تجاوزها العالم منذ قرون تديرها عوائل ( اعتذر للغة العربية فقد جمعت عائلة جمع تكسير لاني استكثر على هذه الكائنات جمع المؤنث السالم ) نمت وترعرعت في ظروف الاستعمار الغامضة التي تكشف عن نقابها اليوم بمباركة هذه العوائل الغوائل ، وان الاستعمار الذي انبتها يعرفها جيدا ، بدليل ان تشرشل قطب الدولة الاستعمارية الاعرق عربيا بريطانيا العظمى قال اذا مات العرب ماتت الخيانة ، وهو كلام صادق في جانب وكاذب اشر في جانب اخر ، صادق عندما يتكلم عن العوائل التي يعرفها وكاذب اشر عندما نستحضر عائلات كريمة ما كان ولم يكن لهذا المستعمر ان يعرفها.
ان عقدة العرب امام ايران وتركيا تترجم الى ممارسة تكرس الصغار الذي يكبر في نفوس صغيرة ، والشاهد على هذا ما يحدث في سوريا التي تحترق بالمال العربي في صراع قطباه ايران وتركيا ، وما العرب سوى طائعين يكرسون زعامة هذا الطرف او ذاك ، حتى مرسي الذي كنا نتوهم فيه كبرياء مصر وانفة شعبها ، رايناه يقف صغيرا يقف تحت جناح العثمانيين الجدد ، وكانه وال يقدم اوراق اعتماده للباب العالي ، مصر التي كانت عزاء العرب على مصيبتهم عندما تستحضر المواقف الشجاعة في حرب تشرين وعبور الاسطورة الصهيونية ، اقصد خط بارليف ، يطوح بكبريائها مرسي الذي يطمع في مواجهة التحدي الاكبر الذي يواجهه ، اي الملف الاقتصادي المصري ، مواجهته بالمال القطريى والمساعدات الامريكية للتحول مصر الى استراحة للامراء كما يراد لسوريا ان تباع نساؤها القابعات في مخيمات اللجوء المهينة في تركيا والاردن لامراء الخليج .
عندما بعث محمد صلى الله عليه واله وسلم ، لم يكن العرب على المستوى الذي هم عليه الان من سوء ، بدليل انهم لم يحتملوا اعتداء كالذي صدر عن كسرى يوم داست خيوله ملكا حفظوا له موقفا شريفا ، هو انه رفض ان يرسل نساءهم كجوار الى قصر كسرى ، اقصد النعمان بن المنذر ، فتوحدوا وقاتلوا يوم ذي قار فانتصروا نصرا محمودا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، اذ قال صلى الله عليه واله وسلم ، قوم ظلموا فنصرهم الله.
اليوم يهدم العرب كل ما بناه محمد صلى الله عليه واله وسلم ، جعلهم قطبا يتبع فاصبحوا لواحق تابعين ، ارسى لهم نظام حكم شورى الاسلام ، فصيرو الحكم وراثة وحدهم فتجزاوا ، وسيدهم فاستعبدوا ، بلغهم ان اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا فصيروه حلفاء اقرب مودة ، ماذا ابقى هؤلاء الحكام لمحمد صلى الله عليه واله وسلم ، حتى انهم لم ينتصروا له بكلمة واحدة يوم اساء له سفهاء الغرب حليفهم. اذا بقي العرب تحت وطاة عقدة الصغار هذه فلا استبعد ان يفكر الاسرائيلون حلفاء العثمانيين الجدد بالمدينة المنورة دية لليهود ، وانا على يقين من ان حلم الاسرائيلين هذا سيكون عرابه امير قطر اكبر ، خائن لقومه على مر التاريخ ( كلمة اكبر هنا في الدلالة اللغوية الاقترانية تعني اصغر ) ، ليس قولي هذا انه قول حلفائه الغربيين.