23 ديسمبر، 2024 4:52 ص

حقيقة ألدعوة ” الأسلامية “

حقيقة ألدعوة ” الأسلامية “

نظرة من آلدّاخل:
لا أقول بأنّ دعاة اليوم وجّهوا (طلقة الرّحمة) للدّعوة بعد إستنزافها بدل إستنزاف أنفسهم لله .. بل أقول؛ بأنها عليلٌةٌ و تُصارع الموت.
كما لا يختلف عراقيان بكون (حزب ألدَّعوة) حزب الشهداء و آلمضحيّن ألذّين تقدّموا الجموع لمقارعة النظام الصّدامي الدّموي و صمدوا بوجه التعذيب الوحشيّ و أساليب القهر و الجوع لأبعد الحدود بحيث عجز الجلادون عن إنتزاع كلمة للتأثير على معنوياتهم, و لم يُساوموا إطلاقاً, بل كان من غير الممكن في نهج الحزب ألمساومة مع الظالمين رغم تنازل ألصّداميين لهم أيام ذلّتهم قبيل السقوط بعد تيقّنهم بقرب نهايتهم حيث ردَّ المجاهدون على مندوب صدام (عزة الدّوري) طلبه بالمسامحة و العون في لقاء خاص بإيران قبيل الهجوم الأمريكي بآلقول؛ [نحن لا نثق بكم أيها الجلادون]!

إلّا أنّ الصورة الحقيقية للدّعوة و آلدّعاة من آلداخل رغم كلّ هذا بقيت خافية و مختلفة رغم تظاهرهم بقيادة و صور الصدر و الشهداء, و ما زال النصف الآخر المخفي من القمر غير معلوم حتى للدّعاة أنفسهم, و بما أنّ (الأسلام محفوف بآلمسلمين فأنّ الدّعوة محفوفة بآلدّعاة أيضا) لذلك لا يمكن الأنفكاك بينهما فآلدّعوة عبارة عن منهج حركي و وسائل قابلة للتغيير لتحقيق أهدافٍ مُعيّنةٍ بفعل الدّعاة, و الحال أنّ الهدف المنظور في (مرحليّة الدّعوة) قد إندمج بـ (الحكم الأسلامي) ثمّ مرحلة نشر الأسلام, و لكن لم يُحدَّد ملامح و خصوصيات ذلك الأسلام المنظور الذي ما زال مجهولاً حتى لدى الأحزاب و التنظيمات الأخرى, لذلك وبسبب الأميّة الفكريّة التي رافقت مسيرة الدّعاة لم أتفاجأ حِين قَلَبوا إسم (حزب الدّعوة الأسلامية) إلى (حزب الدّعوة العلمانية) و كذلك تبرير عمليات الفساد المشهورة في أوساطهم و لم تردعهم الخطوط الحمر الباهتة للولاية ودورها في تثبيت آلأصول والأحكام و آلمواقف, لتحصينهم من الوقوع في الفساد و أحضان ولاية المستكبرين الذين أعلنوا الحرب على آلأسلام و المستضعفين في العالم!

هذا رغم إنّ الأسلام الحقيقي واضح و مُبين لأهل القلوب طبعاً .. لا لأهل آلأبدان والعقول المحدودة, حيث بيّنهُ الباري تعالى في نهج القرآن الموضوعيّ و ليس التجزيئيّ مجملاً و كذلك في نهج الرسول و أئمة أهل البيت الموضوعيّ لا التجزيئي مفصلاً, ذلك أنّ التفاسير التجزيئية التي ما زالت فاعلة للثّقلين هي السّبب في تفريق و أنحراف المسلمين و تعميق الطائفيّة و الدكتاتورية و الظلم في أوساطهم بعد ما تمّ تفسير النصوص بحسب هوى المُفسر أو المرجع أو الحاكم و بآلتالي تشويه الأسلام و تغييره لأجل دكاكين و جيوب و مصالح ألرؤساء و الحاكمين و أحزابهم منذ وفاة الرسول و للآن!

