18 ديسمبر، 2024 8:41 م

حـي التنك.. حديقة أورويل

حـي التنك.. حديقة أورويل

ولدت وفي فمي “خاشوكة” ذهب، هكذا قسم الله أشكره وأحمده.. جل جلاله، وتسامت حياتي عبر مراحل الرفاه إرتقاءً بين شهادة أكاديمية ووجاهة إجتماعية ومميزات فطرية ومكتسبة جعلتني شجرة مباركة أصلها ثابت في بغداد وفيؤها يتفرع في الاردن وأمريكا ويلاد تفتح ذراعيها مثل شهقة طفل يتذوق طعم الحلوى صباحاً.

الشهادات والمكانة الاجتماعية والأصل النبيل أضفت على شخصي رفعة جعلتني سيدة مجتمع وآنا آنسة.. قبل أن أتزوج، الأمر الذي بوأني الصدارة.. رائدة في المجتمع، والرائد لا يكذب أهله.. لا يكذبهم من حيث يصارحهم بما يرى وينصحهم بما يفيد ويتبسط معهم، لا يلهيه عنهم كرم الأصل ولا يشغله رفاه العيش عن الشعور بهمومهم والإحساس بمعاناتهم.. العيش الكريم ليس برجاً فاصلاً بين فضاء بنت الذوات وقاع أبناء الملحة؛ فكلنا لآدم وآدم من تراب، وإن لم يكن أخاك في الدين فنظيرك في الخلق.

ذلك ما جعلني قلقة النوم على أسرة وثيرة وسط برج محلق في الفضاء.. من فوق الثريا أتأمل آلام المدفونة أرواحهم تحت الثرى.. موتى وإن بدوا أحياءً.

عين الطائر التي تأملت مجتمعي بها أشاطره نصف الألم وبعضاً من النصف الآخر، أرتني حي التنك يجثو على مساحة خمس كيلو مترات مترامي الأطراف، من نهاية حي الرشاد الى حدود ديالى.. نثار بيوت كأن مارداً مهولاً ألقاها بإهمال فإمتدت عشوائياً تنبسط صرائف طين وحصران وقطع خشب مقوى وفي أحسن الاحوال “سندويج بنل” متشظ ومتهرئ وقذر لا يقي من حر الصيف ولا يدفع برد الشتاء، أجساد السكان إكتسبت مناعة من الأمراض الناتجة عن الغرق في مستنقع الاوساخ وقسوة ظروف المناخ، ومن يعجز جسده عن إكتساب المناعة يموت وذووه قاصرون.. فقراً.. عن مساعدته.

فـ “أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء”؟ أليس هؤلاء مواطنون بحكم القانون مكفولين دستورياً!؟ أم الدستور مأخوذ من نصوص قرارات جورج أورويل، في روايته “حديقة الحيوان” الكل متساوون لكن البعض أكثر تساوياً.

وفي المسكوت.. عنه غير مدون على لائحة دستور “حديقة الحيوان” الكل أقل تساوياً من “البعض” القاطنون في المنطقة الخضراء من حديقة أورويل.