مع دخول القوات الأمريكية للعراق, وكجزء من حربها الإعلامية الهادفة الى طمأنة العراقيين وجعلهم يرحبون بقدومها, قامت بتوزيع آلاف القوائم التي تتضمن المواد الغذائية والمنزلية, التي سيحصل عليها العراقي بعد الاحتلال تجاوزت 64 مادة غذائية ومنزلية, ولم ينقصها إلا الجواري والغلمان .
تصور العراقيون حينها أن مصباح علاء الدين قد فتح لهم, وأن سنوات الجوع والحرمان ستنتهي, وإن ماكانوا يحصلون عليه في زمن النظام البائد سيذهب الى غير رجعة, وأنهم لن يروا الطحين المخلوط بعلف الحيوانات والقاذورات مرة أخرى, وسيشبع الجياع الذين كانوا يبيعون الفائض من حصتهم التموينية لتمشية أمورهم اليومية, وان سنين يوسف العجاف قد ذهبت الى غير رجعة, فقد جاء عهد جديد وحكام يريدون الخير لشعبهم, وسيعوضونه عن مامسه من ضر .
ولكن ما إن استلم الحكام الجدد, حتى تحول المارد الذي خرج من القمقم, الى حوت ابتلع قوت الفقراء, وصار علاء الدين والأربعين حرامي يسرقون غذاء شعب بأكمله غير خائفين أو وجلين, يمنون على شعب بأكمله بعلبة زيت مرة أو كيلو من السكر مرة أو تسع كيلوات من الطحين إذا تذكروا ذلك, وبلغت صفقات الفساد والتلاعب في الحصة التموينية مالا يمكن السكوت عليه, حتى من قبل الذين يحمون الفاسدين فقد بلغ السيل الزبى, فكان أن طار المارد بعد أن حمل أموال العراقيين, لينعم بها في الخارج .
ثم جاءت وعود تلتها وعود, والشعب ينتظر أن يحل ذوي الشأن معاناته, ثم جاء وزير تبعه وزير والوضع يسير نحو الأسوء, والتبريرات غائبة عن الأسباب التي تدعو الى عدم توزيع حصة المواطن التموينية, فساعة يعزون السبب الى تأخر البواخر في البحر, وساعة يردوها الى تأخر عقود الاستيراد ومرة الى نقص السيولة, وحين يصل المواطن النزر القليل, تجده فاسدا لايصلح حتى لعلف الحيوانات .
وعلى الرغم أن العراق حقق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح, وفيه معامل تغطي حاجته من السكر وزيت الطعام, إلا أن المشكلة مازالت نفسها دون ان يظهر لها حل في الأفق, وما زال المواطن العراقي يتسائل : ” حصتنا التموينية وين ؟! “