يعتبر تغير المناخ من أحد التحديات الرئيسية في عصرنا، حيث يضيف ضغطا كبيرا على مجتمعاتنا وعلى البيئة. فالآثار العالمية لتغير المناخ هي واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، حيث يمثل ارتفاع درجات الحرارة تهديدا خطيرا لثلوج المنطقة القطبية وبالتالي ارتفاع منسوب مياه البحار وكذلك تأثيرها المباشر على حياة وصحة الكائنات الحية وتهديد الامن الغذائي والمائي نتيجة لكثرة التعرض لموجات الجفاف. إن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة ومكلفا في المستقبل إذا لم يتم القيام باتخاذ إجراءات جذرية الآن.
فلقد أدى التوجه نحو تطوير الصناعة في الأعوام الـ 150 المنصرمة الى استخراج وحرق مليارات الاطنان من الموارد الاحفورية، والتي بدورها تقوم بإطلاق غازات تحبس الحرارة كغاز ثاني أوكسيد الكربون وغاز الميثان وغيرهما، وهي من اهم أسباب تغير المناخ، وتشير بعض الدراسات الى ان كميات هذه الغازات تمكنت من رفع درجة حرارة كوكب الأرض الى (0.85) درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، رغم وجود دراسات اخرى تؤكد ان مستوى الارتفاع اعلى من هذا الرقم وقد يصل الى (1.4) درجة مئوية.
ان قيام الثورة الصناعية قد أدى الى إحداث تغييرات واضحة على البيئة مما أثر على مستقبل الجنس البشري والكائنات الحية الأخرى، وخلال قرون طويلة مضت قبل قيام الثورة الصناعية، عاش الانسان بوئام وتناغم مع المصادر الطبيعية للأرض، ولكن حالة الوئام تلك ما لبثت ان انتهت وتلاشت بسبب قيام المدن ونشوء مجتمعات تعتمد على الزراعة المكثفة التي تحقق فائض في الإنتاج، كما ان زيادة عدد السكان أدت بدورها الى التوسع في الإنتاج وبلوغه مرحلة التصنيع.
وتلك الأمور بمجملها أدت الى تغير شعور الانسان تجاه الطبيعة والبيئة المحيطة، فأصبح مالكا لها مسيطرا عليها ويتحكم فيها ويستغلها بطريقة غير متوازنة، متماديا في حقه باستغلال الثروات الطبيعية، متناسيا واجبه تجاه الأجيال اللاحقة بعدم المساس بحقهم في تلك الثروات، وبذلك أخلّ بمفهوم التنمية المستدامة بطبيعة الحال، إذ يشكل تغير المناخ تهديداً للتنمية المستدامة بل إنه يشكل في بعض الحالات تهديداً لبقاء البشرية. فهو قد يؤدي إلى تفاقم المجاعة والاضطرابات السياسية والنزاعات حول الموارد، كما أن له آثاراً غير متناسبة على النساء والفقراء والشعوب الأصلية والفلاحين التقليديين والمجتمعات الساحلية والمهاجرين. فقد ناقش مجلس حقوق الانسان في دورته التاسعة والعشرين التي عقدت في جنيف في شهر حزيران 2015 مواضيع محددة ذات صلة بحقوق الإنسان وتغير المناخ، وقد اصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريراً الى الدورة الـ ٢٩ يقدم مجموعة من التوصيات المتعلقة بهذا الموضوع، ابرزها التدابير وأفضل الممارسات في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان، التي يمكن أن تعتمدها الدول في التصدي للآثار الضارة لتغير المناخ على التمتع الكامل والفعلي بحقوق الإنسان. كما طالب خبراء ومقررون أمميون في مجال حقوق الإنسان الأحد 5|11|2017 عشية انعقاد مؤتمر المناخ23 في بون، بضرورة أن تكون حقوق الإنسان عنصرا أساسيا وفى صدارة تطبيق اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، داعين إلى عقد مؤتمر دولي كبير لهذا الغرض.
وقال الخبراء : إن المبادئ التوجيهية لاتفاق باريس للمناخ 21 ينبغي أن تركز أيضا على التنمية المستدامة وأن يركز مؤتمر بون على المبادئ التوجيهية لكيفية تنفيذ اتفاق باريس.
وأكدوا على أن اتفاق باريس يعد اعترافا عالميا هاما بالأثار المدمرة لتغير المناخ على حقوق الإنسان وعلى الأهمية الأساسية لحقوق الإنسان في مواجهة هذا التحدي العالمي، مطالبين بضرورة أن يتم تحويل هذا الاعتراف إلى خطوات للأمام لتنفيذ الخطة وخلق مستقبل مشترك ومستدام وأن يتعاون الجميع معا من حكومات ومنظمات مجتمع مدنى ومجتمعات محلية وأفراد لتحقيق هذا الهدف.
