18 ديسمبر، 2024 7:05 م

حقائق علمية عن مخاطر زواج الأطفال

حقائق علمية عن مخاطر زواج الأطفال

في خضم النقاشات الدائرة الآن بين مؤيدي ورافضي التعديلات التي أجريت على قانون الأحوال الشخصية، وجدت أنه لا بد لي، كمتخصص بعلم وظائف الأعضاء وبالذات منها الجهاز التناسلي الذكري والأنثوي، من أن أثبت الموقف العلمي ضد ما جاء في بعض الفقرات التي أضيفت لهذا اللقانون مؤخراً والذي تسعى إلى إقراره جهات تجهل تماماً الجانب العلمي المعروف حول هذا الموضوع والذي لا يمكن أن يعيبه أو ينكره أياً كان لأنه جاء بعد بحوث إستمرت أعواماً طويلة وخلصت نتائجها لما سيطلع عليه القارئ الكريم في مقالي هذا.
في البداية يجب ان نعرج على التعريف العلمي للرشد/البلوغ والذي هو فترة الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ ويشمل التغييرات الفسيولوجية والجسدية المرتبطة بزيادة تطور الأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية والخصائص الجنسية الثانوية، وحيث يحدث الحيض في نهاية هذه الفترة الانتقالية. ويتوج نمو البلوغ بالنضج البدني مع القدرة على الإنجاب. ويمكن تقسيم موضوع البلوغ إلى التغيرات الجسدية أو الوظيفية المرتبطة بالمظهر الخارجي للكبار والعملية النفسية النضجية، وكلاهما ينذر بتدفق هرمونات من الغدد الكظرية والمبايض لدى الفتيات. تتويجا لهذه الآثار تنتج التغيرات الجسدية التي تدل على سن البلوغ.
ومن منظور بايولوجي، فالبلوغ هو مرحلة النضج البدني الذي يصبح الفرد فيه قادرا فسيولوجيا على التكاثر الجنسي. وتشمل التغييرات البايولوجية التي تحدث أثناء سن البلوغ العديد من العوامل العصبية و/أو الهرمونات، وكلها تعدل النمو الجسدي، وتطور الغدد الجنسية، والغدد الصماء وكذلك الإفرازات الخارجية.
والزيادة الناتجة في إنتاج ستيرويد الجنس تضمن ظهور الخصائص الجنسية والحفاظ عليها والقدرة على التكاثر. يتم تغيير جهاز الغدد الصماء بأكمله خلال فترة المراهقة. ومع ذلك، فإنه هو في الأساس تفعيل محور مهاد الغدة النخامية والغدد التناسلية التي تحفز وتعزز نمو المبيض الذي هو المسؤول عن التغييرات البايولوجية والمورفولوجية والنفسية العميقة التي يتعرض لها المراهقون.
ما الذي يحدد متى يبدأ سن البلوغ؟
يمر البلوغ بخمس مراحل إعتباراً من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج الكامل في كلا الجنسين، وهذه المراحل تعكس التعديلات التدريجية من الأعضاء التناسلية الخارجية والشعر الجنسي. “وتظهر الخصائص الجنسية الثانوية عند سن 10 سنوات ونصف في البنات” و 11 سنة ونصف إلى 12 سنة لدى الأولاد.
إن توقيت بداية سن البلوغ ليس مفهوما تماما ومن المرجح أن يحدده عدد من العوامل. نظرية واحدة تقترح أن الوصول إلى الوزن الحرج أو تكوين الجسم قد تلعب دورا في بداية سن البلوغ. وقد اقترح أن الزيادة في السمنة في مرحلة الطفولة قد تكون ذات صلة في بداية سن البلوغ العام في عموم السكان في السنوات الأخيرة.
تم اقتراح ليبتين، وهو هرمون تنتجه الخلايا الدهنية في الجسم، كوسيط واحد ممكن لتوقيت سن البلوغ. وفي الدراسات البحثية، ان الحيوانات التي تعاني من نقص في اللبتين لم تمر في مرحلة البلوغ، ولكن البلوغ بدأ عندما أعطي اللبتين لتلك الحيوانات. وعلاوة على ذلك، من المعروف أن الفتيات اللواتي لديهن تركيزات عالية من هرمون اللبتين لديهن نسبة عالية من الدهون في الجسم وبدء مبكر لسن البلوغ مقارنة مع الفتيات اللواتي لديهن مستوى منخفض من اللبتين. ومن المعروف أن تركيز اللبتين في الدم يزيد قبل سن البلوغ في كل من الفتيان والفتيات.
