23 ديسمبر، 2024 5:27 ص

حقل الطائفة وقصة وزير الدفاع

حقل الطائفة وقصة وزير الدفاع

من يتابع ارشيف وزارة الدفاع منذ الايام الاولى لتشكيلها في تاريخنا الحديث بالعهد الملكي وتحديدا بعد تأسيس الجيش العراقي، ليكون جعفر العسكري المؤسس واول وزير دفاع، يجلس على كرسي الوزارة يسجل العديد من الملاحظات التي كانت تحسب لهذه المؤسسة التي سجلت العديد من المواقف الداخلية والخارجية التي لا يمكن اغفالها، في جميع الدراسات المتعلقة بالمنظومة العسكرية، لكونها وجدت لجميع المواطنين بغض النظر عن الانتماء الطائفي او الديني، لان الاعتماد بالدرجة الاساس كان على الكفاءة والرغبة للانتماء لهذه المنظومة وليس لتكوين جيش طائفي يحسب على فئة دون اخرى او لاستخدامها للانتقام من الاخرين واقصائهم من المشهد.
صحيح ان الفترة الاخيرة لنظام حزب البعث وبعد ان تسلم صدام حسين رئاسة الجمهورية وتوريطه البلاد في حرب الثماني سنوات والدخول للكويت في تسعينيات القرن الماضي، حاول تكريسها لطرف على حساب اخر، من خلال فرض بعض الشروط على المتقدمين للالتحاق بالكلية العسكرية او حتى كلية الشرطة ومنها التركيز على مسقط الراس والعشيرة التي ينتمي لها المتقدم، لكنها لم تشكل ظاهرة او على الاقل لم تشمل الجميع، لاسباب بررها النظام السابق في حينها، بالخوف من “الانتماء لاحزاب المعارضة”، وقد تصل الى درجة البحث عن مشاركة اقارب المتقدم للالتحاق بالكلية العسكرية في “الانتفاضة الشعبانية”، لتكون سببا مقنعا لعدم قبوله حتى لو تجاوز جميع الاختبارات وحقق درجات يشهد لها بالكفاءة، ولعل واحدة من الادلة على ذلك ما كنت شاهدا عليه، حينما رافقت احد الاصدقاء المقربين في العام 2001، الى كلية الشرطة للاطلاع على اسماء المقبولين، وكان صديقي المقرب قد اجتاز جميع الاختبارات والفحص الخاص باللياقة البدنية والصحية، وطوال الطريق الى كلية الشرطة في شارع فلسطين، شرق العاصمة بغداد، يحدثني مبتسما كيف سيجد اسمه معلقا على جدار القبولات واستعداده للالتحاق وشراء جميع المستلزمات، وحينما وصلنا الى مبنى الكلية، تفاجئنا بعدم وجود اسمه بين المقبولين، فقررنا اعادة قراءة القوائم مرة اخرى لعلنا نجد ضالتنا لكن من دون جدوى، حينها التفت صديقي وابلغني انه سيلتقي احد الضباط في الكلية لديه معرفة سابقة معه، فانتظرت عند البوابة وبعد عدة دقائق عاد صديقي ليخبرني باسباب عدم قبوله، وكانت حقيقة اسباب صادمة، هل تعرفون ماذا ابلغه الضابط؟، المشكلة بمسقط راسك “مدينة الناصرية”!!. نعم هكذا كانت تدار المؤسسة الامنية في نهاية عهد صدام.
