في الوقت الذي كثر في الحديث والتأويلات والتكهنات خلال الايام والساعات الماضية عن مضامين المبادرة الروسية بخصوص وضع حلول لنهاية الحرب على سورية ،والتي يعتقد البعض انها قد نضجت إلى حد ما ،وتنتظر موافقة القوى الدولية والاقليمية والمحلية عليها ،لخروجها إلى العلن ،لترى النور ،ليصار إلى تطبيق مضامينها على أرض الواقع ،لتكسب المصداقية والواقعية،تزامن هذا الحديث مع مجموعة من التاؤيلات والتكهنات والاحاديث عن مستقبل الرئيس الاسد ،هذا الموضوع بالذات هو ما دفعني للتواصل مع مصدر سوري موثوق ، والذي نفى جملة وتفصيلآ كل هذه الاحاديث التي تتحدث عن طرح رحيل الرئيس الاسد ضمن مسار المبادرة الروسية،وقال بتصريح واضح “الاسد هو الرئيس الشرعي لسورية لغاية انتهاء ولايته الأولى بعام 2021″فالشعب هو من منحه الشرعية بـ3حزيران 2014،والشعب هو الوحيد الذي بمقدوره ان يسحب هذه الشرعية “،وبذات الاطار تحدث هذا المصدر عن بعض المعطيات بخصوص المبادرة الروسية بشقها السياسي ومنها ،تشكيل حكومة تمثل أطياف واسعة من القوى الوطنية السورية،والاستعداد لاجراء انتخابات برلمانية بالربع الثاني من عام 2016،مؤسسات الدولة والجيش العربي السوري خط احمر لايقبل المساس بهيكليتها وبعقيدة الجيش الوطنية والقومية الجامعة بمسار أي أتفاق مستقبلي،وبشق أخر تحدث عن بعض مضامين هذه المبادرة بشقيها السياسي والأمني المحلي والأقليمي والدولي ،وهو ما يتعلق بتشكيل حلف أممي واقليمي لمكافحة ظاهرة تمدد الارهاب بالمنطقة العربية وتمددها إلى مناطق مختلفة بالعالم” .
ومن هنا يمكن قرأة بعض المضامين الرئيسية للمبادرة الروسية ،وأولى هذه المضامين أن الرئيس الاسد شرعيته تستمد من شرعية صناديق 3-حزيران 2014،ولن تسحبها أو تبقيها الا شرعية صناديق 3-حزيران 2021،وثاني هذه المضامين تهيئة الأرضية المناسبة محليآ وأقليميآ ودوليآ لأنجاز أستحقاق تشكيل حكومة سورية جديدة تمثل معظم القوى الوطنية السورية وهذه الحكومة بدورها مطلوب منها تهيئة الأرضية المناسبة لانجاز استحقاق الانتخابات البرلمانية المتوقعة حسب المبادرة الروسية بالربع الثاني من عام 2016،وثالث هذه المضامين هو عدم السماح بالمس بهيكلية المؤسسات الوطنية السياسية والسيادية ضمن مسار أي اتفاق شامل بخصوص وضع حلول لأنهاء الحرب على سورية ،وبالشق الأخر هناك بعض التفاصيل التي مازالت بحاجة إلى توضيح أكثر حول مضامين الحلف الأممي التي تسعى روسيا لتشكيله لمحاربة ظاهرة تمدد الارهاب ،هنا يجدر التنويه ان المبادرة الروسية مازالت حبيسة الادراج والمناقشات والمشاورات والتي لم يظهر للعلن بعد أنه تم التوافق عليها من جميع الاطراف والقوى المعنية بهذه المبادرة .
