22 نوفمبر، 2024 11:01 م
Search
Close this search box.

حقوق الانسان في ظل العولمة

حقوق الانسان في ظل العولمة

تعد العولمة منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية نتيجة بارزة لتخطيط القادة السياسيين الهادف إلى إزالة الحدود التي تعرقل التجارة بين الدول سعيًا وراء زيادة معدلات الرخاء الاقتصادي واعتماد الدول على بعضها البعض؛ وبذلك تقل فرصة وقوع أي حروب في المستقبل. وقد أدت مساعي هؤلاء القادة السياسيين إلى عقد مؤتمر بريتون وودز والتوصل إلى اتفاقية ( لقد تأسست اتفاقية بريتون وودز سنة 1944وقد ثبّبت سعر الدولار مقابل العملات الاجنبية)من قبل الساسة البارزين في العالم لوضع إطار محدد بالنسبة للشؤون المالية والتجارية الدولية وتأسيس العديد من المؤسسات الدولية للإشراف على تطبيق العولمة كما يجب. وتتضمن هذه المؤسسات الدولية البنك الدولي للإنشاء والتعمير (المعروف اختصارًا باسم البنك الدولي) وصندوق النقد الدولي. وقد تم تسهيل تطبيق العولمة بالاستعانة بما تم التوصل إليه من تقدم تكنولوجي، والذي عمل على تقليل تكاليف التجارة والجولات الخاصة بمفاوضات التجارة تحت رعاية الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الغات)، والتي أدت إلى التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات لإزالة الحواجز والمعوقات المفروضة على التجارة الحرة. بالمقابل، يتجه العالم المعاصر نحو مرحلة متقدمة جدًا من العولمة الشاملة، التي تؤسس لثقافة كونية تتجاوز كل الحدود الجغرافية. ولم يعد بمقدور المثقف العربي أن يبقى أسير ثقافات محلية ضيقة بعد أن تداخلت في وعيه جميع الثقافات بشكل لا مثيل له في السابق. وينمو الآن جيل جديد من المثقفين العرب الذين يتشكل وعيهم اليومي عن طريق مقولات الثقافة الاستهلاكية لعصر العولمة. وتكمن معضلة الثقافة العربية في مطلع القرن الحادي والعشرين في انعدام حرية الرأي والتعبير، وغلبة الكمي على النوعي، وهيمنة ثقافة التبرير على ثقافة التغيير. وهناك شريحة واسعة من المثقفين العرب تخشى مخاطر الانتماء إلى الثقافة النقدية التي تعرّضها للقمع والاضطهاد.نتيجة لذلك، قاد عجز المؤسسات الثقافية العربية عن القيام بدورها في استقطاب النخب الجديدة من ذوي الطاقات الإبداعية المتميزة لدى النخب الشابة، إلى تهميشها داخل أوطانها مما دفعها إلى اتخاذ مواقف سلبية متشنجة ضد الدولة الاستبدادية العربية ومؤسساتها الثقافية. وأصيبت النخب العربية بالإحباط على المستوى الشخصي، ومنهم من فضّل طريق الهجرة للاستقرار في الخارج. ومع استفحال ظاهرة النزوح الكثيف للمبدعين العرب الشباب تتضاءل الفرص العملية للحوار الثقافي بين العرب أنفسهم ومع مثقفي العالم. وفقد النظام العربي القدرة على توليد مشروع نهضوي جديد يعيد للعرب موقعهم المفقود في الإبداع الثقافي على المستويين المحلي والعالمي.
والعولمة الثقافية هي فرض ثقافة الأمة القوية الغالبة، على الأمم الضعيفة المغلوبة. فهي تعمل على صياغة ثقافة كونية شاملة تغطي مختلف جوانب النشاط الإنساني لتحل محل ثقافات الأمم الأخرى وتلغي خصوصيتها الثقافية. الأمم التي تفرض ثقافاتها في ظل العولمة إنما تفعل ذلك من خلال نوعية أفرادها، حيث يكونون أكثر فاعلية وأحسن أداء وتنظيماً، ولديهم من روح المثابرة والجد ما ليس عند غيرهم.
