23 ديسمبر، 2024 10:16 ص

حضور الفقدان في النص السردي النسوي – القاصة رجاء الربيعي مثالاً

حضور الفقدان في النص السردي النسوي – القاصة رجاء الربيعي مثالاً

يرى باختين أن الأجناس الأدبية ، ليست أشكالاً جمالية فحسب ، بل هي أيضاً ( أشكال عميقة من أشكال التفكير) ولما كان النص السردي جنساً أدبياً مهماً بدأ ـ ربما ـ يبز الشعر في الوقت الحاضر؛ فإذن تتمثل فيه بنية قارة من بنى التفكير ، على أننا هنا نذكر أن السرد يحمل لواء الإبلاغ . ووصلاً بما سبق تتمثل في النص السردي الذي تبدعه القاصة رجاء الربيعي نمطية الاندماج بما هو جمالي ، وما هو تفكيري وهذا لا يتأتى من الانغماس في المشاهد التخييلية فحسب ؛ وإنما بوجود شاخص واقعي حياتي معاش ينم عن ثيمة الفراق ، توظفه القاصة في نصها السردي ، كما في قصة ( الدنكش ) حيث نسيج العبارة الوجداني ( وهل بيته واسع مثل بيتنا ) و ( هل سحقت الدبابات الإسفلت هناك كما سحقته هنا ، وكما الرؤوس تقطعت هنا ) إذ برزت الجمل ذات الأفعال الكلامية التي صنعها الاستفهام التصديقي ، ضمن بنية مقارنية بين جغرافيا الأمكنة المتباينة والمتفارقة التي جعلت التراجيدي ، هو المهيمن في النص ؛ فغالباً ما تأتي الأمكنة في نصها السردي ذات طابع شمولي يتسم بالسعة والرحاب ( تركوني وحدي في هذا الكون الفسيح ). في قصص رجاء الربيعي يظهر لنا البطل الضدي المأزوم نفسياً واجتماعياً ؛ لأن القاصة لا تختار أبطالها من عالم المثال ، بل من عالم الواقع المحلي المأزوم بشتى المشكلات     ( قتلوا أخي وأذاقوني مر العذاب ) و ( انفصلنا ومازلت أنعم بدفء لحظاته … فأخفق ) إذ تحضر ثيمة الفراق والموت بشدة في نصها السردي ذلك ؛ لأن السرد ما هو إلا عملية تركيب مستمرة لتجربتنا المعاشة أو المشاهدة لسوانا ، بمعنى أن النص المطروح يتجاذبه وعي متصل بالمحيط المعاش المؤلم ، ولعل هذا ما يجعل العبارة ذات نسيج سردي / شعري ( أمتأكد أنك لم تشتق لمسكة ورد تتمزق بين يديك ) و ( لا تسمح لي أن أكفكف دمعي بوجهك ) و ( سنابلك التي لن تنثني فاطوها الآن إليك ودعها تتوضأ بخيالك ومشاعرك ) إذ تعمد القاصة إلى توظيف ثنائية ضمير الغائب / الحاضر ؛ محاولة منها للدفاع عن ذاتها وذوات الآخرين وتعليل تصرفاتهم ، ولاسيما الذين يقعون تحت وطأة الظروف القاهرة التي تستدعي من المتلقي التعاطف معها ، ولعل هذا التعاطف يمتاح من الأنثوية الموجودة في نصها الأنثوية العراقية الباحثة عن الدفء والأمان ، الأنثوية التي تقصدت فيها القاصة أن تضفي على جمالها جمالاً تشبيهياً واستعارياً ( حين أغفو على راحتيك مثل أرنب ناعم أو مثل دمية دبت فيها الروح ) إن التعامل مع المرأة تم على أساس أنها الكائن الذي يقع عليه فعل الفقد والفراق ، كما في قصة حلم بطعم الحياة التي تبرز فيها نكوصية الحياة المفاجئة ، فالمرأة السعيدة مع زوجها الذي أكله الانفجار ولفظه نثاراً فـ ( لم تجد منه شيئاً إثر الانفجار الذي صادف تواجده في شارع مزدحم ) إن البنية النصية تقع ضمن الجغرافية المألوفة التي أصبحت خبزاً يومياً نلوكه بمرارة ، لكن المفقود / الزوج ، لم يزل يكبر في داخلها ( ويكبر ويتألق في مشاعره معها ) إذ يتعلق النص بلغة موجهة هي بنية استمرار الحياة ، على الرغم من ذلك وعدم اليأس للوصول إلى عملية توازن نفسي ، وقد جاءت الورود ضمن سياق المناسبة المختلفة ، فالزوج ذهب لشراء ورود لزوجته وإذا بهذه الورود قد ( تناثرت فوق جسده المتفحم .. فقط بقيت الزهور هنا وبقي هو فيها ؛ لأنها تحمل منه صبياً كان ينتظر وصوله بلهفة الأب الحنون ) ويبدو أن القاصة رجاء الربيعي تنشد انشداداً قوياً نحو المحيط ، وترتبط به ارتباطاً محكماً ولاسيما قضاياه الواقعية . إن ما عاشته المرأة المكلومة بزوجها جعلها تماهي بين الحلم والحياة ، فقد قلبت القاصة العنوان في نهاية القصة ، فالعنوان وسمته القاصة بـ ( حلم بطعم الحياة ) وجاءت خاتمتها ( وستبقى تحلم لأن الحياة حلم ) أي أنها متلاشية وأن هذا التماهي قد تشاطر مع التبدلات المضمونية للقصة ؛ إذ إن نصف القصة حياة ونصفها موت ، لكن الموت تحول إلى حياة عن طريق الحلم لكي لا تعطي القاصة صفة سالبة لهذا التبادل الحدي بين الحياة والموت ضمن مفهوم الحضور والغياب ، الذي تمترست خلفه القاصة وزرعت خلفه الأمل ضمن متوالية الألم العراقي الأبدي .