23 نوفمبر، 2024 7:31 ص
Search
Close this search box.

حقوق الانسان في روايات عبد الرحمن منيف

حقوق الانسان في روايات عبد الرحمن منيف

تهدف هذه الدراسة التي نحن بصدد مراجعتها الى تسليط الضوء على حقوق الانسان في الوطن العربي ورصد دور الانظمة العربية في تطبيقها من عدمه، وذلك من خلال روايات عبد الرحمن منيف التي تتبعت معاناة الانسان العربي في ظل انتهاك حقوقه واساليب القهر التي تمارس في حقه، وتقدم دلائل علمية تظهر اساليب الالتفاف عليها والاستفادة منها بغية تطويعها للمصالح الشخصية او لتغطية مشاريع كبرى وفق قوانين محلية متخلفة ومجحفة بكافة الحقوق الانسانية.
ولعل المنهج الموضوعاتي الذي انتهجته المؤلفة هو ما ناسب هذه الدراسة، اذ انه استفاد من مناهج ادبية عديدة، كالبنيوية ومنهج التحليل النفسي الذي هو مجموعة من التراكيب اللغوية والمشاعر والانفعالات يقوم على علاقة جدلية بحدس كل كاتب، يوقظنا على جمالية النصوص ويساعد في قراءتها قراءة متأنية. ويمكننا من مشاركة الكاتب ابداعه، ثم يترك لنا الاشياء تفصح عن نفسها بنفسها.
ما كتبه منيف قد يكون مرآة تعكس الحياة العربية بكل مقوماتها، ويعطينا صورة واضحة عنها، وذلك حين يتناول علاقات البشر فيما بينهم، ويتطرق الى اوضاعهم الاجتماعية والثقافية والسياسية.
في روايات منيف، انظمة دستورية، ومجتمع منهك.. فهل نجح في تناول هذه القضايا في ضوء شرعية حقوق الانسان الدولية ام اخفق؟ والى اي حد كان محايداً؟ وما هي المقومات التي انطلق منها؟ وهل حصل الانسان العربي على حقوقه ام انها انتهكت بشكل كامل؟
ان عمل المؤلفة في كتابها هذا، هو رصد الحقوق المنتهكة التي رمى اليها منيف، من خلال معرفة خلفيته السياسية والحقوقية التي انطلق منها لدراسة احوال المجتمع العربي واوضاعه. فيطل منيف على المجتمع العربي حين كان مجتمعاً قبلياً تحكمه العادات والتقاليد، وقبيل التعرف على التطور التكنولوجي الذي بدأ يغزو العالم، وقد كانت السلطة في تلك الحقبة اولاً لشيخ القبيلة، وثانياً للسلطان او الحاكم. فهل عرف مواطنه حقوقه ومارسها؟ وكيف تعامل مع حكوماته التي ارادت الانتقال الى الدولة الحديثة؟ واية علاقات قامت بينهما؟
هرب منيف من الحياة العامة السياسية حين احس ان هناك خلل في ممارسة العمل السياسي، ان على مستوى السلطة والمواطنين او على مستوى الاحزاب التي لم تستطع ان تؤدي دورها في تصحيح مسار الحركة السياسية وهو بالتالي لن يتمكن من ممارسة حقوقه الاخرى، لانها كل مترابط ومتداخل. فاختار الرواية ليدل من خلالها الى الحياة الاجتماعية العربية، ويشير الى الخلل الحاصل في ممارسات الافراد والسلطة، وربما لانها تساعده في طرح اشكاليته بطريقة اكثر طواعية وبالتالي تمكنه من اقتراح الحلول التي يراها مناسبة ليبعد الانسان العربي من الحياة المرهقة التي يحياها… فبلادنا العربية ” بلاد الافواه المكممة، والحريات المسلوبة، والحقوق المهضومة، والمبادئ المنتهكة…” فـ منيف يكتب للانسان ولحريته وحقوقه، ويحاول ان يؤلف رواية ” تعني الناس وتقلقهم، تساعد في زيادة وعيهم، وفي تحريضهم على ان يعملوا شيئاً من اجل بناء عالم افضل..” فالمنطقة العربية في المرحلة الراهنة “اصبحت من اكثر المناطق في العالم خرقاً لحقوق الانسان واكثرها استبداداً واشدها تعسفاً” ولا نستغرب منه هذا الموقف وهو الذي تعرض للقمع والاضطهاد، مما دفعه ان يطرح الهم السياسي في رواياته على انه هم كبير ومؤثر، فهو لم يقف عند حدود الممارسات السياسية انما يتعداه الى سلوك الناس وقيمهم في جوانب شتى من حياتهم.
