جلستُ أقصُّ مسيرةَ حياتي البائسةَ أمامَ مرآتي التي تقعّرتْ حَزناً على بلواي . حتى أشاحتْ وجهها عني , وهي تقولُ: بالله عليكَ إرحم نفسكَ , فلا أطيق ما أنتَ بهِ !!
وأنا استدرُ جانباً انقطع التيار الكهربائي . صرتُ أتحسسُ الاشياء , وأخمنُ ما يقعُ بأطرافي . وقعَ بيدي منشارٌ عتيق , ومساميرٌ صدِئةٌ , وسكينٌ حاد شقَّ اصبعي المسكين. وأنا أنزفُ أبحثُ عن قطنٍ أو منديلٍ لكنني لم أعثرْ على شيء . أخذتُ الجانبَ الاخرَ . إعتمدتُ على بصيرتي, فوجتُ نصفَ شمعةٍ , إبتسمتُ . وقلتُ: بقيتْ أعوادُ الثقاب . أينَ يمكنُ إيجادها -محدثاً نفسي- . لابدَّ أن تكونَ على الرفّ الواقعُ خلفي , مشيتُ خطوتينِ الى الوراء , ومددتُ يدي المرهقتينِ عالياً أتلمّسُ برؤوسَ أصابعي , وقدْ جرفتُ شباكَ العناكبِ الكثيفةِ الى أن أوقعتُ أغلبَ الاشياءِ أرضاً . تباً , كررتها حسرةً , إنحنيتُ كأعمى تسعيني يستجدي ببابِ إحدى الخرائبْ . وكمْ كنتُ محظوظاً ساعتها حينما التقطتُ علبةَ الكبريت , ونهضتُ مثقلاً بهمومي , وقد غشيني دوارٌ فجأةً !
أوقدتُ الشمعةَ , وأنا أطالعها تحترقُ بلوعةٍ . شجنتُ بلغةِ العيونِ قائلاً : أنتِ تذوبينَ دقائقاً , وأنا كما أنا منذُ سنين .
أنتِ تكرهينَ العتمةَ , وأنا افضلها .
ردتْ عليَّ : لو كنتَ مثلي لصرتَ كما أبدو . وأما انكَ تُفضلُ العتمةَ فلماذا أشعلتَ رأسي اذن .. ؟
فقدتُ التركيزَ . شعرتُ بالبردِ , أصبتُ بالاغماء .
فتحتُ طرفَ عيني المسدلُ بكسلٍ رهيبْ! ,نظرتُ حولي العالمَ الغريب , فاجئني صوتٌ رخيمٌ : (الحمد لله على سلامتك حجي) .
لمْ أفهم ماذا جرى ويجري . جاءتني ابنتي (أم حسن ) قبلتني , ومن ورائها أبنائي الاخرينَ , يعلوهم وجومٌ , وحيرةٌ من أمري .
سألتهم ماذا حصلَ لي .. ؟
أجابتني ابتني : أنني وبعدَ فقداني كثيراً منَ الدماء , وقعتُ على بركةٍ تحتي , ومن حسنِ حظي أنَّهم سمعوا قرقعةً في الطابقِ الثاني فهرعوا اليَّ , وكدتُ أن أستعرَ بالنيرانِ لولا مجيئهم بالوقت المناسب . تذكرتُ عندما قدحتُ رأس الشمعةِ .., فربما كذبتُ في قولي تفضيل العتمةَ ؟.
إقتربَ مني ولداي ( أبو عبدالله و أبو مريم )
وواجهاني بسؤالٍ غليظٍ :لماذا أردتَ الانتحارَ يا أبي ..؟ ارتسمت على وجهي ابتسامة عريضةً , وأجبتهم : مثلي لا ينتحر .
السلام عليكم , السلامة ايها الحاج .. قالها الطبيب . أجبتهُ : شكراً لكَ . أضافَ هوّن على نفسكَ , فالحياةُ لا تُختمْ بالموت عمداً . وأنا أتطلعُ الى نظراتهمْ المتأسفةِ اتجاهي , خرجتُ من صمتي , وألقيتُ على مسامعهم , ما كانَ بداخلي .. أنا لا أحتاجُ لاستدرارِ عطفكم , فقدْ كنتُ أملكُ بستاناً , وإنتاجهُ يغطي هذهِ المنطقةِ بأسرها ,ورغمَ أنني فقدتهُ بسببِ احتلال المستورد على المحلي , وخسرتُ حتى اضطررتُ بيعهِ .. لمْ أنتحر. وزوّجتُ بما معي من مالٍ هؤلاءِ الطيبين , وأشار بيدهِ الى أبو عبدالله وأبو مريم . وأنَّ منشاري أصبحَ عتيقاً منذُ ذلك الحينِ , ومساميري صَدئتْ بعدَ ذلكَ ؛لأنَّ شريكي النجارَ قدْ ماتَ. فبعتُ حصتي , مفضلاً العملَ في صعودِ النخيلِ وتلقيحها , وسكّيني مازالَ حاداً الى الان, ثمَّ إنَّ القدرَ لا يرجعُ أحداً بعد الموتِ , وإلاّ لكنتمْ أربعةَ رجالٍ بدلاً من اثنين,ولم أفكر بالانتحار . كما أنَّ دمائي مازالتْ غزيرةً الى هذه اللحظة , لكنَّ ما يحزنني حقاً , وقدْ شارفتُ على الثمانين, أن أعيشَ في بيتي وكأنني غريبٌ فيهِ, معزولاً في حجرةِ الطابق الثاني, يهجرني أبنائي ,والراتبُ التقاعدي نصفهُ على دوائي . أنا أقصُّ آهاتي يومياً على المرآة , لانَّ فيها صورةَ أُمكمْ تواسيني رحمها الله .
