23 ديسمبر، 2024 12:59 ص

حقوق الإنسان والحماية الدولية

حقوق الإنسان والحماية الدولية

قبل عدّة أيّام شاركت بدراسة بحثيّة ضمن ندوة حواريّة حول انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الحماية الدوليّة في العراق.
بيّنت الدراسة أنّ القوى العالميّة سعت لسنّ القوانين المشجّعة على حماية الحقوق الإنسانيّة والسياسيّة داخل الدول, وأنّ انتهاك تلك الحقوق لا يعدّ من الشؤون الداخليّة التي تحتكرها الدول.
وبعد العام 2003، تدفّقت على العراق أشخاص وتشريعات حاثّة على قضيّة حقوق الإنسان، التي رُتبت دستوريّاً وإعلاميّاً وأهملت على أرض الواقع، حيث إنّ التشريعات تزدحم بالعديد من النصوص المؤيّدة لحقوق الإنسان، وتمّ ترتيب لجنة برلمانيّة لمتابعة حقوق الإنسان على وفق المبادئ المقرّة في الدستور، ورصد مخالفات السلطات لتلك الحقوق، ومتابعة شؤون السجناء والمعتقلين!
الحديث عن حقوق الإنسان في العراق يجب أن يمرّ عبر البوّابة الدوليّة، ذلك لأنّه- ووفقاً لولاية قرار مجلس الأمن رقم (2421) في 14 حزيران/ يونيو 2018- فإنّ مكتب بعثة الأمم المتّحدة لمساعدة العراق (يونامي) يعمل مع العراق لتعزيز حقوق الإنسان بطريقة حياديّة!
ومع هذه التشريعات الوطنيّة والدوليّة غير الفاعلة على الأرض مازالت جرائم الاغتيالات، والاعتقالات، والاحتجاز التعسّفي، والتعذيب في مراكز الاحتجاز في الموصل والأنبار وغيرهما.
وفي منتصف نيسان/ أبريل 2019 أكّدت منظّمة هيومن رايتس ووتش ” أنّ ضبّاطاً عراقيّين مارسوا التعذيب في مركز احتجاز في الموصل حتّى أوائل 2019 على الأقل، بعد أشهر من إبلاغ المنظّمة عن الانتهاكات وتقديمها لمعلومات حول المسؤولين عنها، ولم تجب الحكومة العراقيّة على رسالتين للمنظّمة تطلب فيهما آخر المستجدّات بخصوص الخطوات المتّخذة للتحقيق في المزاعم”!
وهذا الكلام المزعج يتزامن مع نسبة اكتظاظ عالية في السجون ومواقف الاحتجاز، واستمرار التعذيب في التحقيقات كأداةٍ لتنفيذ أجندات سياسيّة، وكذلك دوام نشاط الميليشيات بشكل متزايد، وتفشّي ظاهرة الاختفاء القسري، حيث يُقدّر عدد الأشخاص المختفين قسرياً حتّى نهاية العام 2018 بين (250) ألف إلى مليون شخص، وأيضاً ارتفاع نسبة الإعدامات المنفّذة بشكل واسع، وبقاء أكثر من ﻣﻟﯾوني ﻧﺎزح داخل البلاد، وضياع حقوق الناس التعليميّة والصحّيّة والخدميّة، وتكميم الأفواه، وترهيب المتظاهرين واغتيالهم!
وفي السابع من أيّار/ مايو 2019، قال عضو المفوّضيّة العليا لحقوق الإنسان زيدان العطواني إنّ” المفوّضيّة أشّرت عدم استطاعة بعض الحكومات في المحافظات الحدّ من الانتهاكات الحاصلة لحقوق الإنسان”!
في ظلّ هذه الظروف غير الصحّيّة والمنافية لأبسط حقوق الإنسان برزت بشكل كبير ضرورة وجود حماية دوليّة للعراقيّين، لضمان التطبيق الكامل لهذه الحقوق وفقاً لنصوص وروح القوانين ذات الصلة؛ لأنّ المناشدات لوحدها لا تنهي المأساة؛ ولذلك يتوجّب على المجتمع الدوليّ العمل الجادّ لانتشال العراقيّين من حالة غياب دولة المواطنة القادرة على تقديم الأمن والحماية والخدمات لهم، وذلك تنفيذاً لميثاق الأمم المتّحدة سنة 1945, والإعلان العالميّ لسنة 1948, واتّفاقيّة روما عام 1950، والعهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة 1966، وغيرها من القوانين الضابطة للدول!
والحماية الدوليّة هي إجراءات تتّخذها الهيئات الدوليّة إزاء دولة ما, للتأكّد من مستويات التزامها بتنفيذ ما تعهّدت به في إطار اتّفاقيّات حقوق الإنسان الدوليّة, والكشف عن انتهاكاتها، والعمل على منعها.
وبناءً على ما تقدّم، يفترض العمل على:
الضغط على حكومة بغداد لإنهاء المأساة المستمرّة للنازحين والمعتقلين، وإنهاء ملفّ المليشيات التي تعبث في غالبيّة المدن.
تنظيم مركز قانونيّ دوليّ لدعم المنكوبين والمضطهدين في الحصول على حقوقهم الإنسانيّة.
الدعوة لمؤتمر دوليّ لكشف حقيقة حقوق الإنسان في العراق، ووجوب تفعيل الحماية الدوليّة.
المجتمع الدوليّ أمام اختبار حقيقي للسعي المباشر وغير المباشر لإيجاد مناخ يكفل إقرار وتعزيز حقوق الإنسان العراقيّ، وبالذات مع اختيار العراق عضواً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة نهاية العام 2016.
حقوق الإنسان ليست مطلباً خياليّاً، أو مزاجيّاً، أو حتّى منّة من الحكومة على الشعب، بل هي الأساس المتين والرصين لبناء الدولة ونهوضها.
فهل سترى هذه الآمال النور، أم أنّها ستبقى أسيرة الموازنات السياسيّة الإقليميّة والدوليّة؟