لذا نرى معظم الشخصيات الرئيسة في رواياته ثائرة متمردة على الاوضاع الجديدة التي استجدت في المنطقة، وقد حاولت الانقلاب عليها ولكن السلطة كانت لها دائماً بالمرصاد وعملت على كمّ الافواه والتضييق عليها.
وقد ركز منيف على انتهاك الحقوق وفي المستويات كافة في ظل صراع بين ثقافتين، المظلوم والظالم، الثائر المتمرد، المتغطرس الغاشم… ووسائل هذا الصراع، العصيان والثورة والتحرك بانظمة سياسية جديدة تعطي المواطن حقه في اختيار شكل النظام ورموزه، وتسمح له بتغييره حسب مقتضيات الحاجة، كما دعا الى العمل بالدسايتر الموجودة والى صياغة دساتير حيث يجب ان تكون في الاقطار العربية لتنظيم العملية السياسية، ما يؤدي الى اصلاح الخلل القائم في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وقد اظهرت رواياته، ان الاسلوب الذي يتبعه الحاكم، السلطوي هو نفسه في جميع الامكنة وكل الازمنة، لانه محكوم باسلوب تفكير تقليدي لعله استمد بعض ملامحه من الحياة العربية القديمة ولم يستطع على الرغم من انفتاحه على الغرب التخلص منه، وفهم ان السياسة تعني السيطرة المطلقة والطاعة الدائمة.
ان المنطقة العربية داخل روايات منيف قد تشكلت  بحسب الرؤية التي ارادتها الدولة وكشفت بذلك عن وجه الحاكم وابرزت التباين في الاراء وازاحت الستار عن الوضع الاجتماعي البائس الذي يعيشه اهل المنطقة، وهكذا استطاعت ان تغلب مصالحها على حساب حاجات المواطن وحقوقه، ومنها الحقوق الفكرية، كونها تسمح للانسان ان يتعلم ويتطور وبالتالي يحدد المكانة التي يحتلها مجتمعه بين المجتمعات المتحضرة، فكيف كانت هذه الحقوق في روايات منيف؟ وكيف تعامل معها كل من المواطن والحاكم؟
يتمظهر الفكر لدى الفرد والجماعة في افعال تؤدي الى الاختراع والابداع والتنظير والتفكيك في جميع ميادين الحياة. وتبرز معه قدرة الانسان على التحدي والاستمرار في سبيل تلبية احتياجاته العلمية والسياسية والثقافية، حيث يؤسس لثقافة المجتمع وبلورة عقله ووجدانه.
يربط منيف في رواياته بين الحرية الفكرية والحرية السياسية، اذ يجب ان “تكون حقاً عاماً متساوياً بالنسبة الى الجميع” ليتسنى لهم متابعة حياتهم بحرية وليخلقوا بالتالي “جبهة ثقافية عريضة” يقوم عليها وجودهم الفكري الحر.
لقد دلت روايات منيف الى انتهاك فاضح لحرية الدين والتفكير على الرغم من ان الميثاق العربي لحقوق الانسان قد كفل للمواطن هذا الحق ولم يسمح له الحاكم بممارسة حقوقه الدينية بعيداً عن سلطته. واستغل العلماء لاستصدار فتاوى تعطيه الحق في استخدام الدين لمصلحة موقعه وسلطته ما ابعد الممارسات الدينية من الاعتراف بالحقوق للمواطنين ومن ثم حصولهم عليها.
وقد وضعت السلطة يدها على الاحزاب وعملت على تأسيس العديد منها لتكون بذلك ممارسة ديمقراطية زائفة فأيقظت عند اصحاب النفوس الضعيفة حس المنفعة المادية او السياسية وحولت البعض الى ادوات طيعة في خدمتها.
لم توفر الفنون ونالت من الفنانين، وقايضتهم على حياتهم لتفرض عليهم الانصياع والموالات، واحكمت سيطرتها على المرافق العامة للبلاد، وحجبت الثقافة عن مواطنيها، وقدمت لهم الثقافة التي تعنيها، فانشأت الصحافة ومولتها لتكون الناطق الرسمي باسمها.
ويرى منيف انه ازاء هذا الوضع نحتاج الى خطة ثقافية ترشيدية توجه الاعلام المرئي والمسموع الى ممارسة الحقوق الفكرية بشكلها الصحيح وان نخصص على صفحات الاعلام المقروءة مساحات تشير الى حقوق الانسان وتعمل على ترسيخها كحالة ثانية في المجتمع.