هذه المقدمة ألمكثّفة هي عناوين كُليّة لكنها هامّة و أساسيّة لموضوعات مصيرية بحثّتها بعمق بعد ما عشتها بواقعية في دراسات و بحوث و مقالات كثيرة على مستوى العالم, يُمكن مراجعتها لمعرفة الأسلام الذي تشوّه كما اليهودية و المسيحيّة وآلتي سببت كلّ هذه المآسي ليس في بلادنا بل في كلّ العالم, لكن الذي أردتُ التركيز و الجواب عليه في هذا المقال من خلال تلك المقدمة هو آلسّؤآل التالي:
هل (حزب الدّعوة) بعد كلّ الذي كان, بإمكانه تطبيق الأسلام و تحقيق العدالة في العراق أو حتى مدينة صغيرة!؟
الجواب يحتاج لإستقراء دقيق ونظرة ثاقبة لتهج آلدّعوة وأخلاق آلدّعاة من الداخل, للوقوف على الحقيقة الخافية لكن بعد مدخل هامّ؛
منذ أنّ تأسست (الدعوة) عام 1958م لازمتها معظلة أساسية كانت السبب في محنه وتدني شعبيتها كما نشهد اليوم, رغم أن الفيلسوف محمد باقر الصدر هو أوّل من بيّن و حدّد إسم و عمل وهدف الدعوةّ بشكل عام في نشرة خاصّة بعنوان (حول الأسم و العمل التنظيمي) على ما أتذكر, لكنهُ لم يُحدّد التفاصيل فيها أو في النشرات اللاحقة, و الأخطر فقدان الدّعوة إلى ألمنهج الأخلاقي أو تفاصيل و شكل الحكم و الولاية و آلغاية و الأهداف التي تسعى لتحقيقها من وراء الدّعوة لله, فآلصّفة الأسلاميّة التي كانت عنوانها العام هي نفسها بقيت عامّة و مجهولة المعالم لتنعكس سلباً عليهم بعد إستلام السلطة في 2003م, بل (المرحلية) نفسها تصدّعت و تمّ تجاوزها لعوامل خارجية, وتلك الأخطاء الجوهرية لا يتحمل وزرها آلمؤسس (رض) الذي كان وقتها و ليوم شهادته منشغلاً و لوحده في مسائل أكبر بكثير من الدّعوة عبر قيادة الصراع الفكري العالميّ المرير مع نهجين مُعاديين, أحدهما أخطر من الآخر توحّدت في جبهتين لتقويض و محو آلأسلام الحقيقيّ الذي ما زال يجهله الدّعاة حتى هذه اللحظة كما غيرهم في باقي بلدان الأسلام المنكوبة:
النهج الأول؛ كان فلسفياً يُمثل أعداء الدِّين من آلخارج, حاول إثبات الوجود لدحض نظريّاتهم و آرائهم الألحاديّة و سعيهم لفصل آلدِّين عن ألسّياسة.
و النهج الثاني؛ يُمثل بعض مُدَّعي مرجعية الدِّين الذين حاولوا حصر الدِّين ببيوتهم و جدران حوزاتهم, حيث حاول(قدس) معالجة هذا الأتجاه الخطير أيضاً بعرض آلنظام الأقتصاديّ و ألأجتماعيّ و السياسي و التربوي و التكنولوجي و أسس و فلسفة الحكومة الأسلامية آلتي بقيت مجهولة المعالم هي الأخرى بسبب الثقافة المرجعية التقليدية التي حَجّمَت الأسلام كلّه بآلمسائل العبادية الشخصيّة و آلتراكمات التأريخية و آلفقهيّة المتحجّرة التي كانت و ما زالت تزداد يوما بعد آخر, فنتج عن هذا المخاض ولادة نهج حركيّ في الوسط الشيعي العراقي باسم (الدّعوة) مُقتبس من سيرة الرّسول عبر أربعة مراحل[التكوين؛ المواجهة؛ السلطة؛ ثم الدّعوة للأسلام] ولم يختلف هذا النهج كثيراً عن نهج آلأخوان المسلمين الذي سبق الدعوة بآلظهور عام 1932م في مصر على يد حسن البنا, لكنه (قدس) لم يُبيّن تفصيلاً أيّ شكل أو نظام للحكم الأسلامي يقصده, و هذه كانت و لا زالت مشكلة عويصة و محل خلاف حتى بين مراجع الدِّين, بإستثناء ما عرضه من بنود عامّة قبيل شهادته و ختمها ببيان مختصر حول شكل آلحكومة في الجمهورية الأسلامية كجواب على سؤآل من بعض طلاّبه اللبنانيين بعد نجاح الثورة عام 1979م, حيث طُبع في كُرّاس صغير لا يتعدى وريقات أشار بإختصار لكيفية عمل السّلطات الثلاث وموقع و دور (الولي) المرشد في إدارة الدولة, و من جانب آخر لم نلحظ أيّ بحث أخلاقيّ أو تربوي أو عرفاني مُعمّق في ثقافة الدّعوة المحدودة أساساً سوى ما كتبه الشهيد حسين معن عن: [الأعداد الرّوحي] في مؤلف صغير يُفيد ألمؤمنين بمستوى طلاب المتوسطة.

