بعد ظهور داعش اتخذ المجتمع العراقي نمطاً اجبارياً تولد عن ردة فعله تجاه فعل تولد داعش، وتمثل هذا النمط العملي بتسلح اغلب القواعد الشعبية وكم كبير من الافراد، لأجل مجابهة هذه الحالة الاستثنائية ودفع اضرارها ما أمكن، فأدت هذه العملية الى خلق مجتمعاً عسكرياً وظهور قيادات عسكرية نظمت هذه المجاميع والافراد. فأمسى اغلب افراد الشعب العراقي جنوداً مقاتلين، وأصبحت كل قيادة جماهيرية كبيرة كانت أم صغيرة جيشاً عسكرياً لديه أسلحته وتمويله وقياداته ومراتبه وكل ما يحتاجه الجيش النظامي، وحتى أن بعض الكتل الحزبية او الدينية اجبرتها مرحلة داعش على تأسيس جناح عسكري لأجل مجابهة هذا الخطر المحدق كما حصل مع الاخوة المسيح والايزيديين.
وبما ان الدول الإقليمية والعالمية كان يهمها التعامل مع ظاهرة داعش بأي نحو كان – سلباً أو ايجاباً – واحتياج القيادات العسكرية غير النظامية الى دعم خارجي، أصبحت اغلب التكتلات العسكري مرتبطة بقوى خارجية.
فتكونت صورة جديدة للمجتمع العراقي متمثلة بمجتمع عسكري يقاد من قبل عدة قيادات لكل منها أهداف ومصالح تختلف عن بعضها البعض، بل قد تتضارب وتتعارض في بعض الأهداف، وهنا تكمن أشد المخاطر، حيث من السهل لأي جهة ان تشعل حرباً داخلية لا تبقي ولا تذر، فكل المقدمات للحرب الداخلية وافرة ولا يحتاج طالب الحرب الا الى فعل واحد وربما كلمة واحدة يشعل من خلالها حرباً تستمر عشرات السنين.
ان وجود عدة قيادات وجيوش في بلد واحد هو تقويض لسلطة الدولة قوةً أو فعلاً، خاصة مع وجود جيش نظامي ضعيف؛ وهذا الضعف ليس من جهة قلة السلاح او نوعية التسلح، ولا من جهة أن الجيش النظامي تأسس على أسس مادية والجيوش الغير نظامية تأسست على أسس عقائدية؛ وانما المنظور له هنا هو أن اغلب افراد الجيش النظامي تابعين لتلك الجيوش غير النظامية وأن ولائها لقياداتها العقائدية اكبر من ولائها للدولة، فلا تستطيع الحكومة -والحال هذه- أن تفرض شيئاً على هذه القيادات أو من ينضوي تحت جناحها انما له ان تتفاوض او تستجدي.
بين الحين والأخر نسمع أصوات عقلائية تطالب بحصر السلاح بيد الدولة!….. اعتقد ان المسألة ليست بهذه البساطة، بل هي اعقد مما يتصور البعض؛ وذلك حينما يكون السلاح بيد مجموعة افراد أو بيد حزب معين واضح الحدود فالأمر هين، أما ان يكون السلاح بيد جهة مرتبطة بدولة إقليمية او عالمية فالأمر في غاية الصعوبة.
ان التكتل العسكري او الجناح العسكري في الحزب السياسي إن كان مرتبطة بدولة خارجية فهو امتداد لجيش تلك الدولة، هو قسم في وزارة دفاع تلك الدولة، فتجريده من عسكريته يقتضي تجريد تلك الدولة من قوتها العسكرية!!!.
ان القوة العسكرية غير النظامية حينما استفادت من الدول الأخرى في مرحلة حرب داعش، فهذا لا يعني حصول عمل مشترك مرحلي ينتهي بنهاية الحرب! بل هناك ارتباطات من الصعب الانفكاك عنها، وتكونت اهداف مشتركة، فالقوة العسكرية المرتبطة بأمريكا او تركيا او إيران او السعودية او غيرها من الدولة المستفيدة ليس بإمكان الحكومة العراقية ان تنزع سلاحها دون التفاوض مع تلك الدول وتقديم تنازلات أن لم تكن أكبر من تلك القوة العسكرية فبحجمها.
ان مسألة حصر السلاح بيد الدولة لا يمكن تحقيقه في هذه المرحلة الضعيفة للدولة، وخاصة وان اغلب دول العالم الان تبحث عن موطئ قدم عسكري في أي بقعة من الأرض فكيف اذا كانت هذه البقعة هي العراق! وهم يعلمون ما هو العراق وان كان اصحابنا يجهلون ذلك.
اما ان كانت الحكومة العراقية تفكر بالطرق الأقصر لحصر السلاح، أعني طريق فرض القوانين الشمولية واستخدام القوة في تطبيق هذه القوانين، فسوف تفشل لا محالة بعد ان تسيل دماء لا حد لها ولا حصر. وحتى لو لجأت الحكومة الى المرجعيات الدينية، ووافقت هذه المرجعيات إرادة الحكومة فان ذلك لن يؤثر اكثر خمسة عشر الى عشرين بالمئة؛ لان الولاءات تبدلت وكثير من العقود حُلت، واصبح اكثر المجتمع وخاصة العسكري ارتباطه بالقيادات المباشرة اقوى من ارتباطه بالقيادات العليا، وقد تعمل هذه القيادات الى تسقيط أوامر المرجعيات وبالتالي عزل القيادات العليا عن قواعدها.
خلاصة القول: مسألة حصر السلاح بيد الدولة مسألة من الصعوبة بمكان، وليس بإمكان الحكومة الديمقراطية إيجاد حل جذري ودُفعي في القريب، انما تحتاج الى خارطة طريق طويلة نسبياً يكون لكل تكتل عسكري برنامج خاص به تبعاً لظروفه وملابساته وعمقه في الساحة المحلية وامتداده لخارجها، اما فرض قوانين شمولية فلا اظن سيكتب لها النجاح.