وتشير الوقائع في روايات منيف الى ان الغرب يعمل على ابقاء المنطقة العربية في حالة غليان دائم والى حالة من عدم الاستقرار او الشعور بالامن لتبقى مرتهنة له وكي لا نحقق له اهدافه علينا، ان نبدأ من انفسنا فنوقف خطر الالغاء الدائم للانسان والانظمة والا نساهم في خلق نظام دولي جديد يخدم مخططاته ويعيد المنطقة الى استعمار جديد آخر والى هيمنة اخرى.
وتؤكد الاحداث ان ميثاق حقوق الانسان وضعناه لنحافظ على حقنا في الحياة ولنشعر في ظله بالامان من القهر والتعذيب على حقنا بالمساواة ليس الا كلاماً جميلاً منمقاً يدغدغ العقل ويراود النفس في حياة مثالية لكنه لا يحظى في ظل الاجواء السائدة بانه فرصة للتطبيق الفعلي.
ترك منيف اسئلة الحرية تطرح نفسها على الجيل الصاعد وقد حمله مسؤولية النهوض بالمجتمع ونفض الافكار البالية وحثه للبحث عن كيانه وبالتالي العمل على ايجاد كيان ثقافي خاص به.
ان الكتابة الثورية التي مارسها منيف في معظم اعماله هي كتابة فعل الواقع اكثر منها مسألة انفعال بالحوادث ومن ثم تصويرها تصويراً دقيقاً، فهو لا يلجأ الى التلاعب على مسألتي الزمان والمكان ليدلك على حسن استعماله للانماط والاساليب الحديثة في الرواية، وقد دلت اعماله على انه محكوم بالتسلسل التاريخي المنطقي.
في سياق الموضوع ذاته، يرى منيف في رواياته ان الانسان “مخلوق خطير الشأن في دورة الحياة” لما فيه من قدرة بعض الباحثين على الفعل ورد الفعل، ويشير آخر الى ان الحق في الحياة والوجود والبقاء هو من “اكثر الحقوق الحاحاً طالما ان الانسان يعيش ضمن الاحوال القانونية التي تتحدد في بلده” ومن اكثر القواعد اهمية هي الا يتعدى احد على الاخر او مجموعة على اخرى وهذا يعني حمايته من عدوان الافراد الآخرين عليه ومن سوء استعمال السلطة الذي قد يؤدي بحياته.
ان حق الحياة حق مقدس واساسي ولكل فرد في هذا المجتمع حق العيش معززاً مكرماً سعيداً في حياته “وليس لأحد ان يمس حياته لا في جسمه ولا في روحه” فهل توصل المواطن في روايات منيف الى تحقيق العيش بكرامة وحرية؟ وهل ساهم الحاكم في المحافظة على حياة مواطنيه؟ وبالتالي هل فهم هذا الحق فهماً جيداً؟ وهل عمل بالنص القرآني وشرعة حقوق الانسان اللتان حرمتا قتل النفس البشرية اياً كانت الا بالحق؟
لقد كشفت روايات منيف وابطاله، العالم الذي يعيشون فيه فنلمس معهم ان لا رأي الا للطبقة الحاكمة وكلماتها يدعمها في ذلك سيادتها وسيطرتها على حياة المواطن وحقه في ان يعيش حياته بعيداً من القهر والتعذيب والحرب واذا بها تمارس كل الاساليب التي تحرمه الحياة وتضيف اليها الخوف والرعب والاظطراب والقهر ما يدفعه نحو اليأس والاندحار ولا يستطيع بعد ذلك مواجهة اية صعوبات قد تصادفه.
وتبين لنا انه حين امتلك الشجاعة ليتصدى لها ويشير الى جشع الحكام وتقصيرهم في حق شعوبهم، كان السجن بانتظاره، وقد اصبح في ما بعد المكان الذي احكموا فيه سيطرتهم على شريحة واسعة من الناس جمعت الى المثقفين الاغنياء والفقراء واصحاب العاهات الجسدية والنفسية حيث مثلوا في هذه العزلة صوت الحق ونطق بعضهم بالحقيقة التي لا يجرؤ احد على البوح بها.
واشار منيف الى اساليب التعذيب التي استخدمت ومدى استفادت ادارة السجون من التقنيات العصرية فاستعملت الادوات الحديثة الى جانب القديمة لتنتزع الاعترافات من السجناء وتنال من سلامة جسدهم وفكرهم ونراه، كيف انغرس في الهم السياسي والاجتماعي، وحاول التفتيش على ارض الواقع عن ادوات الادانة في داخله، ورسم لنا شخصيات واقعية حية تلهث في الاجواء العربية خلف الحياة الهادئة وتنفس من اجوائها المشحونة بالعنف المليئة بالضباب والفوضى والارتباك.