تصوّر إلى أين هبط المستوى الأخلاقي لحزب الدّعوة مع هذا الجّفاف ألرّوحي و الثقافي و آلتّحجر الفكريّ؛ حتى مع وجود الأمام الراحل في أوساطهم لعقدين كان يُقدّم محاضرات معمقة عن الفكر الأسلامي كل يوم في النجف, هذا بجانب صدى نهضته الفكرية المُمتدة لعقود ثُمَّ آلثورة سنة1979م ثمّ تأسيس آلدولة؛ لكن الدّعاة كما غيرهم من العراقيين و بسبب ألتّحجر و الجمود و فقدانهم للبصيرة الأستراتيجية لم يستوعبوا حتى قواعد و أولويات القضية الأسلامية المعاصرة, بل و فوق ذلك؛ فوجئوا بحدوث تلك آلثورة و أسبابها و منطلقاتها رغم أن المؤسس(الصدر) هو الآخر بيّنَ أبعاد و أسباب المحنة في العراق و حقيقة الثورة الأسلامية لهم بعبارات قويّة و بليغة للغاية منها: [لقد حقّقت الثورة رسالة كلّ الأنبياء]و[ذُبوا في الأمام الخميني كما ذاب هو في الأسلام] وغيرها, لكنهم بقوا يجهلون أبعادها ألعقائدية العالمية و جذورها في آلعمق الأسلامي(الثقلين) و بعضهم فسرها بحسب هواه و عقله الصغير!

لهذا نرى تذبذب (الدُّعاة) و هبوط مستواهم الفكري و الأخلاقي في متبنّياتهم و مواقفهم قبل و بعد إستلام الحكم مع المتحاصصين الفاسدين من البعثيين و القومجية و العشائرية بسبب تلك الثقافة السّطحية التي جسّدتها البيانات و النشرات الدّاخلية التي صُدرت بعد 1980 وإلى اليوم, حيث لم تكن ترتقى حتى لمستوى المؤمنين العاديين ناهيك عن الحركيين و قضايا المرحلة, و كانت أقرب إلى تقارير خبرية عن الواقع و لم تعكس فكراً أو فلسفة أو عقيدة حيّة بإستثناء كُتيّب واحد و لبعض الحدود و في جانب واحد من جوانب الأسلام كتبه المرحوم ألسيد (أبو عقيل) بعنوان (القيادة في الأسلام), و في الحقيقة كان ترجمة لما كتبه رواد الثورة الأسلامية كآلخميني في الحكومة الأسلامية و آلمطهري في مؤلفاته و آلشيخ منتظري الذي كتب مُجلّدان كبيران بعنوان(ولاية الفقيه) كما الفيلسوف المطهري الذين جميعهم إستمدوا مصادرهم من أحمد النراقي و السبزواري في كتاب البيع و غيرهما من الذين بحثوا مسألة القيادة في الأسلام تفصيلاً .. بآلأضافة لمؤلفات و خطب آلسيد ألخميني و الخامنئي و آية الله الأبراهيمي و غيرهم من المراجع العظام الذين سبقوا الأخ المرحوم (أبو عقيل) بعقود و قرون من الزمن!