الدولة السورية ومن وجهة نظر خاصة بكاتب هذه السطور بدورها لاتعول كثيرآ على مسار المبادرة الروسية ،والسبب بذلك ان المبادرة لازالت قيد البحث ولم يتم تفعيلها والتوافق عليها ،ولذلك فالدولة السورية وبالشراكة مع بعض حلفائها تسعى بقدر الممكن والمتاح للتصدي لمسارات وفصول هذه الحرب التي تستهدفها منذ مايزيد على أربعة اعوام ،ولذلك بدأت العمل على مسار متكامل مع شركائها وحلفائها لوضع حد لمسارات هذه الحرب ،وبما أن الحرب أعتمدت منذ بدايتها على مسار العسكرة والضغظ الميداني ،فلا حل لها الا بالميدان ،هكذا يجمع معظم السوريين وحلفاء سورية ،ومن هذا المنطق أجتمع قبل ما يقرب الشهر من اليوم قادة عسكريين سوريين مع قائد فيلق القدس الإيراني الحاج “قاسم سليماني” بمنطقة “سهل الغاب- شمال غرب مدينة حماة ” المحاذية لريف ادلب الشمالي الغربي ،والتي منها قال الحاج سليماني كلمته المشهورة ،التي ارهبت معظم شركاء الحرب على سورية ومضمونها “ان التطورات المقبلة في سورية ستفاجىء العالم”،وهذا ما علق عليه حينها ضابط رفيع بسلاح الجو الصهيوني إلى صحيفة “معاريف” الصهيونية قائلآ ” أن أمرآ تم تحضيره على الأرض السورية بين بشار الاسد وحلفائه، وسيكون خطيرجدا، وأن الجنرال سليماني لا ينشر كلاما في الهواء”،حديث الحاج سليماني أثمر سريعآ فقد تم وضع الخطوط العامة لتأسيس وقيام جسر جوي مباشر بين طهران ودمشق، لنقل معدات عسكرية أيرانية-روسية وهي نوعية إلى جبهات القتال في سورية ،وعلى الجانب الأخر يتم التحضير لتفعيل مسارات “صيغة الدفاع المشترك بين سورية وأيران “،ومن هنا يمكن قرأة ملامح المرحلة المقبلة التي تحضر لها سورية بالشراكة مع حلفائها بما يخص الميدان العسكري السوري .
وهنا لايمكن انكار حقيقة ان الميدان العسكري السوري قد شهد مؤخرآ أنتكاسات عدة للجيش العربي السوري من أدلب شمال غرب سورية إلى درعا جنوب سورية إلى ريف حمص الشرقي بوسط سورية ،ولكن بالفترة الأخيرة لاحظ جميع المتابعين كيف ان غزوة مطار الثعلة بريف السويداء الغربي التي قامت بها مجاميع مسلحة مدعومة من الكيان الصهيوني ،كيف أنها قد قلبت المعادلة بشكل كامل بما يخص مجمل المعادلة الميدانية على الساحة السورية ،وهنا يمكن القول أن مرحلة غزوة مطار الثعلة ليست كما قبل مرحلة غزوة مطار الثعلة وليست كما بعد مرحلة غزوة مطار الثعلة ،فالمتابع لمسار غزوات قطعان المسلحين المدعومين بأجندة «إسرائيلية» ـ أميركية ـ سعودية ـ بريطانية،وخصوصآ لبعض الوحدات العسكرية السورية في ريف درعا الشمالي الشرقي وبعموم محافظات الجنوب السوري ككل ،ضمن معادلة واضحة لاسقاط الجنوب السوري والضغط على دمشق ،وأخرها ما جرى للواء 52،سيقرأ ان هذه المعادلة قد أسقطت بالكامل بعد الصمود السوري المتكامل بصمود الجيش والشعب بمعركة وخندق واحد ،فقد أسقطت مسارات غزوة السويداء ومطار الثعلة كما أسقطت مسارات غزوة القنيطرة وأخر ما أسقط هو مسارات غزوة “عاصفة الجنوب “التي هدفت لأسقاط مدينة درعا ،والتي تكبدت بها المجاميع الغازية وداعميها بتل أبيب والرياض وواشنطن وعمان خسائر فادحة ،وأربكت كل حساباتهم لطبيعة المعركة بعموم الجنوب السوري وتكاليف ومخاطر هذه المعركة عليهم وعلى مجاميعهم المسلحة .
هذه الخسائر التي منيت بها المجاميع المسلحة بالجنوب السوري تزامنت مع الوقت الذي يستكمل فيه الجيش العربي السوري وقوى المقاومة خطط حسم المرحلة الأخيرة من تطهير جانبي الحدود اللبنانية ـ السورية من البؤر الإرهابية المتواجدة في مناطق معينة ومحدّدة في القلمون الشمالي الغربي وجرود عرسال اللبنانية، وعلى الجانب الآخر من عمليات الجيش المستقبلية بالشراكة مع حلفاء سورية يجري وبكلّ هدوء ومن دون أي ضجيج إعلامي التحضير لمعارك تحرير جسر الشغور في ريف إدلب الغربي وخان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، ومناطق أخرى في محافظة إدلب، التي ما زال الجيش السوري يحافظ على تواجد وإنْ كان محدوداً في داخلها، وخصوصاً في ريف إدلب الشمالي وريف إدلب الجنوبي.
