23 ديسمبر، 2024 2:11 م

حق الانسان في التنقل والاقامة

حق الانسان في التنقل والاقامة

 نصت المادة 13 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على حق الانسان في حرية التنقل وحقه في المغادرة والعودة وذلك في فقرتين : ـ 
(( 1 ـ لكل حق في حرية التنقل وفي أختيار محل أقامته داخل حدود الدولة .
2 ـ لكل فرد حق في مغادرة أي بلد ، بما في ذلك بلده ، وفي العودة الى بلده ))
أما المادتين 12 و 13 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية : ـ
(( لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل أقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية أختيار مكان أقامته .
2 ـ لكل فرد حرية مغادرة أي بلد ، بما في ذلك بلده .
3 ـ لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون ، وتكون ضرورية لحماية ألامن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الاداب العامة أو حقوق ألاخرين وحرياتهم وتكون متماشية مع الحقوق الاخرى المعترف بها في هذا العهد .
4 ـ لا يجوز حرمان أحد ، تعسفا ، من حق الدخول الى بلده ))
أما المادة 13 فقد نصت على (( لا يجوز أبعاد الاجنبي المقيم بصفة قانونية في أقليم دولة طرف في هذا العهد ألا تنفيذ لقرار أتخذ وفقا للقانون ، وبعد تمكينه ، ما لم تحتم دواعي ألامن القومي خلاف ذلك ، من عرض ألاسباب المؤيدة لعدم أبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصا لذلك ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم. ))
وكانت المادة 14 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان قد نصت :
(( لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد و
2 ـ لا يمكن التذرع بهذا الحق أذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية أو عن أعمال تناقض مقاصد الامم المتحدة ومبادئ . ))
وهكذا فأن القرأة المتأنية لهذه النصوص جميعيا تشير الى أنها تتحدث عن جملة من الحقوق : ـ
1 ـ حق المواطن والاجنبي ، المقيم بصورة قانونية ، في حرية التنقل داخل الدولة والبقاء فيها .
2 ـ حق المواطن والاجنبي ، المقيم بصورة قانونية ، بمغادرة الدولة أو القدوم أليها وتأخذ كل حق الحقين بالدراسة والتحليل .
أولا ـ الحق في التنقل داخل الدولة والبقاء فيها :
ويطلق على هذا الحق تسميات مختلفه بالاضافة الى التسميات اتي أطلقها عليه الاعلان العالمي أو العهد الدولي كالحق في السفر وحق الغداء والرواح وحق الحركة مثلما أطلقت عليه المادة الخامسة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز العنصري التي ضمنت الحق لكل أنسان دونما تمييز الحق في حرية الحركة والاقامة داخل حدود الدولة وقد أكدت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة على هذا الحق حيث نصت المادة 15 / 4 على على (( تمنح الدول الاطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة ألاشخاص وحرية أختيار محل سكناهم وأقامتهم ويمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من التنقل وهي التنقل البري والبحري والجوي ويبدو التنقل البري أهمها أذ أنه يمكن أن يتم بصوره شتى بالمركبات أو السكك الحديد أو سير على الاقدام والشكل الاخير يمثل الحالة الاكثر تجسيدا لحق الانسان في حرية التنقل أذا أنه مكفول ومتوفر لجميع الناس بغض النظر عن وضعهم المالي وبعكس التنقل الجوي أو البحري اللذان يخضعان لنظام دولي في الغالب ، ومع ذلك ، فالحق في التنقل البري وسير المشاة بالذات هو الاخر خاضع لأدارة الدولة وتعليماتها وقوانينها وأنضمتها وهذا ما قررته