5 نوفمبر، 2024 3:27 م
Search
Close this search box.

حقائق الوجود بين العقل والقرآن

حقائق الوجود بين العقل والقرآن

لاريب أن الإنسان بحكم طبيعته البشرية، ومحدودية أفقه العقلي، على قاعدة( وما اوتيتم من العلم إلا قليلا )، يظل شديد التعلق، والتيقن بالمحسوس، بما هو منظور أمامه، من عوالم الكون المشاهدة، حيث تترسخ مرئياتها بتجلياتها المختلفة بسهولة في ذهنه، وبدرجة يقين أعلى من نظيراتها غير المرئية،خاصة وأن إدراكه لحقيقية وجودها،بما هي متجسدة موضوعيا، وماثلة أمامه عيانا، لا يحتاج منه لمزيد من البحث الفلسفي، والتنظير العلمي، للبرهنة على إثبات حقيقة وجودها .

ولذلك فإن الإيمان بحقيقة موجودات الكون، والحياة فيما هو منظور، ومتجسد منهما، على الصورة التي أوجدهما الله تعالى عليها، تأتي في حكم البداهة، لاسيما وأن النصوص القرآنية، قد كفت الإنسان بالإخبار الإلهي ، مشقة استكناه حقيقة الوجود، وبالتالي فلم تعد هناك ثمة حاجة للخوض في جوهر ماهيات الوجود ، سواء تمكن العقل الإنساني من إدراك تلك الحقيقة بما يتاح له من إمكانات، أم لا.

ومن هنا فإن إحكام الربط العضوي، بين عملية الخلق الإلهي للموجودات المحسوسة، في العالم المشهود، وبين التفكر في كيفيات خلقها، باعتبارها آية لذوي العقول اللبيبة، يظل أمرا مطلوبا، ليس لمجرد ترسيخ اليقين بإلهية الخلق المحسوس، والتسليم بتلك الحقيقة الملموسة، وحسب، بل ولترسيخ الإيمان بقدرة الخالق المطلقة في الايجاد الحسي، والغيبي معا، بالكيفية التي يشاؤها كموجد لكل الموجودات، على قاعدة( افلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت)، حيث يظل المطلوب من الإنسان، إمعان النظر في كيفيات الإيجاد،وليس إضاعة وقته في البحث في جوهر الماهيات .

ومع أن معطيات العصرنة بتداعياتها المادية الجارفة، قد بلدت الحس الروحي، وجففت البعد التأملي عند الإنسان المعاصر، يوم اختزلت رؤاه باليقين، بحقائق العالم المشهود فقط، وحرمته من نفحات التطلع، الذي يتجاوز حقائق مرئيات الوجود المحسوس، إلا أن الوحي الإلهي القائم على حقيقة علم الله تعالى المطلق بالغيب، وما هو مشهود، يظل، مع كل ذلك، أفضل وسيلة لإعانة الإنسان، وهدايته إلى تلمس صراط الله المستقيم، للوصول إلى حقيقة الوجود الحسي، والغيبي معا، ومن دون حاجة إلى مماحكات فلسفية، او تنطعات كلامية، قد تكون مع محدودية العقل الإنساني، وعجزه عن سبر كل حقائق الوجود، نوعاً من العبثية المقرفة .

ولذلك فإن المطلوب من الإنسان المعاصر اليوم، والمسلم بالذات ، تفعيل استثمار معطيات النصوص القرآنية الجلية، في التعامل مع المنظور من حقائق الوجود الكونية، وتنشيط التفاعل مع حقائق الوجود الغيبية في نفس الوقت ، وذلك من خلال ترسيخ اسلوب البحث في كيفيات الايجاد، واعتماد النظر في طرائقيات الخلق ، والعمل على استنتاج القوانين التي تحكمها، بما يحقق تعزيز الإيمان بحقائق الغيب، كفضاء لعالم الشهادة ، وبما يرسخ التواصل مع آفاقه، بيقينية مطلقة، تناظر يقينية الوجود الحسي ،وبالشكل الذي يفيد في إنقاذ الإنسان من تداعيات ضياع العصرنة ، وينتشله من عبثية استلابها الروحي له .

أحدث المقالات

أحدث المقالات