23 ديسمبر، 2024 10:58 ص

حضور ارواح لوبون في المشهد العراقي

حضور ارواح لوبون في المشهد العراقي

فَتحَ الفرنسي كوستاف لوبون باب علم نفس الجماهير على مصراعيه امام الباحثين عن سبر أغوار الحركات الشعبية والدوافع السيكولوجية التي تجعل من الجماهير تملك ايمانا عميقاً و لاوعياً جمعياً واحدا يُحدد انفعالاتها وسلوكها ويساهم في ترسيم خطاها الثورية ونظرتها للحياة واختيار ممثليها.
 و ساهم لوبون من خلال مراقبته لسلوك الجماهير الثائرة في اثارة الجدل حول سر احتفاء الجماهير والتفافها حول شخوص رمزية , دينية كانت او وطنية او قومية رأت فيها المعبر الحي عن ذاتها الجامعة كـ هتلر وموسليني وجمال عبد الناصر وجيفارا واخرين , ويوضح  لوبون في محاولته لفهم السلوك الجماهيري الى ان لاوعي المجتمع يقع تحت تأثير ثلاثة أرواح اجتماعية هي العرق والطائفة والطبقة الاجتماعية وان الرمز سواء كان القائد او الكاهن يذهب الى النفخ في احدى هذه الارواح فتلتف من حوله الجماهير وتنتخبه كمعبر شرعي عن ذاتها .

  وحين نحاول ان نسحب هذه النظرية على الواقع العراقي سوف نرى ان هذا الواقع ما بعد 2003 قد افرز رموز دينية طائفية وعرقية ساهمت في احياء روحين من أرواح لوبون الثلاثة تسيدتا الموقف العراقي وساهمتا في تشكيل واقعه الدموي الذي نجني اليوم ثماره خيباتاً وويلات , وهما روح العرق وروح الطائفة , فالعراقيين بعد 2003 اختاروا ان يكونوا اكرادا (روح العرق) وسنةُ وشيعه (روح الطائفة) , وأهملوا تماما روح الطبقة الاجتماعية التي لو شاء قدر العراقيين ان ترى النور بعد زوال نظام البعث لكان العراق اليوم يسير باتجاه البناء والأعمار والسلام , فالطبقة الاجتماعية تُمكن الجماهير من ان تتوحد خلف مصالحها فقط عبر أنشاء أحزاب ونقابات وتيارات فكرية تضع مصلحة أبناء الطبقة الاجتماعية على قمة اولوياتها وتذهب الى التنافس مع باقي ممثلي الطبقات من اجل تحقيق المكاسب , التنافس الذي يُثمر في الاخير عن بلورة هوية وطنية واعدة ومصلحة جميع ابناء البلد حيث ترتبط مصلحة المهندس في محافظة الانبار مع مصلحة المهندس في ميسان وكذلك الطبيب والفلاح والمحامي , هذه المصلحة الاقتصادية التي لا تقوى الهويات الفرعية بتشكيلاتها الحزبية عن احيائها على ألأقل هذا ما لمسناه خلال السنوات العشرة المنصرمة من عمرنا وعمر العراقي الدامي . من يُحيي فينا روح الطبقة الاجتماعية كي ننجو من محنتنا ؟