إنّ أهمّ أصل في حركة سياسية علمانية أو دينية أو غيرها؛ هو (الهدف) و آلأصول(ألأخلاقية) التي تُبنى عليها مجمل البرامج و القواعد و الوسائل المعرفيّة و الثقافية و الفكريّة العامّة المتكاملة .. فكلما كانت واضحة و رصينة؛ كان تأثيرها و تحقيقها أسرع و مردودها أكبر بخسائر و جهود و زمن اقل و الحال أن هذا الأمر لم يكن بيّناً و واضحاً ألبتّه للدُّعاة بجانب فقدانهم لحلقة ألأرتباط بحيويّة مع آلسّماء ليكون بمقدور الأعضاء آلمنتمين الذين يتعاهدون للعمل الحركيّ الحزبيّ معرفة الأسس و الوسائل لتحقيق الهدف الأسمى المنشود من خلال ألنّصوص ثمّ آلآليات الشرعية للعمل بثقة عالية و آلسعي و التضحية بأعز ما يملك العضو لتحقيق آلهدف المقدس المنشود للفوز بحُسن العاقبة(النصر أو الشهادة) ضمن منهج التنظيم خصوصا إذا كان الجهاد في أجواء صعبة و خطيرة و مُكهربة للغاية كما كان في العراق, و الحال أنّ تلك الأمور خصوصا (الهدف) لم يكن واضحاً و بقيت مجهولة المعالم للآن! و لو سألتَ آلدّعاة حتى هذا اليوم؛ (ما هو الهدف الذي تؤمنون به و تريدون تحقيقه)؟ لكان جوابهم مشوّشاً و غامضاً و عامّاً و ربما خاطئاً يختزل القضية كلها بكلمة (نريد الأسلام)! و لكن أيّ إسلام؟ هنا بيت القصيد مِمّا يكشف سطحيّة الثقافة و إختلاط الأفكار التي يحملها الدّاعية في عقله!
فكيف يُمكن أن نُغيّر آلشعب و الأمّة مع هذا المستوى الفكريّ و الوضع المأساوي ألذي سبّب بآلفعل نتائج عكسية خطيرة بين الناس!؟

تناقشت مرّة مع المرحوم عزّ الدّين سليم (أبو ياسين) أيّام عملنا في وحدة إعلام المجلس الأعلى لسنوات طويلة بداية الثمانينات؛ حول مسألة التنظيم و الثقافة و المسيرة في الدعوة, و أثبتتُ لهُ عقلاً و شرعاً بأنّ فكر(الدَّعوة) و بعكس ما أُشيع؛ لا يحوي ثقافة رصينة وفكرة متكاملة عن الأسلام, و قدّمت له دراسة مفصلة وقتها كنت قد كتبتها بدمّي و دموعي, و قلت له هذه حصيلة تجربتي و أبحاثي بشأن التنظيم و العمل الحركي في الأسلام, و لمجرّد أنْ قرأ المقدمة و بعض الصّفحات الأخرى رجاني لأُعيره البحث لأيام فقط كي يطلع عليه تفصيلا لأنهُ غنيٌّ و هام للغاية كما قال؛ [قلتُ له هذا طلب كبير و أخاف أن يُفتقد, لذا أنا متردّد بأعطيه .. لأني لا أملك نسخة أخرى و أخاف فقدها و هي أعز ما كتبت بهذا الشأن, لكنه ألحّ عليّ و عاهدني بعد آلقسم بآلله أن يرجعها لي كأمانة في غضون أيام معدودات, قلتُ لهُ؛ طيّب سأعطيكها, لكن تذكر بأنّ هذه النسخة تمثل سنوات عزيزة و عزيزة جداً من عمري .. بشرط أن ترجعها لي و إلا فأني لن أسامحك و سأقاضيك يوم القيامة بثمنها!
قال : لا مانع من ذلك .. إتفقنا!
و سلمته البحث الذي كان يتجاوز المائة صفحة, لكنه للأسف لم يفي بوعده و سأطالبهُ بها يوم القيامة, لأنه كان يمثل إضاآت كثيرة حول آلدعوة و العمل الحزبي في الأسلام , على أي حال .. هذا هو حال الدعوة و الدّعاة كأسوء خلف لأحسن سلف للأسف.