يتزامن التحضير لمعركة محافظة إدلب مع التحضير لنقل زخم عمليات الجيش العسكرية من القلمون بعد الانتهاء من حسم معركته إلى محيط العاصمة دمشق بريفيها الشرقي والغربي لحسم جملة معارك في عمق الغوطة الشرقية والغربية لتأمين دمشق من جهة الجنوب، استعداداً لإطلاق المرحلة الثانية من عمليات تحرير بعض المناطق الاستراتيجية في الجنوب السوري، والتي بدأت مطلع شهر شباط الماضي.
ويتزامن التحضير لمجموع هذه المعارك الكبرى مع المعارك الكبرى التي يخوضها الجيش السوري وبحرفية عالية دفاعاً عن مدينة الحسكة شمال شرق سورية، كما يستكمل الجيش السوري اليوم مخططاً محكماً وضعه لتحرير مناطق استراتيجية في مناطق شرق وشمال شرق ريف محافظة حمص، ونجح من خلاله في تحرير وتأمين مرافق اقتصادية ونفطية هامة في عموم هذه المناطق في ريف حمص الشرقي، أما في حلب المدينة فهو يعيد تموضعه في بعض أحياء المدينة،بعد فشل مسارات غزوة حلب التي قادتها المجاميع المسلحة الراديكالية المدعومة من أنقرة والرياض، وعلى ما يبدو أن الجيش يهيّئ الأرضية العسكرية والميدانية لاستكمال مخطط عملياته من جديد للإطباق على بعض الأحياء التي يتحصّن فيها المسلحون، وفي الريف الحلبي هناك أيضاً ضربات محكمة يوجهها الجيش السوري في ريفي حلب الشمالي والشرقي للمجاميع الإرهابية المتصارعة في هذه المناطق، وفي ريف اللاذقية الشمالي هناك عمليات نوعية وخاطفة وضربات محكمة يوجهها إلى التنظيمات المسلحة المتواجدة في بعض بؤر إرهابية مبعثرة في الريف الشمالي، وهذا الأمر ينطبق كذلك على التصدّي لهذه التنظيمات الإرهابية والتقدّم في مناطق الجزيرة ودير الزور.
بألمحصلة يمكن القول ،ان قرأة المشهد الميداني ،ينبئ مستقبلآ بقلب كامل لكامل المعادلة العسكرية والميدانية على الارض السورية لصالح الجيش العربي السوري ،وبعيدآ عن المبادرة الروسية وتفاصيلها ،يمكن القول ان سورية اليوم وبالشراكة مع بعض حلفائها تنتظر أعلان ساعة الصفر ،لانطلاق مشروع سورية الاكبر لتحرير سورية كل سورية من جميع مظاهر التمرد المسلح ،وأيقاف عجلة الفوضى التي بدأت تتمدد داخل الدولة السورية ،ومع علمنا ان هذه المعركة طويلة وتحتاج لتضحيات كبيرة نوعآ ما ،ولكن لابد منها ،هكذا يجمع معظم السوريون ،فهي الخلاص لتحرير وطنهم ،والانتصار على هذه الحرب التي تستهدف سورية كل سورية .
ختاماً، إنّ صمود سورية اليوم عسكرياً، ودعم حلفائها لها عسكريآ و اقتصادياً ، وتوسّع الجيش العربي السوري بعملياته لتحرير الأرض مدعوماً ومسنوداً من قاعدة شعبية تمثل أكثرية الشعب السوري، هذه العوامل بمجموعها ستكون هي الضربة الأولى لإسقاط أهداف ورهانات الشركاء في الهجمة الأخيرة على سورية، وبحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا وبعيدآ عن مضامين المبادرة الروسية ليس أمام الأميركيين وحلفائهم اليوم، ومهما طالت معركتهم وحربهم على سورية، إلا الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهي فشل وهزيمة حربهم على سورية، والمطلوب منهم اليوم هو الاستعداد والتحضير لتحمّل كلّ تداعيات هذه الهزيمة وتأثيرات هذا الفشل عليهم مستقبلاً.