23 ديسمبر، 2024 12:30 ص

حضور الفلسفة في الزمن التاريخي 

حضور الفلسفة في الزمن التاريخي 

” كل نقد حقيقي وثاقب يعطي هو في حد ذاته ، من هنا فصاعدا، وسائل التقدم ويؤشر بصورة نموذجية الطريق نحو غايات ووسائل حقيقية، وبالتالي، نحو علم صالح بصورة موضوعية”1[1]
قد يؤدي اختلاف الأنساق الفلسفية من حيث المصدر والمنهج والوظيفة وتنافسها حول خدمة الأوضاع البشرية واستحواذها على منطق المعنى وتكلمها بلسان الحقيقة ودفاعها عن الديمقراطية وصراعها الدائم على المشروعية إلى إعادة الاعتبار للفلسفة ولا يمثل حجة ضد التفلسف ولا يمكن اعتباره أحد الأسباب المقنعة لكي يتم تغييب الفيلسوف عن الشأن العام.
الفلسفة لا تظهر في الحياة الروحية لشعب معين بصورة فجئية ولا تطلع من باطن الأرض طلوع الفطر وإنما موجودة في التاريخ الحي للناس ومتغلغلة في تصوراتهم للوجود ومختلطة بتراثهم المادي وتقاليدهم الأدبية وكل ما تحتاجه لكي تتدخل في شؤونهم وتفرض عليهم توجيهاتها هو أن تحظى بالاحترام والتقدير من طرف الأصدقاء والأعداء على السواء وأن يوجه لها الدعوة وتجد من ينصت إلى خطابها ويفهم قولها.
لا تنتج الفلسفة معرفة ذاتية بالأحداث التاريخية وتنظر إلى الواقع الاجتماعي من زاوية النسق المعرفي وإنما تدفع بالفيلسوف إلى قلب الصراع الاجتماعي من أجل العدالة وتسمح له بالاستعمال العمومي لملكة العقل في التاريخ الحي بطريقة منهجية وحرة من أجل الاشتراك في نقد الأوضاع المادية المزرية التي يمر بها الإنسان والسعي نحو تغييرها الى مرتبة أرقى.
لا تريد الفلسفة من أصدقاء المفاهيم التدرب على إتقان لغتها والإبحار في دروبها الوعرة والانتصار إلى المعقولية المنطقية في الخصومات المعرفية مع الواقع المعقد وإنما تطلب منهم التدرب على فن التفلسف والتربية على التفكير والنقد والحرية والاستزادة في العلم. 
لا تهتم الفلسفة من حيث المبدأ بالجوهر والماهية والوجود والذات والمثال والكل والمطلق والأبدية فحسب وإنما تحرص من جهة الواقع على انتشال المنسي والتقاط المهمل وإيقاظ الوعي وإحداث الصدمة وتحريك السواكن ورسم الحدود التي تفصل بين مجالات الظن والكذب والقبح ومجالات الصدق والحق والجمال.
في هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن “الحكيم هو الإنسان القادر على الإجابة بطريقة مفهومة، وحتى مطمئنة، على كل الأسئلة التي يمكن للمرء أن يطرحها عليه حول موضوع أفعاله، ويجيب بالكيفية التي تشكل مجموع إجاباته خطابا منسجما… إن الحكيم هو الإنسان الواعي بذاته بصورة ممتلئة وتامة…”2[2]
يفترض أن ينخرط الفيلسوف في تجربة فهم الإنسان من جهة وجوده في العالم وأن يهتم بوصف التجارب المعيشة التي يمكن للمرء أن يشترك فيها مع غيره خارج إطار الروابط الواحدية والأساليب الميكانيكية. كما يطلب من الحكيم النزول من جدل الصعود الى مسطح المحايثة والاهتداء بذبالة النور المنبعث من ضياء فانوسه وسط النهار بغية تحديد البوصلة.
لا يقدر الفيلسوف أن ينفصل عن زمانه ولا يمكنه أن يتنصل من مجتمعه على الرغم من دعاوي الكونية التي تراوده وبالتالي يظل يتحرك ضمن مطلبية قطاعه وخصوصية ثقافته ويحضر بغيابه في فكر لغته. من المعلوم أنه يحبذ الفيلسوف الظهور المسالم ضمن إطار الممارسة في أزمنة الحروب وحقبة الصراع العادل من أجل الحرية وينتصر إلى النصوص البركانية والخطاب الناري في عصور التعايش السلمي وأوقات الاستقرار الاجتماعي.
من هذا المنطلق لم تبارح الفلسفة مجالها الجوي بعد ولم تتصالح مع عصرها ولم تتحالف مع مجتمعها ولم تقم بماهو مطلوب منها من عقلنة وأنسنة وتمدين وظلت تنظر إلى قوانين الفكر ومبادئ العمل وتؤجل بصورة غريبة المبادأة ولا تهتم بقضايا الالتزام والتنوير العمومي.
 لكن إذا كانت السيطرة متأكدة للرداءة والخرافة والجهل والتقليد والتعصب، فكيف يجعل الحكيم في الحضارة السائلة من الفلسفة أمرا راهنا؟ هل يرغب في الاعتراف باللامحتمل؟
المراجع:
1-   Husserl (Edmond), la philosophie comme science rigoureuse, 1910,  traduit par Q. Lauer, édition PUF, Epiméthée , Paris,1954, §11.
2 – Kojève ( Alexandre), introduction à la lecture de Hegel, édition Gallimard, Paris, 1947,p271.
 كاتب فلسفي

[1] Husserl  (Edmond(, la philosophie comme science rigoureuse, 1910, traduit par Q. Lauer, édition PUF, Epiméthée , Paris,1954, §11.
[2] Kojève ( Alexandre), introduction à la lecture de Hegel, édition Gallimard, Paris, 1947,p271.