الدائرة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية في 6 تشرين الثاني 1925 الذي أكدت بأن تنظيم مرور المشاة لا يعتبر مناقضا للحركة في التنقل ولكن لا يجوز مصادرة هذا الحق أو الحد منه ألا لمصلحة عامة ووفق القوانين واللوائح ومع ذلك أقر مجلس الدولة الفرنسي قرار المحكمة الادارية في ليون القاضي بنقض قرار عمدة المدينة بعدم السماح للباعة المتجولين بمزاولة تنقلاتهم داخل المدينة ألا في يوم واحد وفي مناطق محددة بحجة أحترام متطلبات المرور . ولكن وجد أن الدوافع الحقيقية للقرار هي الحفاظ على مصالح التجار ومن هنا فالقرار يعد مشوبا بانحراف باستخدام السلطة بتحديد حق الانتقال وأن البلدية ملزمة بدفع تعويض قدره ألف فرنك وبناء على ذلك فقد تدخل المشرع الفرنسي في تنظيم ممارسة النشاط المتنقل التي حصرها بالفرنسين أو المقيمين الذين مضى على أقامتهم خمس سنوات وأن يحصلوا على ترخيص المهنة من الجهة ألادارية المختصة  ويلحق بالحق بالتنقل حرية الاقامة أي الحق في أختيار مكان الاقامة فكما يجوز للشخص التنقل داخل أقليم الدولة التي يقيم فيها قانونا ، فله أيضا حق تغيير أقامته وفق ما يرى وأذا أجبر الشخص على الاقامة في منطقة معينة يطلق عليه في هذه الحالة ـ الاقامة الجبرية ـ وهي من التدابير الاحترازية التي تتخذها السلطات الادارية أو السياسية لتنفيذ حرية الاشخاص  وأجراءات منع حق التنقل وتقييده وتحديد ألاقامة نادرا ما تلجأ أليها الادارة في الظروف العادية ، فلا يوجد غالبا مبررا يدفعها كذلك ، أما في الظروف الاستثنائية فأن هذه الظروف قد تجبر الادارة على حرمان الفرد من حق التنقل وتحديد أقامته ، لذلك نجد أن محكمة القضاء الاداري المصري قد حكمت بأن ( أجراء ألاعتقال وتحديد ألاقامة يجب أن لا يلجأ أليها ألا عند الضرورة القصوى التي يستعصي فيها اللجوء الى ألاجراءات العادية لما في ذلك من مساس بالحرية الشخصية وأن يكون ذلك بالقدر الضروري للمحافظة على ألامن كما قضت في حكم أخر أن قرار تحديد ألاقامة يجب أن يكون قائما على سبب صحيح يبرر أصداره ويكون هذا السبب مستمدا من وقائع صحيحة ومنتجة في الدلالة وألا فالقرار يفقد أساسه القانوني وعلى ذلك فأذا ما أستند القرار بتحديد أقامة شخص الى ألامن العام والنظام العام فأنه لكي يكون ذلك سبب جدي يبرر أتخاذ مثل هذا الاجراء المقيد للحرية يجب أن يستمد من وقائع صحيحة منتجة الدلالة على هذا المعنى وأن تكون هذه الوقائع أفعالا معينة ليثبت أرتكاب الشخص لها وترتبط أرتباطا مباشرا بما يراد ألاستدلال عليه بها ، وأن التحريات الادارية لا تصلح سندا لتبرير قرار الاعتقال أو تحديد ألاقامة أذا أقتصرت على ذكر أوصاف وعبارات مرسلة دون تحديد للوقائع التي تفيد خطورة الشخص على ألامن والنظام حتى تستطيع المحكمة فرض رقابتها للتحقيق من قيام السبب لأجراء الضبط   .
 
 ثانيا ـ حق المواطن والاجنبي بمغادرة الدولة أو القدوم أليها .
أذا كان للأنسان الحق بالتنقل داخليا فأن له أيضا الحق بالتنقل في الخارج ولا يجوز تعليق هذا الحق على سبب هذه المغادرة أو على المدة التي يقضيها الفرد بعيدا عنه أو البلد الذي يغادر اليه بما في ذلك هجرته . ويشمل هذا الحق أيضا حق الفرد في الحصول على الاوراق الرسمية أللازمة مثل جواز السفر وكذلك الحق في تحديد مدة صلاحية هذه الاوراق كلما دعت الحاجة الى ذلك وهذا الحق مكفول لكل من يتمتع بجنسية الدولة ، كما أنه مكفول على قدم المساواة بالنسبة للأجانب المتواجدين في الدولة بشكل قانوني وذلك بالرغم من بعض القيود التي تنظم أقامتهم في أقليم الدولة المضيفة بما لا يتعارض مع ألتزامتها الدولية .
