18 ديسمبر، 2024 6:38 م

حصادُ الديمقراطيةِ الأسوء في العالم

حصادُ الديمقراطيةِ الأسوء في العالم

تَخلّصَ العراق بأرضه وشعبه من ألعن غولٍ حكم بالسيف عرفه تأريخه , بعد أن ظنَّ العباد بأن السماء قد أستجابت لدعاء قد قنط الكثيرون منه ولكنهم آثروا أن يتمسكوا به لضعف حيلتهم وقوة طغيان الحاكم عليهم , وأعتقدوا بأن السماء أنفتحت وأستجيب الدعاء وسَلطت السماء القوى العظمى على القوى المستعظمة وماهي ألا أيام وتهاوت أركان الطاغوت والجبابرة , وحَمَدَ بعضهم السماء وأثنوا عليها والبعض ألاخر أستفاق على لغط وغوغاء , هذا لكم حلال فقد ذقتم سنين عجاف فأنهبوا واحراقوا ولاتكلّوا , فحُرِقت أصول المعرفة وسُرقت الاثار والتحف وأفرغوا البنوك والمصارف ومزقوا الهويات وحتى الاطفال لم يقعدوا فبعثروا الاوراق والمستندات , وأخذ الشعب يبيع ما نهبه من الشعب وأمتلأت الاسواق بما أستطاعوا أن يحملوه وأخذ الشعب يشتري من الشعب وفاتهُ أن يسال (من أين لك هذا) وحينها أستشعر الصالحون بأن السماء عادت وأغلقت بابٌ أسمه العراق .
وأنقشعت عنا سحب الدكتاتورية المظلمة وطلع علينا فجر الديمقراطية المطلقة التي أباحت كل شئ وبحجج أسموها مكونات ومظلوميات وأستحقاقات فصار ألاستحواذ شرعاً والاعمال الاجرامية دفاعاً والفساد منهجاً وتطبيقاً وأختلط الفاسد بالرقيب والرقيب بالفاسد وأختلطت الاوراق وتعددت الجماعات والشخصيات والرموز وأصحاب المعالي ودول الرئاسات وتبعاً لذلك شرعت قوانين الامتيازات والخاص من الدرجات ووظائف بالوكالات وحصانات ومصفحات وعَظُمَ الترف السياسي وأستفحل الارث الديني وأتسعت الصلاحيات والسلطات التي وصلوا لها بالساذج من الشعارات وأصبح لدينا مكون خاص هوالمكون السياسي بينما بقى العامة في أنتظار السنوات متأملاً وفي العشوائيات ساكناً وزادت الكارثة فأصبح مهجراً فنازحاً ثم لاجئاً والله يعلم ما يحصل لنا مستقبلاً , ولنغض النظر عن الخوض في الاسباب ولنتفحص ما وصلنا اليه من الحصاد , ديمقراطية من دولة مستكبرة أستغلتها الدولة المستغفرة أسست لبلد المكونات , قوم قوميون أنفصاليون مبتزون مفلسون , وقوم نازحون ومهجرون باعوهم من يمثلهم من السياسيين , وقوم منتفضون أستغلوهم بحجة المظلومية والعقيدة , والكل أخذ يبحث عن مخرجاً للأزمات التي تلاحقت وكثر اللغط والتنظير والتحليل , وكثرت المناشدات والاحتجاجات لعام كامل وهي تطالب بالاصلاحات , وعجزت النصائح والارشادات وبُحّتْ الاصوات ومازال المتسلطون علينا في غيهم يعمهون والشعب باقٍ لاموجهاً ولا قائداً له والناس على غير هدى سائرون .
وأصبحنا اليوم نتسائل هل الديمقراطيه تلائم واقعنا وهل أنجزت ما كنا نتطلع اليه من أمان وأستقرار هل فعلاً طُبقَ هذا المفهوم والذي يُعرّفهُ البعض بأنه حكم الشعب وحرية الانتخابات والتعبير عن الرأي والحقوق والواجبات , وبالمراجعة نرى أن ما طُبقَ منها هو القشر الخفيف الذي يحتويها فكل هذا شعارات ساذجة لاحداث التأثير الوهمي على المتلقي , فما الهدف النبيل الذي يراد تحقيقه فعلاً من تطبيق الديمقراطية , أليست هي العداله المجتمعية والوصول الى حكم مثالي رشيد يطبق فيه القانون على الجميع وتشرع القوانين لكي ينهض المجتمع ويرتقي ويسمو بحضارة أنسانية تحفظ له الوطن وتجعله منبراً أنسانياً حافلا بالمنجزات , فما الذي تحقق من ذلك غير الايغال بما كنا عليه في عصر حكم الغول الدكتاتوري .
وقد سهلت الديمقراطية الطريق لمفاهيم كثيرة أستخدمها السلطويون على أختلاف أشكالهم ونكهاتهم وتاريخهم وأرثهم وتبعهم الساذجون من الرعاع وكثرت فينا التبعيات والولاءات وصرنا فرقاً وجماعات وفقدنا الامن والامان وزادوا هم ترفعاً وثراء وسكنوا القصور والقاعات وأصبحوا ملوكاً في أمبراطورياتهم قابعين ومتعالين عن حقيقة أن ليس المهم كيف يبنوا دولة بل المهم كيف يؤسسوا أحزاباً وكتلاً تعود عليهم بمنافعهم , وهم يتبجحون بغطاء الديمقراطية وأحسنيتها وأن لابديل عنها , في الوقت الذي وضعوا العراق في أواخر قوائم السوء في العالم من حيث التربية والتعليم وحقوق الطفل ودخل الفرد والصحة ولم يُستثنى أي مسار من ذلك , بينما حصل العراق على أرقى الدرجات في الفساد والارهاب وهدر الاموال وفساد المؤسسات السياسية والاستحواذ على الممتلكات والاموال بغير عمل ولاتجارة , فهل هذا ما يريده المواطن البسيط وهل تهمهُ تلك المفاهيم أم الذي يأمله هو سكن وغذاء يحفظ له كرامته ويؤمن له عيش كريم كما كرّمهُ الخالق تعالى , وبعد ذلك كله أليس الألى بنا أن نراجع أنفسنا وأن يصاحبنا الخجل .
ألم يحن الوقت لنخجل من أنفسنا كشعب كانت له حضارات علّمت الانسانية الكتابة والقوانين بأننا لم نقدر ولخمسة وثلاثين عاماً من التصدي لتلك الحقبة الظلماء من تاريخنا والسبب فينا قبل غيرنا , ألم يحن الوقت لنزداد خجلاً من أن أمة مستكبرة قد حررتنا وفرضت علينا ديمقراطية واهية وأتت بمن تسلط علينا , ألم يحن الوقت لنخجل بشدة حين نسمع أن من يحررننا من الارهاب هي دولة مستغفرة بينما أبنائنا هم الذين يقاتلون ويستشهدون , وقمة الخجل هو أننا لم نستطيع حمل السلطة التي على رقابنا على أن تخطو أول خطوة على طريق الاصلاح بعد فساد أستشرى وفاحت ريحته فأزكمت أنوفنا قبل أن تراه عيوننا , فهل نستفيق من ذلك السبات العميق الذي نحن فيه ونعيد للوطن ما يستحقه من قدسية , أم سننتظر دول العالم الكافرة لتعيد حساباتها وتطور مفاهيمها وتأتي علينا بمفاهيم جديدة هي علينا دخيلة .