قد قيل الكثير عن موقف الإسلام من المرأة، وانبرى المدافعون عن الإسلام يحاولون إظهاره رافعا لشأن المرأة، مكرّما إياها، ومساويا لها بالرجل، كإنسانة عموما، وكمسلمة أو مؤمنة ومكلَّفة على وجه الخصوص، سواء في الدنيا، أو في الآخرة. بينما ذهب آخرون إلى أن التمييز دنيوي محض، من حيث تنوع الأدوار، مع مساواتها أخرويا في الجزاء، رغم إن هناك ألوانا من الثواب جعلت للرجل خاصة. وراح فريق ثالث من السلفيين المتزمتين يبالغون في الحطّ من قيمة المرأة، كونها عورة، وكونها ناقصة عقل، وناقصة حظ، وناقصة دين، وكونها فتنة، وكونها شرا لا بد منه. وفي دفاعي عن الإسلام أيام كنت داعية إسلاميا، وكنت حائرا أمام كل الحيف الواقع على المرأة عبر تشريعات الإسلام، وكيف أوفق بين هذا الواقع، وحقيقة العدل الإلهي، فاعتبرت، كمحاولة تخريج من هذا المأزق، أن التفضيل الدنيوي للرجل إنما هو امتحان لكل من الرجل والمرأة؛ امتحان للرجل، كم سيتعسّف مستغلا ما منحه الشرع من صلاحيات وامتيازات استغلالا سيئا من جهة، وامتحان للمرأة من جهة في صبرها على تعسف الرجل فيها، وطاعتها له تسليما لأمر الله، فتُثاب أخرويا على صبرها، ويُحاسب هو على سوء استغلاله لما منحه الشرع من أفضلية في الدور، لا في القيمة، بل ولعله يُعاقب على ظلمه، إذا ما مارس الظلم تجاهها. وهناك من ادعى أن الإسلام يقول بالمساواة تماما كالمساواة التي تؤمن به الحداثة، وهذا ما ذهبت إليه في فترة، بناءً على إيماني بالمساواة من جهة، واعتقادي أن الإسلام دين الله من جهة ثانية، وثقتي المطلقة من جهة ثالثة بعدل الله، الذي لا يتحقق إلا بمساواته بين المرأة والرجل. وآخرون – وكنت أيضا من هذا الفريق – آمنوا حقا بحكم عقلانيتهم ونزعتهم الإنسانية بالمساواة من حيث المبدأ، لكنهم حلّوا ما اصطدموا به من أحكام شرعية ونصوص تنقض مبدأ المساواة، بالتفريق بين جوهر الإسلام الذي يفرض المساواة، وشكله التشريعي المتغير بتغير الزمان والمكان الذي يعد التمايز حالة طارئة وموقتة، لحين زوال مبرراتها، فقالوا – وقلت فيمن قالوا – بعدم ثبات الأحكام الشرعية، لاسيما تلك ذات البعد الاجتماعي والسياسي، بل بتحولها حسب ظرفيها الزماني والمكاني، مما يعطي فرصة بإلغاء التمايز تدريجيا، حتى بلوغ مرتبة المساواة. كما كنت أحتمل إن الحيف الواقع على المرأة عبر التشريعات غير العادلة هو من فقه الفقهاء، ولا يمثل تشريع الإسلام، لكني كنت أتساءل عن أسباب اندثار تشريع المساواة، وعدم بقاء أثر له.
ولست هنا بصدد تناول أحكام الفقه الإسلامي، التي يتضح فيها التمييز بين الرجل والمرأة، بتفضيله عليها في العديد من مناحي الحياة الخاصة والعامة، بل أريد في هذا البحث الاقتصار على ما تناول القرآن فيه المرأة، لأؤشر على المواطن التي ساوى بينها والرجل، وتلك التي ميّز بينهما، ففضّله عليها. فهناك إذن نوعان لا ثالث لهما من النصوص القرآنية، النصوص المساوية بينهما، والنصوص المفضِّلة له عليها، وليس هناك من مجموعة ثالثة من نصوص تفضّل المرأة على الرجل.