وأذا كان الاصل هو حرية المواطن في التنقل فأن للدولة أن تضع قواعد وأجراءات معينة توضح كيفية ممارسة هذا الحق ينبغي الرجوع أليها لممارسة هذا الحق ، فالمحافظة على ألامن العام وسلامة الدولة في داخل والخارج تستلزم تدخل الدولة التشريعي والاداري لتنظيم حق الفرد في التنقل خارج البلاد وهذا لا يخل بمبدأ حق الفرد وبما لا يضر بصالح الجماعة أن مقتضى ذلك وأعمالا لمبدأ سيادة الدولة على أقليمها وعلى رعاياها يكون لها في حالات الضرورة ولاغراض تبرر ذلك وضع قيود على حرية الافراد في التنقل ولها أن تمنعهم من مغادرة أقليمها وذلك بالحدود وبالقدر الضروري اللازم للحفاظ على مصالح المجتمع وسمعتها وأتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع أي أنحراف يهدد كيان الدولة وأمنها الداخلي أو الخارجي ويسيء الى مصالحها السياسية والاقتصادية أو يمس سمعتها ألادبية ومن هذا المنطلق تملك السلطات ألادارية منع الافراد من السفر كلما توفرت بحقهم أسباب كافية لذلك عملا بالسلطة القانونية المخولة لها بمنح جواز السفر أو عدم منحه لمن يطلبه من ألافراد فالواجب أن يكون هدف الادارة هو حماية الصالح العام والدفاع عنه بصفه مستمرة ولذلك نجد أن محكمة القضاء الاداري في مصر تقرر أنه (( أذا كان الثابت أن المدعي سافر ومعه فرقة تمثيلية أساءت الى سمعة مصر في الخارج وفق ما أثبته قنصل مصر العام عند السويد بتقريره ، فأن منعه من السفر الى الخارج مع مثل هذه الفرقة التي تسيء الى سمعة مصر وأمتناع السلطة الادارية عن تجديد جواز سفره يعد تصرفا قانونيا سليما لأغبار عليه لأنه يستند الى وقائع ثابته في الاوراق لا سبيل الى تجاهلها ولا يؤثر في ذلك التعهد الذي قطعه المدعي أخيرا على نفسه بالتفرغ لأعمال التجارة وعدم أستصحاب فرقة أستعراضية معه للخارج مستقبلا ما دام أن القرار المطعون فيه كان وقت صدوره قد أستند الى أسباب قانونية تبرره لكن المحكمة أستدركت بحق الجهات الادارية بأعادة النظر في قرارها وفق ما قدمه من تعهد . كما وجدت المحكمة أن تدخل النائب العام بأصدار قرار بالمنع من السفر بحق شخص جاري التحقيق معه هو أجراء قانوني لا غبار عليه أذ أن التحقيق يستلزم مثوله أمام الجهات ذات العلاقة وهو قرار صادر أستنادا الى الاختصاص المقرر للنيابة العامة بوصفها أمنية على الدعوى العمومية وفي أطار ممارسة أختصاصها القضائي وأن لم يكن هناك نص واضح يمنح هذه الصلاحيات  .
وأذا كان للدولة أن تقوم بمثل هذه الاجراءات تجاه مواطنيها وبخصوص منعهم من السفر فأن المسألة تأخذ بعدا عكسيا تجاه الاجانب المقيمين في أقليمها أذا أنها تملك الحق في أبعاد الاجانب المقيمين في أقليمها وهذا الحق مكفول للدولة وأن لم يرد في المادة 13 من العهد الدولي أو لم يرد في الدستور الداخلي للدولة وأن كان من حق الدولة تقييد سلطتها في أبعاد الاجنبي عبر ما تبرمه من أتفاقيات فأن الاصيل المبعد يملك في مواجهة الدولة ، أذا ما ألتزم بقواعدها وتعاليما تها ، التظلم من قرار الابعاد  .