وعلى الرغم من ذلك، فإن من المحتمل أن يكون اللبتين واحدا فقط من التأثيرات المتعددة على منطقة ما تحت المهاد، وهي منطقة في الدماغ تطلق هرمون يعرف باسم الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية، والذي بدوره يوجه الغدة النخامية لإفراز هرمون مُلَوتِن وهرمون محفز البصيلات، وكلا هذين الهرمونين مسؤولين عن النمو الجنسي.
ومن المحتمل أن تكون العوامل الجينية ذات تأثير في توقيت البلوغ، وغالبا ما يوصف توقيت البلوغ بأنه “يجري في العوائل”. بالإضافة إلى ذلك، تم التعرف على الجينات التي تبدو حاسمة للتطور الطبيعي للبلوغ. الجين، المعروف باسم GPR54، يرمّز البروتين الذي يبدو أن يكون له تأثير على إفراز الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية من قبل تحت المهاد. وبهذا فإن الأشخاص الذين ليس لديهم نسخة فعالة من هذا الجين ليسوا قادرين على دخول سن البلوغ بشكل طبيعي.
ما هو زواج الأطفال؟
“زواج الأطفال” يفهم عموما أنه يعني الزواج الذي يحدث قبل سن 18 عاما، ولكن بالنسبة للكثير من الفتيات، يحدث الزواج قبل ذلك بكثير. وفي بعض البلدان، تضطر الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 7 و 8 سنوات إلى الزواج من كبار السن من الرجال. وهناك أسباب متعددة تجعل الفتيات يتزوجن بهذا السن المبكر، ويعتقد الآباء أحيانا أنه من خلال الزواج المبكر لبناتهم، فإنهم يحمونهن ويزيد من فرصهن الاقتصادية. ومع ذلك، فإن زواج الأطفال يعرض الفتيات إلى زيادة في المشاكل الصحية والعنف، ويحرمهن من الوصول إلى الشبكات الاجتماعية ونظم الدعم، ويديم حلقة من الفقر وعدم المساواة بين الجنسين.
وعادة ما يعرف بزواج من هم دون سن 18 عاماً بزواج الأطفال وفقاً للمادة 1 من إتفاقية حقوق الطفل، التي حرمت أية فتاة من أن تصادر طفولتها وتعليمها وصحتها وتطلعاتها لو زوجت دون هذا العمر.
إن السبب / الأسباب التي منعت بموجبها منظمة الصحة العالمية زواج الأطفال وفقاً لتقاريرها هو أن مضاعفات الحمل والولادة هي الأسباب الرئيسية للوفاة بالنسبة للفتيات اللواتي يتزوجن بأعمار تتراوح بين 15-19 عاماً في البلدان النامية.

الحقائق:
• وفقا لمنظمات الأمم المتحدة، تتزوج 37000 فتاة دون سن 18 عاما كل يوم. ولدينا الآن أكبر عدد من الفتيات المتزوجات والفتيات المعرضات لخطر زواج الأطفال أكثر من أي وقت مضى
• تتزوج فتاة واحدة من بين كل 3 فتيات في الدول النامية قبل 18 عاماً من العمر؛ وفتاة واحدة من بين كل 9 فتيات متزوجة قبل سن 15
• إذا استمرت التوجهات الحالية، فإن أكثر من 140 مليون فتاة سوف يتزوجن قبل سن الثامنة عشرة في العقد القادم
• على الصعيد العالمي، تزوجت قرابة 400 مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين 20 و 49 سنة قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة
عواقب زواج الأطفال:
• إن زواج الأطفال ينهي فعليا طفولة الفتاة ويحد من تعليمها ويقلل من فرصها الاقتصادية ويزيد من خطر تعرضها للعنف العائلي ويعرضها لخطر الحمل المبكر والمتكرر وخطر الإصابات الشديدة
• تزيد احتمالية وفاة الفتيات دون سن الخامسة عشرة عند الولادة عن النساء في العشرينات من عمرهن، وتتعرض لخطر أكبر للإصابات المرتبطة بالحمل، مثل ناسور الولادة
• غالبا ما تكون العرائس من الأطفال غير قادرات على التفاوض بشأن ممارسات جنسية أكثر أمانا، وبالتالي هن أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي
• إن العواقب السلبية لزواج الأطفال تصل إلى ما هو أبعد من البنات أنفسهن: فمن الأرجح أن يموت أطفال العرائس الأطفال في السنة الأولى من العمر بنسبة 60 في المائة من الذين يولدون لأمهات أكبر من 19 عاما، ومن الأرجح أن تكون عوائل العرائس الأطفال فقيرة وغير صحية
لماذا يجب على الحكومة العراقية رعاية إنهاء زواج الأطفال؟
• إن إنهاء زواج الأطفال هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به. والفتيات عموماً يستحقن أن يعشن طفولات كاملة، ويذهبن إلى المدرسة، وأن تخلو حياتهن من العنف والعواقب الصحية السلبية المرتبطة بزواج الأطفال، ويخترن لأنفسهن وبدون عنف أو إكراه – متى يتزوجن. إن زواج الأطفال لا يؤثر سلبا على حياة الفتيات أنفسهن فحسب، بل إنه يعيق مباشرة إنجاز الأهداف الإنمائية التي تحدد أولويات التنمية للعالم. ويجب أن تكون الجهود الرامية إلى إنهاء زواج الأطفال والنهوض بصحة الفتيات وحقوقهن في صميم جدول أعمال التنمية الوطنية بغية القضاء على الفقر المدقع وكفالة حقوق الإنسان للجميع.
