قصة قصيرة
تــوسـلتها ألّا تأتي،فالغابة موحشة هذه الأيام …مقفرة…ألا من جلبة بعض الحيوانات المفترسة..ومايجعل الغابة أكثر خطورة هو موسم تزاوج الذئاب…فهي تميل؛أي الذئاب؛ الى العنف والشراسة هذه الأيام بفعل أرتفاع هرمون التستستيرون…لكنها أبت الا أن تتجاهل خوفي عليها…وتركب الخطر…..غير آبهة بما قد يحدث لها..!!
تهور…؟؟!!
شجاعة…؟؟!!
أم بفعل الحب ….وعنف الحب؟؟!!
لست أدري….؟! ولست ادري ايضا لماذا أحبتني بهذا العنف…وتعلقت بي الى هذا الحد..!!
لساني معسول فقط…أمتلك مشاعر صادقة….وغير هذا لا أمتلك الا كوخا في عمق الغابة يقع بالقرب من جرف نهر !! يرسم كوخي وجرف النهر تحت أشجار الصفصاف لوحة سوريالية ملهمة جعلتني شاعرا…ورساما….وعاشقا…. فصرت أنقطع اليه معظم أيامي… أستمتع…وأتعبد شعرا…ورسما…وعشقا..!!
عند البرد أستمتع بشي الكستناء.اليوم ،وقد أصرت حبيبتي على القدوم،أوقدتُ نارا فصارت الى زرقة جميلة…. تتخللها؛بتصارع اللهب الهادئ؛ خويطات برتقالية رفيعة جدا…أخترتُ أجمل حبتيّ كستناء : واحدة ممتشقة تشبه جسد الغزالة…ناعمة الملمس… لو قيض لها أن تنقلب بشرا لأنقلبت أميرة جمال فارعة الطول ممشوقة القوام هيفاء بخصر ليس أهيفا فحسب،بل منحنيا كراقصات البالية وهنّ يرقصن متميعات كالبجعات…. وأخرى خشنة الملمس أكبر من الأولى تشبه رأس الثور…
وضعتهما فوق النار بهدوء فأخذن يتراقصن كعصفوريْ حب شرعا يتزاوجا في واد أمازوني….أو طيري كاناري ملونين يتقافزان فوق غصين اخضر…
انتظرتها بقلق هذه المرة…..فالغابة فعلا مقفرة يقطعها صفير الهدوء… وبعيد الظهر تنقطع الحركة نهائيا الا من زقزقات العصافير….وبقبقة ذكور الحمائم…وغناء البلابل… وعواء الذئاب المتباعد والمتقارب….وصراخ القرود …واصوات مختلطة لحيوانات يسمع صوتها هنا وهناك ولاترى…!!
تلمكني قلقا كبيرا هذه المرة…. وانا اشاهد حبتي الكستناء وهما تستجيبان الى زرقة اللهب الهادى الذي كان يقبلْ بسكينة شبكة الحديد التي وضعت فوقها حبتي الكستناء : الجميلة الناعمة التي تشبه عويد الخيزران والاخرى التي تشبه رأس الثور….
تعلق حبيبتي بي الى هذا الحد….أندفاعها نحوي بهذا الجنون…وأستعدادها حتى للتضحية بنفسها مقابل سويعة معي نقضيها ونحن ندّلي رجلينا في جرف النهر منصتين بأذني عاشقين الى خرير ماءه…وغناء البلابل الثملى….وهديل الحمام…. جعلني أقرر الأقتران بها ثم الزواج منها بنفس الوقت..
أحضرت القرآن الكريم ووأقدت شمعتين واحدة بيضاء تطلق عطرا…وأخرى صفراء تمتص العطر……فستان حبيبتي الابيض كان رداءا اخطته من ورود واغصان وطرزته باوراق الشجر الداكنة الخضرة…. كانت تعشق الطبيعة….أني اعرف حبيبتي!!! ستفرحها جدا المفاجأة…خبر اقتراني بها… وشكل الفستان..!!
وأنا منشغل بتهيئة طقوس العرس في كوخي الخشبي الصغير جذبت انفي رائحة شيء يحترق…!! اجلت بناظري فأذا بحبتي الكستناء تحترقان أو تكادا.أزحت الناعمة الجميلة بعيدا عن النار بعجالة ثم أدركت بان حبيبتي في خطر فعلا…!!….
أستلّيْت حربتي الماضية النصل وهرعت مسرعا نحو الطريق…..سمعت عواء الذئاب بصوت يوحي لبعضها البعض بأن ثمة فريسة هاهنا…أدركت عندها بأن حبيبتي قد دخلت الغابة فعلا….تصاعد صوت الذئاب كأنها تهجم على فريسة…اقتربت أكثر فسمعت صوت مدللتي تصرخ بعد أن بدأت الذئاب تنهشها. قفزت بكل ماأوتيت من قوة فطعنت كبير القطيع في بطنه وشققتها في الحال…هاجمني ذئب آخر فسددت له ضربة قاتلة في رقبته…اسعفتني جدا حربتي الماضية النصل مع أني ماأستخدمتها يوما!!!آخذت المبادرة أنا نفسي فهجمت على الثالث فطعنته لكني جرحته فقط!!! عندما أدركت الذئاب رباطة جأشي ودفاعي المستميت ثم ولّت هاربة.. وتلاشت بين الاشجار الكثيفة……حبيبتي كانت تنزف كثيرا عانقتها قويا وعنّفتها بنفس الوقت..!!
أجابتني بتثاقل وهي تتألم كثيرا….أتفهمك ياحبيبي لكنك لاتعرف…؟؟!!
ماأن أدخلتها الى الكوخ حتى وقعت عيناها على فستان العرس والشمعتين والقرآن فعرفت باني بادلتها نفس المشاعر….وأني اكراما لحبها قررت الزواج منها….عانقتني بكل قوة وهي تتأوه من كثرة الجراح…جلستُ على الأريكة وأجلستها بحضني محاولا أن اضمد جراحها.أوقفت يدي ثم قالت :لاعليك ياحبيبي…لاأظنها تجدي نفعا…….فقط أتمم طقوس الزواج ورتل الفاتحة فأني أشعر بان روحي في طريقها الى أن تفيض الى بارئها..!!
امنيتي كانت ان اكون زوجة لك وها إنــّك ياحبيبي تحقق لي اياها….وصيتي لك ياحبيبي أن تدفنّي بين بيتنا الصغير هذا والنهر…. ووصيتي أن تلبسني فستاني هذا قبيل أن تفيض روحي…أريده أن يدفن معي….!!ولاتنسى أن تعزف الناي عند قبري كل فجر…!!
حين ثخنت جراحها شدتني بكل عنف اليها ….عانقتها بنفس القوة نظرت الي بكل حب وهي مبتسمة ثم قالت :
قـبّـلني ياحبيبي فكم كان يطيب لي أن أشهد هذه اللحظة…..قبلني فالروح قد خرجت قبلتها مغرورقا كئيبا ثم وقعت عيني على حبة الكستناء الجميلة وجدتها قد أحترقت بالكامل فعمدت الى حرق الاخرى…شهقت حبيبتي فثابت روحها الى بارئها وهي بأحضاني …!
أخرجت الناي فعزفت بحرقة اكراما لحبها …!!