في مقال سابق تحت عنوان “عراب المصالحة الوطنيه” قمت بتعريف المصالحة الوطنيه الحقه بأنها عملية إحياء مقومات المجتمع وتوفير الارضية الملائمه والمستلزمات الكفيله لازالة حالة التزئبق (تناثر كتلة الزئبق الى كتل مختلفة الحجوم عند تعرضها للارتطام).
وحيث انني تطرقت الى الاجراءات التى أعتقد أننا بحاجة اليها ، سأركز في هذا المقال على محورين هامين يتناولان زراعة بذور مشروع المصالحه والنتائج المتوقع حصادها.
أولا: منصة إنطلاق المصالحه: نعم فالمنصة السليمة لإنطلاق المصالحة هي كالبذور الجيدة المعالجة بالاسمده، لابد وأن تاتي أُكلها بعد رعايتها. والمصالحه كمشروع مجتمعي وسياسي وتاريخي ضخم يحتاج الى منصة إنطلاق كما تحتاج المركبات العلمية البالغة التطور والتعقيد الى منصات تمكنها من السير في الاتجاه السليم. هذه المنصة تحتاج الى أربعة أعمده لكي تستقر بثبات وهي:
1.إثبات حسن النيه: فألاحاديث الصحفية والمقابلات التلفزيونية لم يعد لها أي معنى بعد أكثر من عقد من الزمن تآكلت فيه اللحمة الوطنيه وعانى فيه العراقيين من وعود تختفي قبل ان يجف حبرها. وعليه فلابد للحكومة والمؤسسات السياسيه القائمه والسلطة التشريعيه من إلقيام بمبادرات وإتخاذ إجراءات تثبت انها جادة في سلوك هذا السبيل ومنها على سبيل المثال لاالحصر: إطلاق سراح بعض القادة السياسيين والعسكريين والمهنيينمن النظام السابق واللذين حُكم عليهم بجريرة غيرهم وإعادة الاعتبار الى خدماتهم للوطن والمهنه ضمن الظرف التاريخي والسياسي الذي عملوا فيه.
2.إنهاء حالات الكيل بمكاييل متعدده: حيث يعيش ملايين العراقيين تحت رحمة حالة من التناقض الاداري والحكومي والقانوني. فالمئات ممن تمت محاكمتهم وإدانتهم بل وإعدامهم لم يقترفوا ماإقترفه بعض السياسيون والمسؤولين الذين تربعوا على قمم الدولة او اعوانهم وأنصارهم، بل أن بعض قرارات الحكم التي تمت معاقبة المدانين بموجبها تبدو أيسر بكثير من جرائم إلسرقة وإهدار المال العام والرشوة والاستيلاء بالقوة على ممتلكات الغير ناهيك عن الاعتداءات على المواطنين وتغييبهم وخطفهم. وعليه فلابد للسلطة التنفيذية خصوصا أن تنهي سياسة المكاييل المتعدده وتعلن دون اي واجل أو خوف اسماء ومواقع اللذين تلطخت أيديهم بدماء شعبنا سواء من نفذ منهم أم من خطط، واللذين امتلأت جيوبهم بأموال العراقيين الذين سُرق منهم حتى حلمهم وأختطف أبنائهم وغيب بعضهم. لابد للحكومة أن تعلن وبحزم أكيد أن هذه الاعمال لن تمر دون حساب عسير ولو بعد حين.
3.قطع روافد إستفزاز مكونات الشعب العراقي:وذلك يعني توجيه السلوك العام للسياسيين من كافة الكيانات السياسية بغض النظر عن عائديتها والمسؤولين الرسميين على كل المستويات بالتصرف والحديث ضمن منظور الحفاظ على اللحمة الوطنيه وعدم صب الزيت على النار عن طريق الايحاءات والاشادة غير المبرره بهذا الطرف أو ذاك. ولابد من وضع كافة النشاطات المشاركه في العمليات العسكرية ضمن الجهد الرسمي للدوله مهما كان دور هذه النشاطات إيجابيا سواء كانت من “الحشد ألشعبي” أم من ” العشائر” لان في ذلك أذكائا لنار الطائفيه. وفي هذا الصدد لابد من إيجاد برامج سريعة للاستفاده من هذه الفعاليات ريثما تتم إلغاء هذه التشكيلات وتشجيع إنخراطها في القوات المسلحه بصورة فرديه وعلى اساس المواطنه وليس على أسس ميليشياوية أو عشائريه.
4.فتح أبواب السفارات والقنصليات العراقية أمام العراقيين: لآيخفى على أحد أن هناك ملايين العراقيين اللذين تركوا العراق منذ بدء الحرب العراقية الكونيه عام 1991 وإزداد هذا العدد بشكل مخيف بعد سقوط وتدميرالدولة العراقية بكاملها عام 2003. ولكي يكون لهؤلاء المواطنين أملا في عراقيتهم، لابد من إصدار تعليمات واضحه وفوريه للدوائر القنصليه خارج العراق بالسماح للعراقيين بتجديد وثائقهم الثبوتيه، وتسهيل مهام مراجعاتهم لكي يبقوا ملتصقين بعراقهم، وعدم إصدياد الفرص للانقاص من مواطنتهم كما حصل في الانتخابات االتشريعية الاخيره .