• إنهاء زواج الأطفال هو الفعل الذكي الذي يجب القيام به، إذ يؤدي زواج الأطفال إلى إدامة دورات الفقر وسوء الصحة والأمية والعنف التي لها آثار سلبية على التنمية الشاملة والازدهار والاستقرار. ومع توقع أن تقوم الحكومة العراقية في الاستثمار في برامج التنمية، فإن التركيز على زواج الفتيات الصغيرات في السن يمكن أن لا يضمن تحقيق الأهداف المتعلقة بقضايا متنوعة مثل التعليم والصحة والعنف والتقدم الاقتصادي لكل من هذه الأجيال القادمة من الفتيات وأسرهن، والمجتمعات المحلية.
• ورغم أن الفتاة تبلغ تماماً في سن 15 – 17 عاماً، إلا أنه يجب عدم زواجها (أو إجبارها على الزواج) وحملها قبل سن 18 عاماً من العمر لما لذلك من مخاطر صحية على الفتاة وعلى وليدها، حيث أن مضاعفات الحمل والولادة هي الأسباب الرئيسية للوفاة بالنسبة للفتيات اللواتي تتراوح أعمارهم بين 15-19 عاماً في البلدان النامية وفقاُ لتقارير منظمة الصحة العالمية.
• هذا وقد أعلنت الأمم المتحدة والوكالات الدولية الأخرى أن زواج الأطفال يعد إنتهاكاً لحقوق الإنسان وحقوق الطفل. وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي وقع عليه العراق، بأن الأشخاص يجب أن يتزوجوا بحرية مع موافقة كاملة منهم ويجب أن يكونوا في سن الرشد. وفي عام 1979، ذكرت إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ان زواج الأطفال غير قانوني. كما أنه وفي عام 1989، عرّفت إتفاقية حقوق الطفل أن الأطفال هم أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عاماً.
• لقد أقرت اتفاقية حقوق الطفل في المواد 16، 19، 37 على ضرورة حماية الطفل من جميع أشكال العنف والضرر او الإساءة البدنية او العقلية او الإهمال او الاستغلال او إساءة المعاملة او التعذيب وحمايته من أشكال الاعتداءات الجنسية كافة، وما زواج القاصرات إلا واحداً من تلك الإعتداءات. إن العالم قد عزز اهتمامه بحقوق الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة وذلك بعقد أول اتفاقية دولية تهدف إلى حماية حقوق الطفل حيث يحتفل كل عام بيوم اعتماد هذة الاتفاقية من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة حيث حققت الاتفاقية قبول شبه عالمي باتفاق 193 دولة ومنها العراق الذي انظم للاتفاقية عام 1994، الا ان عدداً كبيرا من اطفاله من بين هؤلاء المنتهكة حقوقهم والذين يعانون من إساءات بالغة الخطورة وحيث سيعزز هذه الإنتهاكات إقرار القانون آنف الذكر.
لماذا يمكن أن يؤدي إنهاء زواج الأطفال إلى تحسين صحة الملايين من الفتيات
1. إن الحمل والولادة يعرضان حياة الفتيات المعرضات لخطر الوفاة أو الإصابة
2. إن الحمل المبكر ليس خطرا على الفتيات فحسب، بل إنه خطير على أطفالهن أيضا
3. الفتيات الصغيرات المتزوجات هن من أكثر الفتيات عزلة، ومعظمهن في أمس الحاجة إلى تنظيم الأسرة وخدمات صحة الأم
4. يمكن أن يساعد منع زواج الأطفال على الحد من وفيات الأمهات
ختماً، أؤكد الموقف العلمي الرافض لبعض ما جاء في فقرات هذا القانون والتي أعتبرها جريمة بحق الطفولة لو تم تمرير هذا القانون في مجلس النواب.
بريطانيا في 19/11/2017
* أستاذ علم الفسلجة الطبية (علم وظائف الأعضاء)