لاشك في أن الحرب على الآثار العراقية التي يشنها داعش هي مكملة لتلك الحرب التي رافقت الحملة العسكرية على العراق عام 2003 وتوجت باسقاط النظام الدكتاتوري فيه.
فقد خسر العراق كثيرا من اثاره في تلك الحرب بعد اقتحام المتحف العراقي من قبل لصوص متخصصين سرقوا (15) الف قطعة من اثاره النفيسة .. المتحف العراقي الذي يُعد واحداً من أهم المتاحف العالمية لا بحجمه وتنظيمه وطريقة عرض موجوداته ، وانما بما يحتويه من اثار فريدة واصلية تعود لحضارات وادي الرافدين قل نظيرها في العالم .
الجهود فيما بعد وفقت لاستعادة اكثر من أربعة الاف قطعة متحفية ، وما زال البحث جاريا لاستعادة حوالي أحد عشر ألف قطعة اخرى .. هذه المأسات لم تنس رغم مرور اثنى عشر عاما عليها .. الجرح العراقي نزف مرة اخرى عندما بدأ تنظيم داعش باستهداف الاثار العراقية في مدينة الموصل ، بعد ان استولى عليها في العاشر من حزيران عام 2014 . فقد هدم المساجد والمعابد لمختلف الاديان ، ودمر الكنائس ، واحرق المكتبات والكتب النفيسة ، وهرب الاثار والمخطوطات لدعم آلته الحربية .. وجريمته بهدم مقام النبي يونس عليه السلام خير دليل على وحشيته وهمجيته .
نحن اليوم امام حرب فعلية على الاثار العراقية ، فقد أقدم هذا التنظيم الاجرامي على تدمير متحف الموصل ، وحطم الآثار فيه ، وشوه معالمه ولم يبق فيه معلما ولا تمثالا ولا شاهدا أثريا .. وزارة السياحة قامت وكرد فعل على هذه الحرب القذرة بافتتاح متحف بغداد ، بعد سنين طويلة من اغلاقه حيث شهد تأهيلا واعمال صيانة لمعظم قاعاته.
واخر جريمة ارتكبها هذا التنظيم هي قيامه بتدمير وتجريف مدينة نمرود الاثرية ..عاصمة الاشوريين التي يعود تأريخ دولتهم الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد .. والجريمة تمت في وضح النهار يوم الخميس الموافق للسادس من شهر اذار 2015 ويبدو انها اتت كرد فعل لتغطيه هزائمه في محافظة صلاح الدين على ايدي ابناء
القوات المسلحة وبمساندة الحشد الشعبي وابناء العشائر في المحافظة .. ولتحويل الانظار واهتمام وسائل الاعلام عنها.
مدينة نمرود الاثرية التي انشئت على ضفاف دجلة جنوب الموصل بما يساوي 30 كم تدّعى علميا بـ (كالح) وهي واحدة من أهم أربع عواصم آشورية اعتمدتها الممالك الآشورية المتتالية فهناك ثلاث مدن اخرى مهمة هي (آشور، ودور شروكينو، ونينوى) اسسها آشور ناصر بال في القرن التاسع قبل الميلاد (883 ـ859 ) ق.م ، هذه المدينة سبق ان تعرضت الى التدمير عام (612 ق.م ) على يد الكلدانيين والميديين ويبدو ان قدرها ان تدمر ثانية على يد الدواعش الجهلة في العام 2015 اي بعد مضي( 2388 ) عاما ، أُولى عمليات التنقيب في المدينة جرت عام 1846م على يد الدبلوماسي والاثاري البريطاني (السير استن هنري) وتم الكشف عن قصر كبير وتحصينات تحيط بالقصر اضافة الى مجموعة كبيرة من المنحوتات الحجرية ، وبعض المشغولات العاجية ، ومسلات وتماثيل ضخمة في العام 1955م ، ويعد كنز النمرود الذهبي واحدا من أهم المكتشفات الآثارية بعد المقبرة الملكية في اهرامات مصر. كما تم الكشف عن رُقم مسمارية عليها نصوص تحوي عهود الولاء التي قدمها الحكام التابعين للدولة الآشورية للملوك الآشوريين .. فضلا عن ان عاجيات النمرود تُعد احدى أهم المكتشفات الأثرية الآشورية وهي محفوظة في المتحف البريطاني .. وقسم منها محفوظ في المتحف العراقي وقد سعت وزارة السياحة والآثار على صيانتها بالتعاون مع الجانب الايطالي . العالم كله أدان جرائم داعش التي أُرتكبت ضد الارث الحضاري العراقي ، كما ان منظمة اليونسكو اعتبرتها جريمة حرب ، وأعدت الجامعة العربية مشروع قرار لادانة الاعتداءات والوقوف مع العراق في حربه ضد داعش ، الموقف الملفت للانتباه ، هو الموقف الايراني حيث اغلقت ايران متاحفها احتجاجا على تدمير متحف الموصل ، وهو اجراء لم تتخذه اية دولة عربية ، تُدعى شقيقة ، او اية دولة صديقة اخرى .. حرب الآثار ضد العراق مستمرة ، وقد تطال مواقع آثارية أُخرى في الموصل .. فالحذر الحذر من هذه الهجمة الهمجية على شواهد تأريخنا.