ثانيا: حصاد نجاح المصالحة الوطنيه:كما الارض التي تزرع ببذور الخير تنتج خيرا، هكذا ارى المصالحة الوطنيه، فمنصة إنطلاق المقاومة هي البذور التي يجب توفرها لكي ينجح هذا المشروع المصيري للعراق ويثمر خيرا على مختلف الصعد ومنها:
1.صعيد الامن والامان: فالامن للوطن من العدوان والارهاب والامان للعراقيين في ممارسة حياتهم الطبيعية يعتمدان على شعور المواطنة الحيوي، فالمواطنة هي حاضنة الامن الوطني كما أن العدل والمساواة وإعطاء الحق لاهله وتوفير الخدمات هي حاضنة للامان المجتمعي.
2.صعيد التفاعل والتكافل المجتمعي: لابد لي من أن أشير هنا بانني عندما وصفت المجتمع العراقي بالمتزئبق فذلك لان للزئبق خواص مذهله، فكما يتناثر الى كتل متعدده عند إرتطامه، نرى ان هذه الكتل توحد نفسها بسرعة فائقه عندما تُلَملَم وتُقٌرَب من بعضها وهذا في تصوري هو مجتمعنا العراقي الذي أثق بانه سيبدا حالة الاتحاد بسرعة إذا ما توفرت الارضية اللازمة لذلك رغم كل التشاؤمات المتداوله.
3.الصعيد التنموي: لايختلف إثنان على الاهمية الديموغرافية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصاديه سواء في مرحلة التخطيط أم في تنفيذ هذه الخطط. وعليه فلايمكننا أن نتصور أن بإمكان الدولة العراقيه أن تحقق نجاح يذكر لاية خطة إقتصادية أو إجتماعيه عندما يكون المجتمع مبعثرا وطاقاته مشتته وخبراته مجتثه وجامعاته مسيسة بتخلف ومدارسه مهملة ومؤسساته منعدمه.
وحده الشعور بالمواطنه والتآلف المجتمعي الذي تخلقه المصالحة الوطنيه يمكن أن يسهم في تسخير الاموال وتوجيه الجهود وتكامل الخبرات بإتجاه إعادة الاعمار بصوره فعلية وحقيقيه وإستغلال العزم الايجابي الذي سيتولد من ذلك لاعداد وتنفيذ خطط تنموية متكامله.
4.صعيد المكانة الاقليمية للعراق والعراقيين: ليس غائبا عن أي عراقي في أية بقعة من بقاع العراق او خارجه، أن مكانة العراق الاقليمية والدوليه إنحسرت بشكل دراماتيكي مما أدى الى شعور العراقيين بأنهم أما منبوذين للاشتباه بإرهابيتهم أو طائفيتهم وأما أنهم مستضعفين يحتاجون لسد الرمق والايواء ومداواة الجروح لانهم مهاجرون او مهجرون. والمؤسف جدا هو أن يجد العراقي إنسانيته المفقودة في وطنه في كل الدول عدى دولته. وعليه فأن العراق الذي لايستطيع العيش بعيدا عن العالم (الذي أصبح قرية الكترونيه) لابديل له عن إعادة ممارسة المواطنه الحضارية وحقوق المواطن لان المواطنه هي مفتاح الثروة الحقيقية داخليا وهي مقياس الموقع الاقليمي والدولي ولايمكن الحلم بذلك دون المصالحة الوطنية الحقيقية الشامله.
وأخيرا وليس آخرا، أستطيع القول أن المتابع يستطيع أن يستنتج بأن المصالحة الوطنية تكتسب زخما جيدا فلم تعُد خطة سياسية أو حكوميه بل مشروعا وطنيا إنقاذيا مصيريا كبيرا واجب التنفيذ. وهنا أجدني مظطرا للتذكير بأنه لابد لمشروع بهذه الاهميه أن يدار بصورة مركزيه توحد الطاقات وتوسع المشاركات وتنظم النشاطات لكي تصب جميعا في خدمة قاطرة المصالحة. فلابد من تسمية الاسماء وتشخيص المسؤوليات فكما للقاطرة مهندسيها وفنييها وإدارييهاومدير مشروعها فلابد أن يكون لمشروع المصالحة الوطنيه مهندسييها وفنييها وباني سِكٌتِها ولابد من أن يستلم عراب المصالحه الدكتور اياد علاوي قيادة المشروع بسرعة وبشكل كامللكي تبدا عملية صعود العراق من هاويته السحيقه.