احتفلنا قبل فترة قصيرة، بأعتبارنا جزءاً من المجتمع الدولي، بذكرى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ذلك الإعلان الذي تم إصداره بعد جهود كبيرة، بل ضخمة، من قبل الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، ولا ننسى إن هذا الحدث المهم تم في العام (1948) وهو العام الذي تم فيه احتلال فلسطين وعام إصدار قوانين الفصل العنصري في دولة جنوب أفريقيا التي كرست التفرقة بين البيض والسود من بني ادم، وأشرت لهذين الحدثين كي نتصور كيف كان حال العالم في ذلك الوقت وعمق التحديات والصعوبات التي واجهت المدافعين عن الحرية والكرامة الإنسانية ولكن إصرارهم ونضالهم وبمساندة مجموعة من المنظمات أثمر بالنهاية عن تبني الإعلان من قبل الأمم المتحدة وهذا ما حصل أخيراً في 10/12/1948، ورغم إن مقرر لجنة صياغة الإعلان، التي كانت ترأسها السيدة إليانور روزفلت، وواضع مقدمته عربي وهو الدكتور شارل مالك وزير خارجية لبنان الأسبق، وهذا شيء يُفتخر به أكيداً، إلا إن العالم العربي بقي، ومع الأسف، ونحن في القرن الحادي والعشرين، القلعة الأخيرة للدكتاتورية في العالم ويعاني من تسلط أنظمة الحكم البوليسية، خاصة بعد أن تحررت الشعوب في باقي أرجاء المعمورة، وخصوصاً في أوربا الشرقية، أفريقيا، أمريكا ألاتينية، ومنذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، من نير الدكتاتورية والحكم الشمولي، الفاشي، والعسكري، الذي رزح على رقاب تلك الشعوب لفترات طويلة، والمفارقة إن حكوماتها موقعه على هذا الإعلان والبروتوكولات الملحقة به، ولكن هل التوقيع على الإعلان كافٍ بحد ذاته لتصبح تلك الحقوق أمر واقع وحقيقة ملموسة؟
أقول: إن الشعوب العربية، وبعد سنين طويلة من القهر والحكم الشمولي الوراثي، أثبتت إنها شعوب حية لا تقبل بالظلم وان طال، وقد رأيناها جميعاً تثور على طغاتها الذين تصوروا، بل توهموا، أنهم قد روضوا شعوبهم وإنها في سبات دائم ولا يمكن أن تنهض من جديد وقد تخدرت لتعيش في متاحف التأريخ فقط، لكن ما حصل، في تونس أولاً وتبعته العديد من الدول العربية، اثبت العكس تماماً، فتحية لكل شعب وفرد عربي حر ثائر.
إن حقوق الإنسان ليست نظريات تأريخية موجودة في بطون الكتب نتفاخر بها، ليست مؤتمرات وندوات احتفالية، ليست ملصقات ملونة على الجدران، وليست إعلانات تلفزيونية باهظة الكلفة، حقوق الإنسان هي إيمان حقيقي وممارسة عملية وتطبيق في الميدان، واقصد بالميدان، البيت، الدائرة، الشارع العام، السلوك مع الآخر، كيف للمرء أن يخطب ويحاضر ويثقف نظرياً على مبادئ حقوق الإنسان وهو عملياً دكتاتور صغير في بيته؟ مبادئ حقوق الإنسان تبدأ من البيت وتنتهي بأعلى هرم في السلطة والعكس صحيح تماماً.
بالنهاية أضم صوتي إلى صوت الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السيد مارتن كوبلر عندما قال “من واجب جميع العراقيين، وبالأخص شباب هذا البلد، أن يجعلوا حقوق الإنسان حقيقة واقعة” فقط أضيف عليه إن هذا أيضاً من أهم واجبات منظمات المجتمع المدني، وعليها طبعاً أن تبدأ بنفسها أولاً.
*منسق المنظمات في مكتب محافظ ميسان
[email protected]