و لعلّ أهمّ و أعقد الأسباب التي أدّت لخسارة الكثير من آلدُّعاة ألمثقفين نسبياً و إنشقاقهم أيّام الدكتاتوريّة بعد سوقهم من بيوتهم و محلّاتهم و دوائرهم للسجون من قبل الأمن و المخابرات من دون إرتكاب خطأ أو جرم أو تقديم خدمة معينة يستحق ذلك؛ هو عدم وضوح تلك الأصول مع(ألهدف) الذي ما زال مجهولاً أو معلّقاً و كأنّهُ أهمل للأبد, هذا بجانب أسباب أخرى أضيفت لذلك بعد إسقاط صدام من قبل الأمريكان, منها؛ إنشغالهم بآلسّلطة و الحكم تحت ظل المستكبرين لأجل الأموال و الرّواتب و كأنّ الغاية من التنظيم الحزبي كلّه .. هو إستلام الحكم كفرصة لكسب المال و ضرب (ضربة العمر) كما يقول المثل العراقي, و علّة العلل في كلّ هذا التحجيم و الأنحراف الخطير الذي تسبّب بهدر حرمة دماء الشهداء وجهود العاملين؛ هو إفتقار الدّعوة و آلدّعاة للعلماء و للمفكريين الحقيقيين و كذلك عدم إنفتاحهم على أفكار العلماء و الفلاسفة الآخرين ألّذين قدّموا نتاجا فكرياً ثريّاً للأنسانيّة كان يمكن الأستفادة منه و إستثماره بصدق بعد الأعتراف بفضل أصحابها بذكرهم و إحترامهم على الأقل, لكن آلذي لاحظته و كان يحدث على الدوام و لحد هذه اللحظة, هو حالة التكبر على العلم و الفكر و تجاهل حرمة و حقوق المفكرين فلو كنت مثلا تُقدّم لهم فكرة أو نهج إقتصادي أو فلسفي أو خطة ستراتيجية أو حتى نظريّة هامّة عن مفكّرٍ أو عالمٍ أو فيلسوفٍ, كان أوّل تعليقهم هو: (نعرف ذلك من قبل)وعندما كنت تريد نقاشه ؛ كان يتعصب و يثور! و لذلك و بسبب هذا آلجّهل و التكبر و الأنغلاق و هبوط المستوى الفكري و آلأخلاقي و العقائدي للمُتصدّين في الحزب؛ فقد تسبّبوا في خسارة الدّعوة و الدّعاة و حتى حرمة الشهداء معاً بآلأضافة إلى خسارة آلشعب الذي كان يهوى الدّعوة في السابق و يحترمها لسمعتها و تأريخها, كل هذا مقابل أرباح آنية لجيوب الرؤوساء ثم الأعضاء, و إنّ آلدُّعاة الحقيقيين الذين إمتحن الله قلوبهم و الذين تحسسوا هذه المحنة الفكريّة في القيادات الغير الكفوءة بعد الثورة الأسلاميّة قد أنسحبوا بعد هزّات و مؤثرات خارجية غيّرت معالم و شخصية و حتى عنوان الدّعوة و مكانتها في قلوب الجماهير, لتتوالى الأنقسامات و حالة التشرذم في أوساطهم خصوصا ًبعد ما حذفوا فقيه الدّعوة(السيد الحائري) من الهرم التنظيمي بآلأضافة لحذف مجلس الفقهاء كليّةً تاركين الأمور للدّعاة الذين أكثرهم و لحد الآن لا يعرف (الخرطات التسعة) ناهيك عن تأريخ و أبجديات الفكر الأسلامي في إنتخاب الموقف الأمثل قبال الأحداث عند تعارض الأدلة الشرعيّة من فقيه لآخر مع قرارات الحزب, و كان هذا الوضع هو قمّة الفلتان و الفوضى الفكريّة و التنظيمية و السقوط الأخلاقي و العقادي و التنظيمي و آلأداري الذي خلخل كيان و هيكلية الدّعوة والدّعاة معاً وأدّت في النهاية إلى خسارة ألحكم تقريباً في العراق الجديد و فقدان شعبية الدّعوة بسبب تصرفات دعاة السلطة المفلسين فكرياً و أخلاقياً من الذين تسبّبوا هضم حقوق الناس لتزداد وتتراكم المصائب و السلبيات و الشهداء و المآسي التي طفت على السطح بقوة بعد 2003م: لأنّ الشهداء و وإخوتهم الذين تركوا التنظيم كانوا بمثابة الخميرة و ألذخيرة الضامنة لسلامة المسيرة و تقويمها ثمّ ترجمتها عملياً عبر حكم العراق الذي خُلي اليوم من الطيّبين و المجاهدين الحقيقيين و كما شهد الواعون على قلتهم و إنزوائهم ذلك, حيث حلّ بدلهم (دعاة اليوم) الذين أفسدوا أو كانوا فاسدين ثمّ أصبحوا بشكل طبيعي رموزاً للفساد بلا حياء للأسف و سبباً لذهاب حرمة و كرامة دماء الشهداء العظام الذين سيق بهم للموت من قبل الصداميين أفراداً و جماعات لمجرد أنهم كانوا مؤمنين بالله بصدق لا أكثر!

