أخذ الصراع الفكري في العراق, يتوسع وتزداد هوته يوماً بعد يوم, نتيجة لتبني أطرافه مواقف متشددة, بناءً على أسس أطروحاتهم, هذا ما جعل الساحة الفكرية تحتقن من جديد, بموضوعات “وجود الله, كيف وجد؟ ما آليات اختيار الأنبياء” وغيرها, مما تبناها الالحاديون سابقاً, بمسمى “الشيوعية”, فيما عاد من جديد بمسمى “المدنية”.
الحديث عن النظرية الإلحاد, لابد أن يناقش تطبيقاتها العملية, وتعاد للذاكرة أمجادها التي يتغنون فيها أنصارها, عبر عقود خلت, كان لرائحة الدم, ولونه الأحمر طعم خاص, بعدما رفعوه شعار, بدون أن يخبروا الذين صفقوا لهم, “بوطن حر وشعب سعيد”, وتسابقوا للانضمام لمنظماتهم “أنصار السلام والسلم والتضامن” بحقيقته, فلم ينتبهوا إن المعنى الحقيقي, للون الاحمر هو “الدم” أو “الموت الأحمر ” القتل.
المدنية سابقاً؛ تدعو لأنكر وجود الله سبحانه وتعالى, وأنكار التعامل مع كل القوى المعنوية, أرجعوا كل الكون الى صيرورات الطبيعة, فاطلقوا الاكاذيب باحترافية عالية, بعيد عن كل الضوابط والقيم والمعايير, رفضوا ممارسة الظلم الاجتماعي الذي يمارس “باسم الدين”, بينما تجاربهم في القرن الماضي عامرة بالدماء, والظلم الاجتماعي, وإنتاج الأنظمة الديكتاتورية, فلم يرسموا السعادة على قلوب المواطنين, بالعكس سلبوها من القلوب.
الهدف الذي جاؤوا فيه لبناء الشخصية الانسانية, هو أبعاد الناس عن الدين, وإباحة المحرمات لهم, مما خلق تفكيكاً للمجتمع, وانحلال لتركيبته الاسرية, حيث يفرغ الانسان من الحالة الروحية, للاستعاضة عن ذلك, بتعاطي المخدرات والمشروبات الروحية, ما جعل المجتمعات تبني نفسها على أساس الصراع والتنافر والحروب, وبذل الاموال الطائلة من أجل التسليح, والسلم لديهم التهريج القائم, بالاعتداء على الاخرين بالسب وتشهير.
المشكلة التي حدثت بالعراق؛ تكمن بالتجربة السياسية الحالية, والتي تصدى لها الشيعة بعنوان الإسلام السياسي, هذا التقديم كواجهات, كان خدعة كبيرة, أنطلت على الكثير, وتم تعويم إخطاء الشخص والشخصين فيها, وتحويلها الى أخطاء المجموع, وحمل هذا على التشييع, رغم أنها صورة خداعة لصورة التشييع الحقيقية, ولا تمثل الحالة الدينية, بقدر تمثيلها للمدنية المتأسلمه, وبشهادات الكثيرة من رموز الاسلام السياسي المدني.
فيما تحدث الإسلام عن التعاون على البر والتقوى, هذا هو مشروعه النظري, فالحضارة الاسلامية؛ بنية على أساس روح التعاون والتكاتف, والثقافة الاسلامية تتحدث عن هدف الارتباط مع قائد الحقيقي للمجتمعات كافة, بناءً على قوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” لذا فالأطروحة الاسلامية؛ ستقدم تطوراً تكنولوجياً بالغاً في التقدم والازدهار, لان المشروع القادم للبشرية لن يكون, الا المشروع الاسلامي الحقيقي.
مما نعتقد فيه جازمين؛ إن الدولة العراقية الجديدة, كانت وما زالت بيد الالحاديون والطائفيون والبعثيون, الذين يمثلون أدواتها الحقيقية, وبأيديهم مقاليد إدارة الدولة العميقة, رغم إقرار التشريعات الجديدة, وإن التوافق على مبدأ “البقاء للأقوى”, جعل الاسلاميون لقمة سائغة للمدنيين, الذين يسيطرون على مؤسسات الدولة, بينما الإسلام السياسي يسيطر شكلياً فقط.