صحيح ان النظام السابق اعتمد على تسليم وزارة الدفاع لوزراء من طائفة واحدة، لكن الهدف لم يكن الانتماء الطائفي ابدا… انما الولاء الحزبي ودرجة القرب من صدام حسين، حتى انه اختار ابن عمه علي حسن المجيد لمنصب وزير الدفاع بدلا عن سعدي طعمة عباس الجبوري في بداية العام 1991، لمواجهة “الانتفاضة الشعبانية” والاحداث التي اعقبت انسحاب الجيش من الكويت، معتمدا بذلك على درجة القرابة وليس الانتماء الطائفي او الكفاءة، لكن بعد العام 2003، دخلت وزارة الدفاع في سباق “المحاصصة” الطائفية حينما اصبحت ضمن حصة المكون السني، وليس على اساس الخبرة والانتماء للوطن، لتسجل مرحلة “انتكاس” في تاريخها لا يمكن تجاهله، بدايته كان منذ تسلم حازم الشعلان منصب الوزير الذي هرب بعدها الى العاصمة الاردنية عمان بفضيحة تجهيز اسلحة وهمية بملايين الدولارات، وصولا الى معالي الوزير الحالي جمعة عناد الذي يضم سجله العديد من الفضائح، ليس اولها انتماء شقيقه وابناء عمه لتنظيم (داعش)، انما وصلت القضية لتخصيص حقل في استمارة القبول بالكلية العسكرية يتضمن ذكر مذهب الطالب المتقدم، ليكون “الشيعي والسني” اساسا للتنافس وليس الكفاءة، في طريقة تعترف بشكل علني ومن دون “خجل” بان العملية السياسية بنيت على اساس طائفي ولا يمكن ان تستمر بدونه، لكن رئيس الوزراء حاول تقديم نفسه كمنقذ للعملية السياسية، حينما تدخل ليبلغنا بالغاء اضافة حقل المذهب للمتقدمين للكلية العسكرية وجميع المؤسسات الحكومية، بحركة اشبه بترقيع المشاكل وليس ايجاد الحلول الجذرية، وكان قراره يعد رسالة مفادها، تعاملوا بالتقسيم الطائفي لكن لا تعلنوا عنه.
في حين “غاب” عن السيد الكاظمي، تصرفات وزيره الذي استغل منصبه لمعاقبة مدير الاستخبارات العسكرية الفريق سعد العلاق ونقله الى جامعة الدفاع العسكرية، والسبب، تقرير سري ابلغ فيه العلاق الجهات العليا بضرورة احالة جمعة عناد للتقاعد حينما كان قائدا لعمليات صلاح الدين بسبب انتماء اقاربه للتنظيم الارهابي، كما لم يتابع “فضيحة” إطعام الجنود، حينما قرر معالي الوزير الغاء جميع الوجبات التي كانت تصلهم سابقا واستبدلها بطعام كان يحصل عليه الجندي خلال عهد النظام السابق، وقد يتذكره الكثير، حينما كانت وجبة الطعام عبارة عن “صمونة” لا يمكن التعامل معها بسبب شدة صلابتها، على الرغم من استقطاع مبلغ مئة وخمسة وعشرين الف دينار من راتب الجندي بعنوان “بدل طعام”، ليستكمل سجل الفضائح مع نجل سيادة الوزير الذي تحول الى “سمسار” لبيع المناصب في وزارة الدفاع عن طريق مزاد يعقد ليلا في احد فنادق بغداد، يتم خلاله عرض المناصب للضباط الراغبين بالانتقال مقابل مبالغ مالية تصل الى خمسين الف دولار، في وقت يتحدث رئيس الوزراء عن تشكيل لجنة لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين ويتجاهل مايحصل في وزارة الدفاع لاسباب غير معروفة وقد تكون مرتبطة بالجهة التي رشحت معالي الوزير ضمن كابينة الكاظمي.
الخلاصة:.. ان قضية الغاء اعتماد المذهب او الطائفة في القبول بالمؤسسة العسكرية، لا يشكل فرقا كبيرا بالطريقة التي تشكلت فيها وزارة الدفاع بعد العام 2003، لان القضية تحتاج لمعالجة من الاساس تشمل محاسبة الفاسدين وايجاد طريقة نبتعد فيها عن اختيار الوزير بحسب المحاصصة، انما وزير يتعامل مع وزارة الدفاع بطبيعتها التي عرف بها الجيش كسور للوطن وليس “كوزارة للاغتناء باسم المكونات”… اخيرا… السؤال الذي لابد منه، متى سنتجاوز “فك” المحاصصة الطائفية؟