18 ديسمبر، 2024 11:53 م

حصتنا من خفي حنين؟

حصتنا من خفي حنين؟

من غير المعقول ان يبذل الفرد جهدا يرافقه بذل مادي وتحضيرات عديدة، مقابل أمر لايعود بنفع ملموس او محسوس، او تحقيق غاية انسانية له او لغيره. وإلا فعمله ووقته وجهده ذهبت أدراج الريح، وكأنها والعدم سيان. فالعمل من دون غاية وجدوى هباء، كالكلام من غير فحوى ومعنى، وهو بهذا يحاكي شاعرا لم يحقق من قصيدته الفارغة، إلا الوزن والقافية والتي من أبياتها:
الأرض أرض والسـماء سـمـاء
والمـاء مــاء والهــواء هــواء
والمـاء قيل بانـه يروي الظـمـا
واللحـم والخبز للسـمين غـذاء
ويقال ان الناس تنطق مثلـنــا
أمـا الخـراف فقولـهـا مأمـاء
كل الرجال على العمـوم مذكـر
أمـا النسـاء فجميعهن نسـاء
ماذكرني بهذا، هو ما تؤول اليه أغلب إجتماعات سلطتنا التشريعية في برلماننا العراقي، التي عادة ما تأخذ من الوقت طويلا، ومن المال كثيرا، ومن الوعود سرابا، ومن الآمال خيبة، ومن الاعتماد خذلانا، ومن الثقة زعزعة، ومن اليقين شكوكا، في الوقت الذي ظن العراقي ان حلمه في العيش كباقي شعوب العالم، بات على وشك التحقيق. فما اقرب تلكم الأبيات الجوفاء التي لا صدى لها، مما يحدث في ساحتنا العراقية، حيث لاجدوى من الإجتماعات والجلسات، رغم ثقلها الاجتماعي والرسمي والشخصيات والـ (صماخات) التي تحضرها و (تترأسها).
ومن البديهي عند العراقيين ان تكون الحصيلة من تلك الاجتماعات صفرا او صفرين او احيانا عشرة أصفار، كلها على الشمال (لاتهش ولاتنش) لاسيما عندما يكون الاجتماع لتقريب وجهات نظر او حل خلاف وهي بحمد الله كثيرة. فأول تلك الاجتماعات نوايا ومخططات تبدو للوهلة الأولى سليمة، ما إن تمر على الاجتماع سويعة إلا وتتعالى الأصوات والصيحات والمنابزات وغيرها من الملبوسات لاسيما الـ (جلدية) منها، فهي أقرب سلاح أبيض في متناول اليد. وتمر السويعات والفرقاء لايزدادون إلا تفارقا وفرقة، وكيف لا! وكل يبكي على ليلاه، وليس على ليلى العامرية اوالعراقية. وقطعا لايفوتهم التصنع بالوطنية وحب العراق فيعبرون عن التصاقهم بأرض الوطن، وفي حقيقة الأمر التصاقهم بالكراسي لاغيرها.
وكعادتهم تتوالى التأجيلات تلو التأجيلات، ولأسباب موضوعية او غير موضوعية، مقنعة او غير مقنعة، منطقية او غير منطقية، فهم في كل الأحوال لن يخرجوا بالسمين والمفيد بل بالغث والهزيل من القرارات. ولا أرى العراقي في حاليه؛ قبل اجتماعات ساسته وبعدها، بمنتفع منها لامن قريب ولا من بعيد، فالأمر كأبيات الشعر آنفة الذكر ليس لها معنى إلا الفراغ، وهو مايشعر به المواطن منذ عقود وكأن عجلة الحياة عنده قد توقفت، وباتت من غير معنى ولون ورائحة وطعم، وقبل هذا وتلك وذاك فإنها خالية تمام الخلو من أي جدوى أو فائدة تذكر. ولعلي لاأظلم أحدا إن شبهت اجتماعات أهم مجلس من مجالس الدولة، والذي من المفترض أنه يمثل المواطن، وينطق باسمه، ويحافظ على حقوقه، ويصون ثروات بلده، ويضمن مستقبله، ويحقق له الأمن والأمان واستقرار معيشته، فهل هذا ما معمول به؟ أم أن المصالح والمآرب هي التي تحكم، وهي التي لها الأولوية في المهام والواجبات، فشعار ساستنا ونوابنا منذ عقد ونصف العقد لم يتغير البتة، ذاك هو: (أنا ومن بعدي الطوفان).
ومافتئت في كل حرف أكتبه بحقهم واصفا إياهم لا ذاما، يشاركني فيما أنا ماضٍ فيه مئات الكتاب العراقيين، وبدورنا ننوب عن ملايين العباد ممن لم يعنهم قلمهم على النطق وإبداء الشكوى، وكلنا في وادٍ واحد، ونحمل المعاناة ذاتها. ومعاناتنا في بلدنا الجريح عملة بوجهين، الأول أننا نعاني مما نحن فيه من يوميات حياتنا، مقارنة مع بلدان لاتملك عشر معشار مافوق أرضنا وما تحتها من خيرات. والثاني وهو المؤلم والمحزن، أن شكاوانا مجتمعة لايسمعها من بهم صمم، فهم في شغل شاغل عن هموم العراقيين، ولهم فيما يعنيهم من أمرهم كل الاهتمام، أما المواطن فليس له حصة من إنجازات ساسته غير خفي حنين، ولعل خفي حنين هما الآخرين قد سرقا.