حصار صدام وحصار الشيعة

حصار صدام وحصار الشيعة

قبل اكتشاف النفط والغاز في مناطق كردستان ورغم السلوك العنصري لجميع الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق ، ورغم الثورات والانتفاضات الكردية ضد هذه الأنظمة، لم تلجأ أيا من حكوماتها إلى قطع رواتب موظفي ومتقاعدي كردستان . حتى نظام صدام الذي كان يمارس أفظع أنواع جرائم الإبادة البشرية ضد الشعب الكردي وانتهج طوال سنوات حكمه سياسة عنصرية حاقدة ضد هذا الشعب ، لكنه لم يجرؤ يوما للانتقام من هذا الشعب بقطع الرواتب أو حتى يؤخرها لبضعة أيام . وما يحصل اليوم من حصار قاتل تفرضه الحكومة الاتحادية التي تديرها الكتلة الشيعية يعد خارج كل الأعراف القانونية والقيم الانسانية .

ينص الدستور العراقي في المادة (14) : العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي .

وتنص المادة (15) : لكل فرٍد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهة قضائيةٍ مختصةٍ .

مقدمة هذه المادة الأخيرة والتي تقر ( حق الحياة ) لكل مواطن عراقي تثير تساؤلا حول كيفية قدرة المواطن العراقي على (الحياة ) من دون دفع راتبه الذي هو حق مكتسب له مقابل قيامه بأداء عمل وظيفي ؟.

وتنص المادة (117 ) : اولاً :- يقر هذا الدستور عند نفاذه ، اقليم كردستان وسلطاته القائمة اقليماً اتحادياً

إذن فإن جميع موظفي كردستان هم بحكم الدستور جزء لا يتجزأ من مجموع موظفي الحكومة الاتحادية وبالتالي فإن لهم الحق في التعامل بسواسية ومساواة مع جميع موظفي المحافظات العراقية الأخرى وخصوصا في ما يتعلق باستحقاقات الرواتب والحصول على الامتيازات الوظيفية من العلاوات والترفيعات حالهم حال الموظف في بقية أنحاء العراق . ولكن الحاصل أن الموظف في كردستان لم يحرم من تلك الامتيازات فحسب ، بل أن الحكومة الاتحادية تستكثر عليه حتى دفع راتبه الشهري وهو قوت أطفاله وحقهم في الحياة .

أما المادة ( 121 ) فتنص في الفقرة الثالثة : تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الايرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الاخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها .

ألزمت هذه الفقرة الدستورية الحكومة الاتحادية بتخصيص الأموال اللازمة لإقليم كردستان بما يمكنه من القيام بأعبائه ومسؤولياته وفي مقدمتها دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين . ولكن الحكومة الاتحادية بدلا من الالتزام الكامل بهذا الحق الدستوري تمارس سياسة تجويع متعمدة ضد موظفي كردستان الذين لا ناقة لهم ولا جمل في المشكلات والأزمات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وهي مشكلات لا تعنيهم على الاطلاق !.

فرغم صدور قرار من المحكمة الاتحادية ومن محكمة باريس حول وقف تصدير النفط الكردي فإن عمليات التصدير تجري على قدم وساق وعلى مرأى ومسمع من الحكومة الاتحادية التي لا تمتلك القوة أو القدرة على وقفه !.

وما يتعلق بتسليم الموارد الجمركية والعائدات المحلية إلى خزينة الحكومة الاتحادية هو أيضا مشكلة لا تعني الموظف أو المواطن الكردي فهذه العملية مستمرة منذ أول يوم من سحب الادارات الحكومية من قبل النظام السابق في عام 1992 ولحد الآن ، وهي ليست جديدة بل قديمة قدم الادارة الكردية المستقلة عن بغداد .

لنفترض أن إقليم كردستان لم يكن بها لا نفط ولا غاز ، فهل هذا يعني بأن تتوقف الحكومة الاتحادية من تمويل رواتب موظفيه ؟ . هناك العديد من المحافظات العراقية ليست لديها موارد نفطية فهل يعقل أن يحرم الموظف فيها من حقه في موارد بلده ؟.

إن جميع المشاكل بين الحكومتين الاتحادية والاقليمية لا تعني بأي حال من الأحوال الموظف والمواطن الكردي ، فلا الموارد النفطية ولا العائدات الجمركية تدخل خزينة حكومة الإقليم وهناك جهات تستأثر بها دون الحكومة ، فلماذا يجب على الموظف والمتقاعد الكردي أن يدفع ضريبة تلك الخلافات التي تعجز الحكومتان عن حلها ؟.

إن الدستور العراقي واضح في عدم التمييز بين المواطنين في العراق ، وأقر بنصوص واضحة حق المواطن في العيش من خلال توفير الحد الأدنى من أجره كحق مكتسب لما يقدمه مقابل عمله أو وظيفته . وقد حان الوقت للتوقف عن التلاعب بأقوات الناس .وأن تأخذ الحكومة الاتحادية خلافاتها ومشاكلها مع السلطة الحاكمة في كردستان بعيدا عن الموظف والمتقاعد الذي يكتوي منذ عشر سنوات بنيران تلك الخلافات العقيمة التي لا ناقة له فيها ولا جمل .

أحدث المقالات

أحدث المقالات