لم أكن أتوقع أن أكتب عن الشهيد حسن نصرالله بعد وفاته ، كنت مطمئناً أنه سيقودنا الى النصر الحتمي على هذه الغدة السرطانية التي تنهش الجسم العربي وتعيث فيه قتلاً وتدميراً.
في أحد مقالاتي القديمة في عام 2014، كان عنوان المقال: مع نصرالله ظالماً أو مظلوماً، بينت فيه حجم التدهور في العالم العربي وخرجت الى نتيجة أنه لو تولى حسن نصر الله السلطة لتغير وجه المنطقة.
في مقال قديم ايضاً، وتحديداً في عام 2017، كتبت مقالاً بعنوان: صلاح الدين وحسن نصرالله ، بينت فيه وجه الشبه بين الرجلين.
لعل حسن نصرالله ، كما فعل سلفه، أظهر أخلاق الفرسان في الحرب الحالية، فرغم تصريحاته المتكررة أنه إذا نشبت الحرب فلن يكون هناك ضوابط أو معايير، ولكنه لم يستهدف المدنيين في الكيان الصهيوني على مدار عام تقريباً.
كان حسن نصرالله الابن التاسع لبائع خضروات وفواكه، في سن السادسة عشر ذهب الى النجف الأشرف ولمدة عامين درس العلوم الدينية وبعد ذلك تتلمذ على يد عباس الموسوي، الذي أصبح زعيماً لحزب الله فيما بعد، وفي هذا الجو الديني تكونت شخصية نصر الله.
إضافة لشخصيته القوية كان نصرالله مثقفاً واسع الاطلاع ولديه موهبة التحليل الدقيق للأحداث، لم نر في العصر الحديث هذا العدد الهائل من الحضور، سواء في الحضور المباشر أو عبر العديد من شاشات التلفزيون حول العالم، لمشاهدة خطبه ومتابعة كل كلمة يقولها.
كان الرجل وفياً لمنطقة الجنوب ، فصنع منها قلعة حصينة عصية على الاقتحام، وكان وفياً لطبقته فأصبح الفقراء أقوياء يحسب لهم حساب.
لعلنا نذكر التدمير الهائل الذي فعله العدو الصهيوني في الضاحية الجنوبية من بيروت وقرى الجنوب، تكفل الحزب ببناء ما دمر والتعويض على السكان، وصلت التعويضات الى حد دفع ثمن الزجاج المكسور في المنازل جراء مرور الطائرات الإسرائيلية فوق بيروت الشرقية، يوم كانت بيروت منقسمة على أساس طائفي الى قسمين.
دول كثيرة في العالم الثالث لا تقوم بما قام به حزب الله بعد حرب تموز 2006، ولكنه يثبت مدى ولائه للفقراء من الشعب اللبناني، هذا ما أثمر اليوم عندما تهدم الغارات بيوت الجنوبيين فيقولون بعفوية : فدا المقاومة!
رأى الناس حزن حسن نصرالله عندما استشهد ابنه البكر هادي فتعزز لديهم أن هذا الرجل هو ابنهم وهو مثلهم يضحي مثلما يضحون ولا يقبع في قصر عاجي سالماً آمنا هو وعائلته.
قلة هم الزعماء الخالدون في تاريخ هذه الأمه، كان الرسول محمد أولهم ، يليه عمر بن الخطاب وصلاح الدين، وفي العصر الحديث لا بد من ذكر عبدالكريم الخطابي وعبد القادر الجزائري وعمر المختار وعز الدين القسام وجمال عبدالناصر وهواري بومدين، وسيكون الشيخ حسن نصرالله ضمن هذه القائمة المختارة.
عندما نتذكر مآثر الرسول محمد الذي كان أمة في رجل واحد، فقد حول ولاء الفرد للقبيلة الى ولائها للدين، كانت القبائل تغزو بعضها بعضاً وكان القوي يأكل الضعيف، فأصبحت بعده كما وصفها القرآن الكريم في سورة عمران (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
تحقق هذا التحول بشكل نهائي في عهد خليفته عمر بن الخطاب، أي بعد وفاة الرسول بثلاث سنين.
عندما نتذكر صلاح الدين الذي وحد شعوب المنطقة وجمعها على هدف تحرير القدس من المحتلين الأجانب، وكان له ما اراد.
ستقول كتب التاريخ إن حسن نصر الله جمع شعوب المنطقة على هدف تحرير فلسطين وقد استشهد قبل أن يحقق هذا الهدف، ولكنه ترك خلفه منظمة قوية تستطيع إنجاز حلمه الذي عمل طيلة حياته على تحقيقه.
نستطيع القول رغم الحزن والقهر الذي يعتمل في صدورنا، إننا كنا محظوظين ويحق لنا أن نفخر أننا عشنا في زمن حسن نصر الله.
النصر دائماً للشعوب والفجر قادم.