جلستُ أقصُّ مسيرةَ حياتي البائسةَ أمامَ مرآتي التي تقعّرتْ حَزناً على بلواي . حتى أشاحتْ وجهها عني , وهي تقولُ: بالله عليكَ إرحم نفسكَ , فلا أطيق ما أنتَ بهِ !!
وأنا استدرُ جانباً انقطع التيار الكهربائي . صرتُ أتحسسُ الاشياء , وأخمنُ ما يقعُ بأطرافي . وقعَ بيدي منشارٌ عتيق , ومساميرٌ صدِئةٌ , وسكينٌ حاد شقَّ اصبعي المسكين. وأنا أنزفُ أبحثُ عن قطنٍ أو منديلٍ لكنني لم أعثرْ على شيء . أخذتُ الجانبَ الاخرَ . إعتمدتُ على بصيرتي, فوجتُ نصفَ شمعةٍ , إبتسمتُ . وقلتُ: بقيتْ أعوادُ الثقاب . أينَ يمكنُ إيجادها -محدثاً نفسي- . لابدَّ أن تكونَ على الرفّ الواقعُ خلفي , مشيتُ خطوتينِ الى الوراء , ومددتُ يدي المرهقتينِ عالياً أتلمّسُ برؤوسَ أصابعي , وقدْ جرفتُ شباكَ العناكبِ الكثيفةِ الى أن أوقعتُ أغلبَ الاشياءِ أرضاً . تباً , كررتها حسرةً , إنحنيتُ كأعمى تسعيني يستجدي ببابِ إحدى الخرائبْ . وكمْ كنتُ محظوظاً ساعتها حينما التقطتُ علبةَ الكبريت , ونهضتُ مثقلاً بهمومي , وقد غشيني دوارٌ فجأةً !
أوقدتُ الشمعةَ , وأنا أطالعها تحترقُ بلوعةٍ . شجنتُ بلغةِ العيونِ قائلاً : أنتِ تذوبينَ دقائقاً , وأنا كما أنا منذُ سنين .
أنتِ تكرهينَ العتمةَ , وأنا افضلها .
ردتْ عليَّ : لو كنتَ مثلي لصرتَ كما أبدو . وأما انكَ تُفضلُ العتمةَ فلماذا أشعلتَ رأسي اذن .. ؟
فقدتُ التركيزَ . شعرتُ بالبردِ , أصبتُ بالاغماء .
فتحتُ طرفَ عيني المسدلُ بكسلٍ رهيبْ! ,نظرتُ حولي العالمَ الغريب , فاجئني صوتٌ رخيمٌ : (الحمد لله على سلامتك حجي) .
لمْ أفهم ماذا جرى ويجري . جاءتني ابنتي (أم حسن ) قبلتني , ومن ورائها أبنائي الاخرينَ , يعلوهم وجومٌ , وحيرةٌ من أمري .
سألتهم ماذا حصلَ لي .. ؟
أجابتني ابتني : أنني وبعدَ فقداني كثيراً منَ الدماء , وقعتُ على بركةٍ تحتي , ومن حسنِ حظي أنَّهم سمعوا قرقعةً في الطابقِ الثاني فهرعوا اليَّ , وكدتُ أن أستعرَ بالنيرانِ لولا مجيئهم بالوقت المناسب . تذكرتُ عندما قدحتُ رأس الشمعةِ .., فربما كذبتُ في قولي تفضيل العتمةَ ؟.
إقتربَ مني ولداي ( أبو عبدالله و أبو مريم )
وواجهاني بسؤالٍ غليظٍ :لماذا أردتَ الانتحارَ يا أبي ..؟ ارتسمت على وجهي ابتسامة عريضةً , وأجبتهم : مثلي لا ينتحر .
السلام عليكم , السلامة ايها الحاج .. قالها الطبيب . أجبتهُ : شكراً لكَ . أضافَ هوّن على نفسكَ , فالحياةُ لا تُختمْ بالموت عمداً . وأنا أتطلعُ الى نظراتهمْ المتأسفةِ اتجاهي , خرجتُ من صمتي , وألقيتُ على مسامعهم , ما كانَ بداخلي .. أنا لا أحتاجُ لاستدرارِ عطفكم , فقدْ كنتُ أملكُ بستاناً , وإنتاجهُ يغطي هذهِ المنطقةِ بأسرها ,ورغمَ أنني فقدتهُ بسببِ احتلال المستورد على المحلي , وخسرتُ حتى اضطررتُ بيعهِ .. لمْ أنتحر. وزوّجتُ بما معي من مالٍ هؤلاءِ الطيبين , وأشار بيدهِ الى أبو عبدالله وأبو مريم . وأنَّ منشاري أصبحَ عتيقاً منذُ ذلك الحينِ , ومساميري صَدئتْ بعدَ ذلكَ ؛لأنَّ شريكي النجارَ قدْ ماتَ. فبعتُ حصتي , مفضلاً العملَ في صعودِ النخيلِ وتلقيحها , وسكّيني مازالَ حاداً الى الان, ثمَّ إنَّ القدرَ لا يرجعُ أحداً بعد الموتِ , وإلاّ لكنتمْ أربعةَ رجالٍ بدلاً من اثنين,ولم أفكر بالانتحار . كما أنَّ دمائي مازالتْ غزيرةً الى هذه اللحظة , لكنَّ ما يحزنني حقاً , وقدْ شارفتُ على الثمانين, أن أعيشَ في بيتي وكأنني غريبٌ فيهِ, معزولاً في حجرةِ الطابق الثاني, يهجرني أبنائي ,والراتبُ التقاعدي نصفهُ على دوائي . أنا أقصُّ آهاتي يومياً على المرآة , لانَّ فيها صورةَ أُمكمْ تواسيني رحمها الله .