ولا يمنع منح الاجنبي حق ألاقامة في دولة معينة سلطة تلك الدولة في أبعاده من اقليمها قبل أنتهاء المدة  . لأن حق الدولة في أبعاد ألاجانب حق مطلق  . فالمادة الاولى من الاتفاقية التي تحكم الجوانب المختلفة لمشاكل اللأجئين في أفريقيا والتي دخلت حيزا لتنفيذ في 20 يونيو 1974 . بأنه (( كل شخص يتواجد خارج بلاده خوفا من الاضطهاد بسبب العرق أو الدين أو الجنسية أو بسبب عضوية جماعة أجتماعية معينة أو بسبب الرأي السياسي ويكون غير قادر بسبب هذا الخوف أو غير راغب من الاستفادة من حماية تلك الدولة ، أو من يكون غير قادر ـ بسبب عدم حمله لجنسية ، وكونه خارج دولة أقامته المعتادة السابقة كنتيجة لمثل هذه الاحداث أن يعود إليها )) .
وكذلك أشارت الاتفاقية الى أن مصطلح لأجئ يطلق أيضا على شخص يجبر على ترك محل أقامته المعتادة بسبب اعتداء خارجي ، أو احتلال ، أو همينة أجنبية أو أحد اث تعكر النظام العام بشكل خطير في كل جزء من بلد منشأه أو جنسيته من أجل البحث عن ملجأ في مكان أخر خارج بلد منشأه أو جنسيته .
 وتجدر الاشارة الى أن هناك نصوص في الاتفاقيات الاقليمية تمنع طرد الاجانب بشكل جماعي فهذا الموضوع يتعلق بمجموعة أشخاص وليس شخص واحد ومثال على ذلك أن تقوم الدولة بسحب جنسيتها من الاقليات الموجودة في أقليمها وبذلك يتغير الوضع القانوني لهذه الاقليات ليصبحوا أجانب ثم طردهم بعد ذلك  .
ومن تطبيقات القضاء الاداري المصري لفكرة أبعاد الاجانب ما قضت به المحكمة الادارية في قضية أقامة الاجنبية المتزوجة من مصري من البلاد أذا كان الزوج لم يقصد منه سوى الحصول على أقامة وكان في وجودها ما ينال من أمن المجتمع وسلامته , وقد عدت المحكمة ضبط الاجنبية في قضية مخلة بالشرف وأدراج أسمها على قوائم منع دخولها البلاد وترحيلها وعدم الاستدلال عليها بعنوان زوجها أسباب كافية للابعاد . كما قضت المحكمة الادارية (( بأن السلطات البريطانية لا تملك فرض أقامة المجندين المسرحين بمصر على الحكومة المصرية ، أذ أن هذا من صميم ألاعمال التي تدخل في سيادة الدولة التي لابد من موافقتها ممثلة في وزارة الداخلية على أقامة المجند المسرح  في أراضيها والرأي في فقه القانون الدولي العام أن الدولة أذا سمحت برضائها بناء على أتفاق أو معاهدة للقوات المحارية التابعة لدولة أخرى بالنزول في أراضيها وألاقامة بها بمناسبة نشوب الحرب فأن أقامة أي فرد من أفراد هذه القوات تصبح غير مشروعة أذا أنتهت العمليات الحربية ومضت فتره كافية لترحيل هذه القوات   )). وأذا كانت هذه الاجراءات قد شرعت لأبعاد الاجنبي المقيم أو عدم السماح له بالعودة فأن الوطني لا يمكن أبعاده مطلقا عن بلده ولا يمكن رفض عودته أليها أذا ما غادرها سواء أكانت عودته بمحض أختياره أو رغم عنه