و هناك مشكلة تواجه التيار الطامح الى تعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان الذي اتت به رياح العولمة ، وهو أنّ النظام الدولي القائم حالياً ليس نظاماً ديمقراطياً حيث توجد فيه دولة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تفرض قوانينها ونمط استهلاكها وثقافتها على العالم أجمع فظهرت المعايير المزدوجة والانتقائية في مواجهة قضايا حقوق الإنسان أو المشاكل الإنسانية. ويظهر ذلك جلياً في فرض الحصار على شعوب ودول كاملة واستمرار هذه السياسة رغم ما تشكله من انتهاك جسيم لحقوق الشعوب المحاصرة في الحياة والذي يصل إلى ما يمكن اعتباره جريمة إبادة الجنس.وفي نفس الوقت تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الامن الى مئات المرات حتى الآن لحماية إسرائيل من أي قرار يدينها أو يوقع عليها عقوبة نتيجة أعمالها الوحشية ومذابحها ضد الشعب الفلسطيني العربي من دير ياسين إلى مذبحة قانا مروراً بتهجير شعب فلسطين إلى الشتات وحرق قُراه واستمرار احتلال الأراضي العربية، وإطلاق التهديدات التي تفضح سياستها العنصرية مثل التهديد بقتل الأطفال وحرق التراب في غزة وجنوب لبنان.
إذا كنا نريد بالفعل أن تكون العولمة لصالح البشر حقيقة ينبغي أن تُتَّخذ حقوق الإنسان لتكون المؤشر الرئيسي لتوجيه مسار العولمة، ولا شك أن أخطر ما يواجه البشرية في مجال العولمة هو النظر لهذه العولمة على أنها عولمة اقتصادية فقط دون بعدها الإنساني. فلا يُمْكن قبول فكرة هيمنة الأسواق على عملية العولمة ليكون الربح وحده هو اساسها في غياب الاعتبارات الإنسانية وحقوق الإنسان، كما أنه لا يُمْكن أيضاً قبول فكرة استخدام علاقات القوة السياسية لفتح الاسواق قسراً. فالأوربيون والأمريكيون – على سبيل المثال _ يدعمون الزراعة في بلادهم، ولكنهم لا يترددون في تفكيك زراعة الدول الأخرى من خلال ضغط السوق المفتوحة مما يزيد من تبعية هذه الدول ويُؤثر بالتالي على حقوق هذه الشعوب ومعاناتها.
بما أن أهم حقوق الإنسان على الإطلاق والتي يوليها المهتمون أولوية كبرى هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبما أن الوضع هو على ما أشرنا إليه من قبل، ناهيك عن غياب إرادات الحكومات العربية في تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للرأسمال القومي، فهل وعينا فعلا التكلفة المرتفعة التي يقتضيها تطبيق هذه الحقوق؟ فلا بد من النظر إلى أن تكلفة الحقوق السياسية والديمقراطية،أرخص ثمنا بالمقارنة مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية نظرا لانخفاض كلفة تطبيقها ومحدودية تجهيزاتها: صناديق الاقتراع وأوراق الاقتراع وتحديد الهويات، مؤسسات محلية ووطنية وأجور البرلمانيين .
ولقد أدركت بعض الدول خطورة الآثار الثقافية للعولمة في بلدانها، ومن هذه الدول فرنسا، فوزير العدل الفرنسي السابق جاك كوبون يقول: “إن الإنترنت بالوضع الحالي شكلٌ جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر، وهناك إجماع فرنسي على اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة لحماية اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية من التأثير الأمريكي”، بل إن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عارض قيام مطعم ماكدونالدز، والذي يقدم الوجبات الأمريكية، مسوغًا ذلك أن يبقى برج إيفل منفردًا بنمط العيش الفرنسي.
وسائل العولمة في مجال الإعلام والاتصالات – وخاصة الأقمار الصناعية – التي تدور حول العالم في كل لحظة، وتتسلل إلى البيوت على وجه الأرض كلها، دون استئذان، وتلعب بشخصية الأفراد والأمم جميعًا .

أحدث المقالات