وكما هو معلوم فسوف يبحث مؤتمر بون في إجراءات تمويل خطوات عمل تنفيذ اتفاقية باريس وبما يمكن البلدان من التعاون والتكيف وبناء القدرة على التكيف وتهيئة بيئة مؤاتية للتنمية المستدامة.
وطالب كل من جون نوكس المقرر الخاص المعنى بمسألة التزامات حقوق الإنسان المتعلقة ببيئة آمنة ونظيفة وصحية ومستدامة وليلاني فرحا المقررة الخاصة المعنية بالحق في سكن ملائم وأوبيورا أوكافور الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان والتضامن الدولي و فيليب موراليس المقرر الخاص المعنى بحقوق الإنسان للمهاجرين إضافة إلى سعد الفرارجي المقرر الخاص المعني بالحق في التنمية بضرورة أن تكون احتياجات أشد الفئات ضعفا دائما في طليعة التدابير التي تتخذ في إطار تمويل المناخ والتكيف والوقاية والقدرة على الصمود، داعين المجتمع الدولي إلى الإيفاء بالتزاماته بالتعاون عبر الحدود وتعبئة جميع الموارد المتاحة لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تدريجيا والنهوض بالحقوق المدنية والسياسية والحق في التنمية.
وتتمثل حقوق الانسان المهدورة في ظل التغيرات المناخية بالتهديد المباشر لأمن وسلامة العديد من الشعوب حول العالم بسبب الكوارث الطبيعية كالفيضانات والاعاصير وموجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه مما يضطرهم الى فقدان حقهم في السكن الآمن والموارد الطبيعية المتاحة وتعرض صحتهم للأوبئة والامراض، ومن اكثر شرائح المجتمع هشاشة وتعرضا للأذى وضياع الحقوق هي شريحة النساء والاطفال لضعفهم في القدرة على التكيف مع الظروف غير الطبيعة.
وضمن إطار الحديث عن حقوق الانسان تجدر الاشارة الى حقوق المدافعين عن البيئة، فقد شهدت اروقة مؤتمر بون 23 للمناخ العديد من الندوات التي اقامتها المنظمات البيئية والحقوقية العالمية والتي اكدوا فيها على اهمية الدفاع عن حقوق المدافعين عن البيئة حول العالم، وتقدر المنظمة غير الحكومية الشاهد العالمي أن أكثر من 900 شخص ماتوا خلال العقد الماضي وهم يدافعون عن الحقوق البيئية والحقوق في الأراضي. وتقول منظمة الشاهد العالمي إنه، في عام 2012 وحده، قُتل 147 مدافعاً، وهم أكثر من الذين قُتلوا في الأعوام العشرة السابقة، فيبدو ان هذه الارقام في تزايد وهو امر يدعو للقلق، فكيف ستؤثر تلك الاعتداءات والمضايقات على عمل المدافعين عن البيئة وهل ستحد من وتيرة الجهود الرامية باتجاه الدفاع عن البيئة.
من جانبٍ آخر، فقد ذكر تقرير صادر عن البنك الدولي اواخر العام 2014 يجزم فيه أن نتائج تغير المناخ ستكون “كارثية” على منطقة شرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ إن بعض الدول العربية ستسجل أعلى مستوى زيادة في ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة، وسيزداد عدد الأيام الحارة إلى 126 و132 يوماً في السنة على التوالي، وهذا ما سيجعل فصل الصيف طويلاً وحاراً للغاية. فقد شهد العراق ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة خلال فصل الصيف مما دعا الحكومة العراقية الى تعطيل الدوام الرسمي في كل انحاء البلاد.
وفي هذا اشارة واضحة الى ان شعوب الشرق الاوسط ينتظرهم خطر محدق اسوة بشعوب الدول الجزرية والدول الفقيرة حول العالم، فكيف سيكون حجم التأثير على حقوق الانسان جراء التغيرات المناخية على بلدان يعاني شعوبها اصلا من ضياعٍ في الحقوق والحريات، وهل بالإمكان ايضا التكيف والصمود مع تلك التحديات الثقيلة؟ وهل سيدعم المجتمع الدولي تطلعات الشعوب الفقيرة بالحصول على حياة هنيئة وآمنة مع حفظ للحقوق والكرامات؟!.
ومن الجدير بالذكر ان ندرة الموارد البيئية الناتجة عن التغيرات المناخية قد تدفع بالعالم الى مزيد من الصراعات على الموارد الطبيعية، حيث شهدت الفترة من 1990 ولغاية العام 2003 حوالي 18 نزاعا ربما يكون التغير المناخي وقلة الموارد ضمن أسبابها.
فكلما بادرنا اليوم وضاعفنا جهودنا للتخفيف من حدة التغيرات في الوقت الحاضر سنقلل من كلفة التكيف معها في المستقبل.