من المواقف الظالمة التي شهدتها شخصياً بعد هجرتي من العراق عام 1980م؛ هو أنّ الدّاعية الحقيقيّ عندما كان يُريد قطع إرتباطه بآلحزب بعد ما كان ييأس من آلأصلاح و تغيير الوجوة الكالحة لأقلمتهم مع نهج الأسلام و الثورة الأسلاميّة التي أوصى بها مؤسس الدّعوة(الصدر) نفسه كوصية أخيرة .. شاهدتُ و للأسف و بَدَلَ أن يُنصتوا لكلمة الحق أو يدرسوا أسباب الأنسحابات و الأستقالات؛ كانوا يمقتونه يتهمونه و يُكفّرونه حدّ إقامة المحاكم و الأستجوابات بحقّه, و لو كانت(القيادة) تٌحاول تفهّم و وعي أسباب الأنشقاقات و الأستقالات على الأقل؛ لما كانت الدّعوة تواجه آليوم كل هذا الفساد و هذا آلمصير المحزن و المأساوي, حيث لم يبقى فيها سوى النّفعيّ والطفيلي من الذين (تعرّبوا بعد آلهجرة) بعد ما ماتت ضمائرهم ليعلنوا أخيراً و بفخر بأنّ (حزب الدعوة الأسلامية) قد تبدّل لـ(حزب الدّعوة العلمانيّة) بل أصبح شريكاً للظالمين, و هكذا وبعد إنتشار فساد الدّعاة بين الناس و كأنه ثقافة متأصلة بهم, أعلنوا في الوقت الضائع مع قرب الانتخابات التي ستجرى بعد شهرين؛ بأنّ [“آلدّعاة” ليس لهم الحقّ بترشيح أنفسهم باسم الدّعوة و إنما كاشخاص يُمثلون أنفسهم لحفظ ما بقي من إعتبار للدّعوة بعد أن أستهلكوه و سوّدوا وجهها لمنافع مالية خاصة و أهداف ضيّقة]! و إن هذا الترقيع أو غيرها من التراقيع لا تُجدي شيئاً بعد خراب البلاد والعباد و سرقة أموال العراق على مدى 15 عاماً؟

إن الذي أراه ؛ هو أنّ (دعاة السّلطة) و مَنْ تعلّق بهم من آلجهلاء و المنافقين لأجل المال و المنصب و آلشهرة لا لأجل لله تعالى؛
قد وجّهوا طلقة ألرّحمة لرأس حزب الدّعوة الذي يمرّ بغيبوبة كاملة لكنهُ ما زال يحتضر في غرف الأنعاش اللاإسلامية وحيداً و لا تَنفع التراقيع و العمليات الجانبية – المقطعية لأن الإصابة خطيرة و في صمصم المخ و سيطول وقوف الفاعليين الممسوخين أمام الله و الشهداء الذين ضحوا لأجل نشر (العدالة و آلمساواة) وصولاً (للسعادة) لتوحيد الله في دولة كريمة لا لأجل نهب المال العام وسط شعب مغضوبٌ عليه من السّماء و الأرض بسبب الذنوب و الفوضى العقائدية, و لا أمل في ردّ الأعتبار للحزب ثانية و كما كان قبل 2003م إلا إذا ما أعلن الدّعاة توبتهم بشجاعة .. ثمّ إرجاع المليارات التي نهبوها لأجل قصورهم و ذويهم للفقراء لإعمار و إصلاح الأمور و تشكيل حكومة عادلة يتساوى بظلّها الجميع في الحقوق و الأمتيازات بعيداً عن هيمنة المستكبرين .. و(آلمُلك يومئذٍ لله يحكم بينهم فآلذين آمنوا وعملوا الصّالحات في جنات آلنعيم وآلذين كفروا و كذبوا بآياتنا فأؤلئك لهم عذاب مهين) صدق الله العلي العظيم.