23 ديسمبر، 2024 2:37 م

حصانة قاتلي صحفيي الشرق

حصانة قاتلي صحفيي الشرق

زرته في بيته القديم الصغير المؤجر وسط العاصمة العراقية بغداد وإذا بوجه زميلي الصحفي العراقي شاحب مغمور بين ضفتي شعرات بيض معدودات تقاوم البقاء على رأسه ولحية كيئبة لم تحصد منذ ايام.
كانت سكارته رفيقنا الثالث طيلة ساعتي الزيارة ، قابلني بفرح وكأنه وجد ضالته في من يستمع اليه وهو يتحدث بحرية وصراحة ( السكران ) بعيدا عن الرصاصات التي تغتال الكلمة ، تلك الكلمة التي يراها هو  تسجد لكل انسان إلاها تخدمه وتقدسه ، تلك الكلمة التي تعادي العنف وقتل الانسان لأي سبب كان ، تلك الكلمة التي تنشر صور نزيهة حية عن آفاق حرية البشر وحقوقه وكرامته بعيدا عن تهديدات وضغوطات المحتالين وسارقي قوت وحرية البشر.
لم يكن صاحبي متزنا في مشيته بعد أن اثقلته كوؤس الخمر ، وهو الذي يسكن وحيدا في بيت متعب تغطي اثاثه القديم أتربة أجواء العراق وما جاوره من دول الشرق في مطلع القرن الحادي والعشرين.
قال لي : هل سمعت آخر الأخبار ؟
أجبته : كثيرة هي الأخبار ، ايهم تقصد !
قال : أتفق صحفيو العراق على الاعتصام والاضراب عن العمل لمدة يوم كامل إحتجاجا على قتل إثنين من الصحفيين العراقيين خلال أقل من اسبوع !
ثم أطلق صاحبي ضحكة إستهزاء عالية وطويلة النفس ولتنطلق على انغامها مسيرة من المياه الصافية اللون من يناييع عينيه الساخنة وليواصل القول :
السياسيون هم الذين يفخخون الاسواق والشوارع ويقتلون مئات العراقيين يوميا ، السياسيون هم الذين يغتالون اصحاب القلم ، السياسيون هم من يكرهون الحضارة و السلام ، السياسيون هم من يخدرون الناس لسرقة ثرواتهم وكرامتهم ، القلم والكامرات تكسر ، و( هادي المهدي ) يعدم ، وصحيفة ( الشعب ) تحرق كل يوم بساحة التحرير في قلب العراق ، أما من يسمون ب ( الصحفيين) فأغلبهم يقتاتون على وظائفهم في صحف ووسائل إعلام الاحزاب السياسية. 
أثناء مغادرتي بيت زميلي اوقفني وليخطب أمامي كلاماته الأخيرة التي ربما أراد بها إختصار ما في دواخله قائلا:
الطفل الرضيع حينما يبكي من جوع او من ألم فذلك هو عمل إعلامي صادق ونزيه ينقل صورة صحيحة لواقعه ، أما أغلب صحفيينا وإعلاميينا فهم أناس يبحثون عن لقمة عيش في أي صحيفة او وسيلة إعلام تأويهم كما ينتظرون بشوق مكافأة ( الحكومة ) وايفاداتها ومآدبها وهداياها وأراضيها أما الملايين المغفلة من الناس فلهم مناسكهم وصلواتهم لرب على حالهم يبقيهم ، ولأهل ( الكلمة ) العفيفة الناطقة بصور الواقع إطلاقات نارية تعدمهم وتفنيهم ، ولقاتلي صحفيي العراق قانون يحصنهم ويحميهم.