وردعت السلطات الانسان عن الحس الجماعي الوطني ودفنت فيه الحس الى التغيير ولم تضمن له الحياة، ونال المثقف ما ناله غيره من ابناء وطنه من المعاملة القاسية والقهر، وشعرنا ان المجتمع قد انقسم الى عالمين عالم القهر العاتي المتوحش وعالم المقهور من الوجع ويكتب انفعالاته قدر ما يستطيع.
وقدمت لنا رواياته ابطالاً يشعرون انهم ضائعون يبحثون دائماً عن شيء معين ولا يجدونه، نظراً الى عدم احساسهم بالانتماء الى اية طبقة من طبقاته، وهنا تتجسد الازمة في الجيل الصاعد حيث تبدو خيبته في تحقيق احلامه وهو يتفادى المواجهة ويجد في الاغتراب حلاً لكل المشاكل التي يعاني منها.
وتبدو لنا الازمة الاجتماعية الاكثر تفاقماً، وذلك حين تتداخل الاسباب السياسية والمعتقدات الدينية والمذهبية واختلاف التشكيلات الاجتماعية، وابعد سلطة المؤسسات الحقيقية لتدخل في سلطة الاشخاص والطوائف.
نلتقي في روايات منيف شخصيات كثيرة تصرح امامنا عن وضعها ومكانتها، نتعرف من خلال احاديثها الى ابعادها الخارجية والداخلية والاجتماعية فتضعنا حينها امام صور عن الحياة التي تحياها وهي تحمل مزيحاً من الفرح والخوف والحزب والاضطراب، وتدلنا في ذلك الى سمات المجتمع بعلاقاته المتبادلة مع الفرد، وتشير الى تناقضاته واتجاهاته الفاعلة.
يؤمن منيف، ان كل شخصية يمكنها ان تكون فاعلة ومؤثرة، وذلك تبعاً للموقف الذي يضعها فيه الروائي، وهي بالتالي تستطيع ان تسلم راية النضال الى شخصية اخرى قد تكون اكثر فاعلية، انه يريد للجميع ان يشارك في البناء كل بحسب قدراته.
لقد وظف منيف كل المقومات الروائية الفنية للتدليل على الازمات التي يعاني منها المجتمع، ويشير من خلال رواياته ان هذه الازمات هي استمرار لما كان في الماضي، وانها ازمة على مستوى التعامل المحلي وعدم انتاج فكر حديث يتمكن من التعاطي مع النهضة الجديدة في مختلف المستويات… وقد اكد من خلال طرح العلاقة مع الغرب حيث استطاع ان يؤسس لحضارة واهية ضعيفة لا تساعد من يتمسك بها بالقفز نحو المستقبل.
ان معظم الشخصيات بما فيهم الحاكم العربي، لا يزال ينظر الى الماضي ولم يستطع التخلص منه، ويحاولون دائماً ان يبنوا عليه حياتهم، وكأنه الدستور الذي لا يجب ان نحيد عنه، وهنا تتبدى ازمة التخلي عنه، كما اننا نلمح بعض الشخصيات التي قفزت الى المستقبل من دون ان تلتفت الى الماضي او الى الحاضر، وفي كلا الحالتين لم يصل المواطن الا الفراغ الفكري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي. هل لهذه الاشكالية علاقة بالغرب؟ وهل يرفض الذين يتمسكون بالماضي الانفتاح على الغرب بالمطلق؟ ام انهم يرفضون الاساليب والعادات والقيم والتقاليد؟ ونحن نلمس فعلاً عدم التفاعل بين الشرق والغرب والعلاقة بينهما لم تؤد الى تفاعل مستمر. فالمجتمع العربي وقف مأخوذاً بكل ما هو وافد من الغرب، ولأنه لم يفهم ما يمكن ان يعطيه له الانفتاح عليه فهو لم يتقبله، وراح يحاربه بشتى الوسائل.
في المقابل لم يؤسس الغرب لعلاقة تفاعلية مع الشرق وقد وضعنا يدنا على اهدافه، وتبين انه جاء الى الشرق كفاتح وكمستعمر، وقد جند لذلك المبعوثين على المستوى السياسي والثقافي والعسكري والاقتصادي، وراح يعمل على تفريغ المنطقة من ثرواتها وتجريدها من قوتها ما ادى الى تفريغ العقل من محتواه، وعمل على اخضاعه في المستويات كافة ما ساهم في توسيع الهوة وسلخ اي تفوق عن الامة العربية ولا نعرف لم ترضى بذلك؟!!

* الكتاب:
حقوق الانسان في روايات عبد الرحمن منيف، تأليف- خديجة شهاب، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2009، 686 صفحة

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات